رأي

مشروع قانون مالية 2024 صمود في وجه التحديات الوطنية والدولية، لكن ماذا تحقق؟‎ ‎

مشروع قانون مالية 2024 صمود في وجه التحديات الوطنية والدولية، لكن ماذا تحقق؟‎ ‎

إن صمود إقتصادنا الوطني في وجه التحديات و الأزمات الدولية منذ أزمة كوفيد 19 و اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ، و ارتفاع أسعار المواد الأولية ، و توالي سنوات الجفاف لا أراه بالأساس راجع للحكومة ، بل هو راجع بالأساس للسياسة الرشيدة و الحكيمة لملك البلاد الذي وضع سياسات استباقية لمواجهة أزمة كوفيد 19 و مخلفاتها على اقتصادنا الوطني ، و سياسته الاستباقية في مواجهة آثار الجفاف و ندرة المياه .

و مما يؤكد ذلك جليا هو أننا اليوم  في  ثالث مشروع قانون مالية تقدمه الحكومة، بمعنى أننا نوشك على بلوغ  منتصف الولاية ، و لا شيء تحقق من وعودها ، سوى الحديث عن صمود اقتصادنا الوطني في مواجهة الأزمات .. لهذا فإننا نوضع بأن هذا الصمود بفضل جلالته وليس بسياسة حكومية .. فكل ما جاء به البرنامج الحكومي لازال حبيس الرفوف..  و الكل يترقب التعديل الحكومي، وعينه ترنو لاستحقاقات 2026، و السؤال الطويل العريض الذي نعيد طرحه ماذا تحقق من برامج و وعود  أحزاب الأغلبية في انتخابات 8شتنبر  2021؟ وما هي حصيلة البرنامج الحكومي في سنوات-2021- 2022-2023- ؟

سيأتي الوقت لنقف بدقة على هذان السؤالان ونفكك ما يحملانه من أسئلة وإشكالات كبرى، لكن مقالتنا هذه ستتجه بالقراءة والتحليل نحو الخطوط العريضة التي جاء بها مشروع قانون المالية2024، والذي تشرفت بالاستماع إليه يوم الجمعة 14 يوليوز 2023 بالبرلمان المغربي. في عرض شامل و دقيق قدمه السيد فوزي لقجع الوزير المندب بالمالية أمام أنظار السادة النواب و المستشارين بالبرلمان المغربي، و عرض السيد وزير جاء في محوره الأول ساردا فيه  الصعوبات التي واجهة تنفيذ قانون مالية 2023 المطبوع بسياق وطني و ودولي صعب ، والمحور الثاني جاء عرض فيه السيد الوزير سياقات إعداد مشروع القانون المالية 2024 والبرمجة الميزانياتية الإجمالية للسنوات الثلاث القادمة 2024-2026.

وسنحاول العروج على كل محور حسب عرض السيد الوزير مع الوقوف على بعض الملاحظات عند الاقتضاء لتتضح لنا الرؤية المالية فيما تبقى من عمر الحكومة، ولنعرف إلى أين تسير ماليتنا العمومية في أفق 2026..

المحور الأول: صمود إقتصادنا الوطني  في سياق وطنيا ودوليا مطبوع بالأزمات  .

لا نعدوا قول الحقيقة إذا أقررنا أن الجفاف و الحرب الاوكرانية و ارتفاع الأسعار و أزمة كوفيد19 ضربت الاقتصاد  العالمي في العمق ، بل لم يصمد  من اقتصادات  الدول في وجه هذه الأزمات إلا من رحم  الله ، و من لها قيادة حكيمة و رشيدة لوطنها ، كما هو الشأن في بلدنا المغرب، فلولا الإجراءات الاستباقية  لجلالته في مواجهة تداعيات كوفيد19 و مواجهة  آثار الجفاف و نذرة المياه .. لكان إقتصادنا الوطني اليوم مريض و غير قادر على الصمود في وجه هذه الأزمات  التي سنتطرق إليها في سياقها الدولي من جهة و في الوطني من جهة ثانية .

  • السياق الدولي :

صرح الوزير المنتدب في المالية  السيد  فوزي لقجع بأنه رغم انخفاض الأسعار العالمية للمواد الأولية الأساسية و التوجه التشديدي لسياسات النقدية ظل تراجع الضغوطات التضخمية بطيئا مع البقاء في مستويات مرتفعة، بالموازاة مع تراجع معدلات النمو مقارنة بسنة 2022.

نظرا لتراجع التضخم مع بقاءه في مستويات مرتفعة أقدم البنك الفدرالي الأمريكي على إيقاف دورة تشديد السياسة النقدية مؤقتا، من أجل تقييم تأثير التدابير المتخدة، دون أن يستثني ارتفاعات أخرى لأسعار الفائدة في غضون السنة الجارية، كما قلص البنك المركزي الأوروبي من وتيرة رفع أسعار الفائدة الرئيسية ب +25 نقطة بدل +50 نقطة سابقا. كما أن انخفاضأسعار المواد الأولية من قمح و مشتقات الفوسفاط، أثر على ميزانية 2023، كما أثر أيضا تباطئ النمو الاقتصادي في منطقة الأورو لسنة 2023.

بالإضافة إلى تسارع التوترات في القطاعالمالي وزيادة تكاليف الاقتراض، وتباطؤ النمو، واستمرار التضخم، وتباطؤ انتعاش الإقتصاد الصيني، وتأجج الحرب في أوكرانيا جراء العملية العسكرية الخاصة التي تقوم بها روسيا، كل هذا وذاك أثر على تنفيد ميزانية مالية 2023.

2- السياق الوطني: المعيقات و الإكراهات

في هذا السياق، صرح السيد وزير فوزي لقجع في عرضه أن إكراهات و معيقات التعافي المطلق من أزمة كوفيد19 ، انضافت إليهإكراهات و معيقات الحرب الروسية الأوكرانية ، وإكراهات الجفاف، للسنة الثانية على التوالي، كل هذا أثر بشكل قوي ومباشر على الاقتصاد الوطني، مما جعل انخفاض نمو اقتصادنا الوطني لسنة 2023 لا يزال في حدود 0.6 نقطة، وبفعل التطور والدينامية الإيجابية لبعض القطاعات الغير الفلاحية كقطاع الصناعة الذي بلغ معدل استخدام الطاقة الإنتاجية فيه 72.8% في متم ماي بدل 71.4‎%‎  في متم ماي من السنة الماضية. وقطاع السياحة أيضا، الذي تزايد عدد الوافدين فيه بنسبة % 21 بالمقارنة مع سنة 2019، أي قبل جائحة كوفيد19 ، وقطاع النقل الجوي الذي عرف أيضا ارتفاع و رواج بنسبة 5.3% مقارنة مع سنة 2019،  نفس الشيء في القطاع المعدني الذي بلغ %26.4 بالمقارنة مع السنة الماضية التي لم تتجاوز -11%، وقطاع البناء الذي بلغ 4.6% عوض %4.5 السنة الماضية.

لكن قطاع الطاقة عرف انخفاضا بنسبة 9% إثر تراجع إجمالي الإنتاج الصافي لمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، مما يدفعون للتساؤل: لماذا هذا التراجع؟ وماذا يفعل هذا المكتبالذي من أولوياته الإنتاج للطاقة المائية والكهربائية ؟ ومن المتوقع استمرار التنازل التدريجي للتضخم بفضل التدابير الاستعجالية المواكبة لتشديد السياسة النقدية بالنظر إلىانخفاض الأسعار الدولية للمواد الأولية. وتلاشي توترات سلاسلالإنتاج، وتراجع أسعار الشحن البحري، وكذا الاستيعاب الكلي للتأثيرات التراكمية للارتفاعات السابقة التي عرفها سعر الفائدة الرئيسي لبنك المغرب، مع تضافر الجهود لمواكبة التوجيه التقييدي للسياسة النقدية.

لقد ساهم أيضا في هذا الصمود التمويلات الموجهة للاستثمار، رغم تشديد شروط منح القروض لفائدة المقاولات، كما ساهم الجفاف لسنتين متتاليتين في فقدان العديد من مناصب الشغل، بلغت 280.000 منصب شغل ما بين الفصل أول من سنة 2022 والفصل الأول من سنة 2023، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 12.9% منهم 27.1% حاملي الشهادات في الوسط الحضري.. إنه رقم مخيف و يدعو للقلق ، بل يدفعنا ألى التساؤلا من جديد حول وعود الحكومة في توفير مناصب الشغل !!!! أين هي؟؟ و ها نحن نفقد 280 ألف منصب شغل هذه السنة ، فأين نحن مليون منصب شغل الذي وعدت به الحكومة ؟ .

على مستوى المبادلات الخارجية: 

ظل تباطئ نمو التجارة الخارجية للسلع عنوان بارز، في ظل سياق دولي اتسم بتراجع النمو العالمي خاصة في منطقة الأورو الشريك الرئيسي للمغرب، وارتفاع مخاطر الركود، لكن يسجل ارتفاع طفيف لعجز الميزانية التجاري ب 1.7%، نتيجة ارتفاع الصادرات بنسبة3.6% والواردات نسبة2.8% ، و استمرارية ديناميت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج سجل ريادة بنسبة 14.9%، كما ساهم في هذا التباطؤ، انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب بنسبة 11.9%. مما يطرح السؤال علينا جميعا، وعلى الحكومة أيضا، لماذا هذا التراجع في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة؟ وأين هي الحكومة من الرؤية الملكية السامية لتشجيع الاستثمار.

على الحكومة  أن تعيد الثقة للمستثمر الأجنبي كما أعادتها للفاعل الاقتصادي  في  التعاطي مع سعر صرف الدرهم الذي ظل ثابت بين +-5 % مما يؤكد صلابة الاقتصاد الوطني .. لكن  غياب جاذبية  الاسثتمار الاجنبي المباشر في اقتصادنا الوطني ، يدفعنا لتساؤل مجددا ماذا قدمت الحكومة لتنزيل الرؤية الملكية للاسثتمار .. ماذا تفعل  الحكومة  لتساهم في رفع التحدي  الكبير و هو  تقوية جاذبية  اقتصادنا لثقوية روابط الثقة بينه وبين المستثمر الأجنبي داخليا وخارجيا .

  المحور الثاني: مؤشرات صمود اقتصادنا الوطني و  فرضيات مشروع قانون مالية 2024 و البرمجة المالية  2024-2026

رغم استمرار السياق الصعب وطنيا و دوليا  يرى السيد الوزير المنتدب في المالية فوزي لقجع، أن الاقتصاد الوطني يحافظ عل صموده بفضل السياسات المتبعة. مما يعزز ثقة المجتمع المالي و الدولي في إقتصادنا الوطني، تلك الثقة التي تعد عاملا أساسيا وضروريا في تعبئة التمويلات بتكلفة منخفضة مما يساعد أيضا في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة .. و هنا سنقف على أربع مؤشرات رسمية تؤكد ثقة المستثمر الدولي في الإقتصاد الوطني.. و نمر على الفرضيات التي جاء بها مشروع قانون مالية 2024 مع البرمجة الثلاثية لسنوات 2024-2026.

 1-مؤشرات دولية تؤكد صمود إقتصاد الوطني في وجه الأزمات الدولية و الوطنية 

  

المؤشر الأول: فبراير 2023، سجل خروج المغرب من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي بعد تقييم مسار ملائمة المنظومة المالية الوطنية مع المعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال و تمويل الإرهاب. و يرجع هذا التتويج أيضا إلى الجهود والإجراءات الاستباقية التي تبديلها المملكة في مجال تعزيز الترسانة القانونية المحلية.

المؤشر الثاني: في مارس 2003، خروج مميز للمغرب في السوق المالي و الدولي، بخروج بإصدار سندات اقتراض في السوق المالية الدولية بقيمة إجمالية تعادل 2.5 مليار دولار، رغم تقلب الأسواق المالية، نجح المغرب في ولوج السوق المالي و الدولي.

المؤشر الثالث: في أبريل 2023 استفاد المغرب من خط ائتمان مرن من صندوق النقد الدولي لمدة سنتين بقيمة تبلغ 500 دولار أمريكي، وبلغت المملكة هذه الاستفادة من الخط بفضل سياستهاالإقتصادية والتزامها بالحفاظ على هذه السياسة المالية مستقبلا.

المؤشر الرابع: في ماي 2023، سحب المفوضية الأوروبية المغرب من الله اللائحة الرمادية للإتحاد الأوروبي نتيجة الجهود التي بذلها المغرب في تعزيز فعالية نظامه المالي والقانوني في مكافحة غسيل الأجواء وتمويل الإرهاب.

هذه المؤشرات ينبغي على الحكومة استثمارها لجلب المزيد من الرساميل الدولية إلى المغرب ولجلب استثمارات دولية بعيدة المدى.

 2- فرضيات مشروع القانون المالي 2024

أما الفرضيات التي بني عليها مشروع قانون مالية 2024 محاوره فتوقعت الحكومة 75 مليون قنطار من محصول الحبوب، و 500 دولار للطن من البوتان، و توقعت سعر صرف الدرهم مقابل الدولار في 9.8% و معدل التضخم في 3.4% .

كما جاءت توقعات حكومة في البرمجة الثلاثية بنفس الأرقام في صرف الدولار بالدرهم ، 9.8% في سنة 2025 و في سنة 2026 و 75مليون قنطار كمحصول زراعي من القمح في سنة 2025 و نفسه في سنة 2026، لكن توقعاتها في معدل التضخم جاءت مخالقة لسنة 2024 فتوقعت 2% لسنة 2025 و 2% لسنة 2026 بدل 3.4%. نفس الشيء في سعر البوتان توقعت الحكومة 450 دولار للطن بدل 500 دولار وقود، وذلك في السنتين المتبقيتين من عمرها (2025-2026)

الحكومة تتوقع انتعاش اقتصاد الوطني بنسبة 3.7% خلال سنة 2024. عوض 3.4% المرتقبة سنة 2023، على الرغم من المحيط الدولي المرتبك فهناك توقعات بارتفاع القيمة المضافة الغير

نؤكد في الختام أن صمود اقتصادنا الوطني راجع بالاساس لرؤية الملكية الاستباقية في مواجهة الازمات بقرارات قوية وصارمة لها آثره المباشر على الاقتصاد ..  و من يقول بأن هذا الصمود راجع لعمل الحكومة  نقول له عد الى البرنامج الحكومي و عدد لنا ماذا تحقق  من وعود للمواطنين في الصحة و التعليم و السكن و الصناعة و الاقتصاد و رفع الاجور و توفير مليون منصب شغل ؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News