ثقافة | حوارات

كريمة دلياس: “فيسبوك” موقع “مُنحاز” يآليات عمياء و”رصاصات كاتمة للصوت” وكتابي يكشف وجهه المخفي

كريمة دلياس: “فيسبوك” موقع “مُنحاز” يآليات عمياء و”رصاصات كاتمة للصوت” وكتابي يكشف وجهه المخفي

“الحصار الفيسبوكي” موضوع استأثر باهتمام الكاتبة المغربية كريمة دلياس، حيث قررت تضمين تجربتها مع الحظر الذي تعرضت له داخل هذا “العالم الأزرق” بين دفتي كتابها الصادر حديثا، عن دار النشر “أفريقيا الشرق”.

تقول كريمة دلياس في حوار مع جريدة “مدار21” إن تقييد نشاطها على صفحتها ومنعها من إبداء الرأي والتعبير عما يجري في القدس دفعها لتوثيق معاناتها مع “الحصار الفيسبوكي”، معتمدة شهادات لكتّاب وفنانين وصحافيين وفاعلين سياسيين الذين واجهوا المنع ذاته.

وترى الكاتبة نفسها، في إصدارها الموسوم بـ”الحصار الفايسبوكي”، أن “فيسبوك” موقع “منحاز” و”مؤدلج”، و”يخدم” أجندات معينة، وهو الأمر الذي دفعها إلى الكشف عن الوجه الحقيقي لهذه الشبكات الاجتماعية.

وفي ما يلي نص الحوار:

بداية، كيف راودتك فكرة هذا الكتاب؟ وما دلالة العنوان؟

هذا الكتاب لم يأت من فراغ، بل انبثق من رحم معاناتي مع “الحصار الفايسبوكي”، حيث قامت إدارة الموقع بتقييد نشاطي على الصفحة ومنعتني من إبداء الرأي والتعبير عما يجري في القدس دون سابق إشعار، حينما تضامنت مع أحداث الحي المقدسي الشيخ جراح، الذي طوقته قوات الاحتلال الإسرائيلية وحاصرت الأهالي حصارا شاملا، مستعينة بشرذمة من المستوطنين الإسرائيليين المدججين بالأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة.

ما كان لهذا الكتاب أن يُولد لو أعطتني إدارة “فيسبوك” المساحة الحرة التي أستحقها بصفتي مواطنة رقمية في “الإمبراطورية الزرقاء”، ولعل حق المواطنة والحق في حرية التعبير هما أضعف الحقوق الرقمية التي يجب أن نتمتع بها في هذا الفضاء الافتراضي، والتي تكفلهما جميع القوانين الوضعية والربانية.

لماذا تلجأ إدارة فيسبوك إلى خرق القوانين التي أسست لها منذ انطلاق موقعها على الشبكة العنكبوتية؟ لماذا تلجم الكتاب وتقوم بتشذيب أقلامهم وتكميم أفواههم والتعتيم على أصوات كل المتضامنين والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية عبر بقاع العالم؟

لقد قامت إدارة فيسبوك بتطبيق “خوارزميات” على المحتوى الفلسطيني، وهي برمجيات “لوغاريتمية” ظالمة ترصد كل الكلمات والرموز التي لها علاقة بفلسطين وهويتها وثراتها تمهيدا لتهويد القدس في عمليات سافرة ومقيتة لقوات الاحتلال على الميدان.

وقررت أن أكتب عن معاناتي من خلال تدوين اليوميات، عندما وجدت نفسي محاصرة ولا أستطيع نشر حتى تدوينة بسيطة على صفحتي ولا أستطيع التفاعل بشكل مباشر مع منشورات الأصدقاء وتعليقات القراء.

لا أحد يعرف بمكابداتي اليومية على “فيسبوك” حينما كنت محاصرة؛ كل ما أنشره لا يظهر، أنتظر الطرف الآخر الذي قد يجيز منشوراتي بعد طول انتظار وقد يعدمها برصاصات كاتمة للصوت، اكتشفت بعدها أن الكثير من الأصدقاء طالهم الحظر الظالم، فقررت أن أكون صوت الآخر واتسعت الرؤيا لرصد معالم هذه الجريمة الرقمية الشنعاء بتحليل ظاهرة “الحصار الفايسبوكي” بكل تجلياتها وتشريح كل الآليات العمياء لهذا الحصار والوقوف على أشكاله المتعددة، ومن ثم جاءت فكرة جمع شهادات الكتاب والفنانين والصحافيين والفاعلين الحقوقيين والسياسيين من مختلف الجغرافيات والجنسيات، والذين طبق عليهم الحصار في أثناء الحرب الأخيرة على غزة.

وبرأيي، العنوان واضح المعالم يتطرق إلى الحصار الرقمي الذي طبقته إدارة “فيسبوك” على المتضامنين والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية من كل بقاع العالم، ويكشف من خلال اليوميات والشهادات آليات الحصار وأنواعه. وطبعا، الكتاب يضم أيضا الكثير من الفقرات المهمة التي تكشف الوجه الحقيقي لوسائل التواصل الاجتماعي ويزخر بمعلومات دقيقة وقيمة وغاية في الأهمية.

ما الهدف من هذا الكتاب؟

هذا الكتاب الجماعي الذي طال انتظاره محطة تاريخية مهة توثق لـ”الحصار الفايسبوكي” للكُتّاب والفنانين والصحافيين والفاعلين السياسيين والحقوقيين عبر بقاع العالم الذين ساندوا القضية الفلسطينية والمحتوى الفلسطيني؛ قبل اندلاع أحداث الشيخ الجراح بالقدس المحتلة وبعدها، على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة “فيسبوك”، الذي يضم حسابات عدد كبير من العقول العربية والمتعاطفين مع القضايا العادلة للشعب الفلسطيني المحاصر جوا وبرا وثقافيا ورقميا بكل الوسائل التي لم تعد تخفى على أحد في العالم لمحوه من الوجود الرقمي ومن الخارطة بأكملها.

هذا الحصار الرقمي كان هدفه تكميم الأفواه التي أطلقت صرخة استنكار لما يجري في عالمنا الرقمي الذي يتشدق بشعارات الحرية الرنانة في حين تصطدم بجدار أصمّ بسبب المنع والتّضييق اللذين تطبقهما إدارة “فيسبوك” في سياستها المتحيزة للرواية الإسرائيلية، من خلال قمع حرية التعبير عن الرأي الذي لم يشهده التاريخ الحديث منذ تأسيس هذا الصرح العظيم من طرف مؤسسه “مارك زوكربيرغ”، والذي ينافي البنود الأخلاقية والقيمية والإنسانية التي أسس لها قانونه الأساسي لبناء هذا الفضاء الافتراضي العظيم الذي اطمأننا إليه وإلى مبتغاه السّامي وآمنا به حتى النّخاع منذ انطلاقه في الشبكة العنكبوتية.

 هل “فيسبوك” يحد من حرية التعبير رغم مجانيته؟

مجانية “فيسبوك” لا تعطي الحق لشركة “ميتا” مصادرة حرية التعبير للمنخرطين عندما لا تكون آراؤهم تتماشى وسياساتها الظالمة والمنحازة لطرف دون آخر. بل على العكس، يجب على إدارة “فيسبوك” أن تتمتع بالاستقلالية والحيادية، وتضمن الحق في حرية التعبير لكل المنخرطين من مختلف الجنسيات والجغرافيات. وعندما تقوم بالسماح باستعمال خطاب العنف والكراهية للجانب الإسرائيلي على صفحاتهم “الفيسبوكية” وتمنع عبر خوارزمياتها الظالمة إيصال الصوت الآخر؛ صوت الفلسطينيين الذين تحصدهم آلة الحرب المتغطرسة وتحجب فضح كل الانتهاكات التي ترتكب في حق شعب أعزل، عبر ضرب الحصار على كل المتضامنين والمتعاطفين مع القضية الكونية العادلة، هذا كيل بمكيالين ويعرّي ازدواجية المعايير التي تتعامل بها إدارة “فيسبوك” مع القضايا العالمية. وفي الكتاب، تطرقت لهذه الازدواجية بتفصيل دقيق عبر الكثير من الأمثلة الحية.

شركة “فيسبوك” التي أصبحت اسمها الآن “ميتا” هي عملاقة التواصل الاجتماعي، فهي شركة ربحية بامتياز، تقوم بتضخيم أرباحها الخيالية من خلال انخراطات المشاركين عبر العالم؛ فتطبيق “الفايسبوك” هو الأشهر في العالم بالمقارنة مع التطبيقات الأخرى، والمنخرطون فيه هم المنتج الحقيقي الذي تبيعه شركة “ميتا” للمستشهرين وغيرهم، بحيث تكشف عن معلومات الخصوصية لكل منخرط لفائدة هذه الشركات التجارية. فهل هناك مجانية؟ لذلك خصصت فقرة في هذا الكتاب تتناول هذا الجانب من الموضوع، وبالضبط خوارزميات “خلف الكواليس”، تميط اللثام عن الأسرار الخفية لمواقع التواصل الاجتماعي.

هل ترين أن “فيسبوك” منصة “مؤدلجة”؟

في البداية، كنا نظن أن موقع “فيسبوك” منبر أحرار العالم، منبر من لا منبر له، يتمتع بحرية التعبير والحيادية والاستقلالية لكونه أكبر منصة رقمية تحتضن قنوات وإذاعات العالم والصفحات الإخبارية العالمية، لكن الحرب الرقمية الشرسة التي خاضتها إدارة “فيسبوك” ضد كل المتضامنين والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وضد الصفحات الإخبارية الفلسطينية التي أصبحت معظمها الآن في خبر كان، عرّت الديمقراطية الزائفة التي تتشدق بها الدول المتقدمة، وفضحت الشركات الإمبريالية المنحازة للسياسات الغربية والخاضعة لإملاءات الصهيونية.

ما الصعوبات التي يواجهها الروائيون الشباب؟

من وجهة نظري، أهم الصعوبات التي يواجهها الروائيون الشباب تكمن غي غياب التأطير الحقيقي للمواهب الصاعدة من طرف الهيآت الثقافية والجمعيات التي تعنى بقضايا الشباب، وكذلك ثمة صعوبة إيجاد دور نشر حاضنة لإبداعاتهم، لاسيما الذين هم في بداية مشوارهم الأدبي.

لنعرج على علاقتك بالأداب. كيف ولجت إلى هذا الميدان؟

في الحقيقة، لم أكن أتطلع لأن أكون كاتبة ولا شاعرة، لكن الكتابة فرضت علي نفسها بالقوة. الكثير من الكتابات أهملتها في بداياتي وذهبت أدراج الرياح. الكتابة بالنسبة لي سلاح لمقاومة الظلم والطغيان وفضح الاستبداد مهما كان مصدره، وباختصار الكتابة إكسير الحياة؛ هي كينونة الكاتب الذي يرى بعين ناقدة اختلالات العالم وبدونها لن يكون للحياة طعما.

من هم الكتاب الذين ألهموك؟

ألهمني الكثير من الكتاب والشعراء؛ فأنا قارئة نهمة منذ طفولتي، لكن يبقى أثر بعضهم مثل العنبر، يأتيك شداه في كل حين. ومن بين الشعراء الذين ألهموني، أذكر على سبيل المثال لا الحصر المعري، ودرويش، ونزار قباني.

وكذلك فتنت بالقوالب السردية والجمالية لمقامات بديع الزمان الهمداني، وحكايات “كليلة ودمنة” لابن المقفع، وحكايات شهرزاد “ألف ليلة وليلة”، وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News