حوارات | سياسة

الساخي لـ”مدار21″: ينقصنا من يقول “لا” و”المصباح” تحطّم بعد تجربة الحكم

الساخي لـ”مدار21″: ينقصنا من يقول “لا” و”المصباح” تحطّم بعد تجربة الحكم

قبل أيّام وضع منتصر الساخي ترشيحه للانتخابات التشريعية المقررة في 8 شتنبر المقبل بالمغرب باسم تحالف فدرالية اليسار بدائرة سلا. منتصر هو أحد الوجوه البارزة للحراك الذي عرفه الشارع المغربي في 20 فبراير 2011 وأحد الشباب  الذين برعوا حينها بتفسير السرديّة الفكرية والثقافية التي أطرت الاحتجاجات في تصريحات وكتابات لقيت اهتمام الباحثين في مآلات الحراك المغربي وتقاطعاته مع انتفاضات تفجرت بعدة عواصم عربية قبل عقد.

الساخي الذي يبحث اليوم عن دخول دار الشعب، على أعطابها وعلاّتها، هو أحد البروفايلات الثقافية التي انتقدت بشدة آليات إنتاج النخب بالمملكة وتدوير الأحزاب لخدمة النظام، كما دافعت عن التقارب بين الإسلاميين واليساريين خلال لحظة “الربيع المغربي” وبعدها في تشكلات المشهد السياسي الوليد الذي حمل آمالا كبرى حينها.

خلال عقد من الزمن جرت مياه كثيرة تحت جسر السياسة بالمغرب وتقلّبت البلاد بين ربيع وخريف وسافر “المثقف العضوي” المعجب بكتابات أنطونيو غرامشي إلى فرنسا وهناك درس السوسيولوجيا والعلوم السياسية وعاد إلى المغرب حاملا ثلاث ماسترات ودكتوراه بالعلوم الإنسانية وآمالا بمواصلة النضال من داخل البرلمان.

في دراسته ظل منتصر مخلطا لروح الحركة باحثا في قضايا الثورة والحركات الاجتماعية وحقوق المهاجرين وحركات مناهضة العنصرية والإسلاموفوبيا ببلاد الأنوار.

اليوم يعود منتصر للمغرب ويترشح للانتخابات..ماذا يعني ذلك له ولجيل الحراك؟ هل يعني قرب دمج آخر “المقاومات” المحتملة لشرعية المؤسسات؟ هل هو إغراء قاسم انتخابي يقلب معادلة الأصوات والمقاعد؟  ما الذي تغيّر اليوم بعد عشر سنوات؟

في الحوار أدناه يجيب منتصر عن هذه الأسئلة وأخرى، مواصلا دفاعه عمّا فتحته حركة 20 فبراير من مساحات للتعبير والحرية. المشهد السياسي ينقصه من يقول “لا”  برأي منتصر  الذي  لا يرى أنه سيعيد بالضرورة إن حالفه النجاح تجربة عمر بلافريج حافظا لنفسه مساحة اختلاف مع السياسي المعروف بمواقفه المتميزة بالبرلمان.

أما عن تجربة الإسلاميين فيقول  “هناك من “الإسلاميين” كما “الاتحاديين” من ظل مقاوما، لكن التنظيمان تحطما بعد التجربة الحكومية”..

وفي ما يلي نص الحوار:

ناضلت في 20 فبراير ولم تغب عن وعيك المقولة التحليلية العميقة “كل شيء يتغير في المغرب من أجل ألا يتغير أي شيء”..ما الذي تغير الآن وجعلك تترشح دون أن يكون (هذا الترشح نفسه) متغيرا من المتغيرات التي تخدم الجمود والوضع القائم؟

صحيح كنت داخل حركة 20 فبراير، ولازلت مقتنعا بروح هذه الحركة التي كانت لها الشجاعة والجرأة أن تطرح قضايا الفساد والتسلط والاستبداد والإهانة للنقاش في الفضاء العمومي. الأكيد أن حركة 20 فبراير هي التي جاءت بالدستور الحالي وهي التي سمحت بالانتقال نحو عهد يسمح للمغاربة بالتعبير أكثر من السابق عن آرائهم المختلفة رغم موجات القمع ورغم السلطوية التي لازالت تطبع العديد من الممارسات. للأسف، العديد ممن يشتغل في الهامش الذي سمحت به حركة 20 فبراير يبخسونها ويعتبرون أنها حركة سلبية، في حين أن وجودهم مرتبط بها وبالصراع الذي خضناه في الشارع من وفي الجمعيات والأحزاب المعارضة آنذاك.

كنت مع مقاطعة الانتخابات؟

لم أكن آنذاك مقاطعا للانتخابات وشخصيا لم أغير وجهة النظر كثيرا حول الواقع في البلاد. دائما ما تلمست طريق السياسة عبر رموز آمنت بضرورة جعل كل لحظة سياسية فرصة للقاء الناس، معرفة واقعهم، التعبير رفقتهم عن مطالبهم. والانتخابات هي فرصة لتحقيق هذه الأشياء : فرصة لتحقيق ارتباط وطيد مع الناس وترجمة مآسيهم وأمانيهم على مستوى بعض المؤسسات التي تسمح بالكلام وبالتمثيل. سوسيولوجيا، في عالمنا الحديث ليست لنا العديد من الواجهات التي تسمح بهذا العمل، الانتخابات ـ وكان دائما هذا رأي الحركة الاتحادية والحركة الوطنية قبلها في المغرب ـ هي فرصة للالتقاء بالناس وبما كان يسمى آنذاك القوات الشعبية.

لكن، من جهة أخرى، أعلم جيدا مدى تبخيس السياسة، وأتفهم المواطن الذي يخلط عمدا بين كل الأحزاب، خاصة بعدما جرب الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية. كان الله في عون المواطن الذي تعرض للخذلان ويتعرض اليوم لتسلط أحزاب المال وأحزاب الإدارة. غير أنه أكثر من أي وقت مضى، مسؤولية الناس تقتضي التمييز واختيار مرشحين صادقين في فعلهم وقولهم ونضالهم في الشارع كما داخل المؤسسات. هذا، أعتقد، هو حظ المغاربة اليوم وقدرهم.

كيف يمكن أن تنتصر القيم التي ينادي بها منتصر من إخلاص وعمل وتقديم مصلحة عامة ومحاربة مراكز النفوذ في بيئة سياسية تنتعش فيها كل هذه الظواهر ولا تساعد التجارب الماضية في منحها أي وسام شرف؟ بل بالكاد حالات نزاهة فردية ومقاومات بغير نتائج قوية؟

أعتقد أن أثر الأشياء التي تنقصنا داخل الحياة الجماعية والسياسية هي مسألة الرموز والقدوة اليوم. ينقصنا في الممارسة الحالية أن نلمس أناس صادقين وخاصة نساء ورجال لهم من الشجاعة ومن الأخلاق ما يكفي لقول لا : لا لسياسات الريع، لا لسجن المحتجين، لا لاعتقال شباب في زهرة العمر لأنهم رفضوا سياسات الذل. شخصيا، أعد أن أصطف إلى جانب مصلحة المجتمع، أي إلى جانب كرامة المغاربة.

كيف تنظر لعهد الإسلاميين؟

أحيانا أقول إنه لحسن الحظ جربنا العدالة والتنمية في عتبات الحكم. رغم أننا أضعنا الكثير من الوقت، إلا أننا جربناهم وعلمنا بكون الأخلاق السياسية لهذا الحزب لم تصمد أمام السلطة التي هذبت تنظيمهم بسهولة، كما فعلت من قبل مع الاتحاد الاشتراكي بعد الولوج للحكومة. صحيح أنه هناك من “الإسلاميين” كما “الاتحاديين” من ظل مقاوما، لكن التنظيمان تحطما بعد التجربة الحكومية. التطبيع الرسمي مع إسرائيل، وما يعنيه الأمر من أشياء رمزية بالنسبة للمغاربة، رغم كل التبريرات التي يمكن تقديمها، ليس سوى نموذج من نماذج ابتعاد العدالة والتنمية عن الأخلاق والبرامج التي تعاقد الناس معها عليها. ناهيك عن صمت هذا الحزب أو سنه لسياسات أجهزت على المغاربة في تعليمهم وصحتهم وعملهم وسكنهم.

هل سيكون منتصر قريبا من نموذج عمر بلافريج؟

اشتغلت رفقة الأخ عمر بلافريج في تجارب سياسية سابقة كفضاءات الحوار اليساري ودينامية “وضوح، طموح، شجاعة”، وكذلك داخل مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد والاتحاد الاشتراكي، وتتبعت مداخلاته في البرلمان. أعتقد أن التجربة جميلة في عمومها، خاصة من ناحية اقتراح مشاريع القوانين وتعديلها. شخصيا أتقاسم معه العديد من الآراء، حول المسألة الاجتماعية وسأدافع عن قضايا العدالة الاجتماعية والسياسات الاجتماعية وعلى رأسها التعليم العمومي والمستشفى بكل صدق وبكل قوة إذا ما أتيحت لي فرصة الصراع على هذه القوانين داخل البرلمان.

ربما الاختلاف الذي كان لي مع عمر هو حول المسألة الثقافية، خاصة فيما يتعلق بالتقديرات حول مسألة الدين والسياسة. شخصيا لم يكن لي مانع مثلا في التنسيق مع العدل والإحسان داخل حركة 20 فبراير، وأعتقد أن اليسار يوجد كذلك داخل الموروث الديني للمغربي الذي يناهض الظلم والفساد والطبقية، كما أن الحرية مسألة أساسية داخل ثقافتنا وهي لا تتعارض مع التقليد ومع الأخلاق. ربما هناك اختلاف بسيط بيني وبين عمر بلافريج في لحظة 20 فبراير حول المسألة الثقافية، لكنني أنتمي إلى نفس المدرسة اليسارية المؤمنة بالصراع من أجل الدفاع عن المجتمع والمساواة بين أفراده.

اخترت الترشح بدائرة سلا ..هل سلا معقل ماركسي أم قلعة للآمال المجهضة؟

اخترت هذه الدائرة لأنني كبرت في دروب سلا وحوماتها الشعبية. درست بمدارسها العمومية في مدارس عشوائية وأقسام من القصدير استوعبت ما يزيد عن 60 تلميذ كما في مدرسة المسيرة بحي الواد. ليس الأمر عبارة عن مزايدة أو مفخرة، وإنما فقط تعبير عن معرفة متجددة بواقع الناس الذي أنتمي إليهم وجدانيا وسياسيا. صحيح، أحمل إسم شهيد مات إثر التعذيب، منتصر البريبري وأحد قادة تنظيم “لنخدم الشعب” اليساري، كما قام بتأطيري العديد من اليساريين في المدينة، ودرست الماركسية بمختلف أبعادها وأقوم بتدريس مناهجها المتجدد بجامعات فرنسية اليوم، لكن لابد من التذكير بأن الماركسية ماركسيات.

ماركس كان يقول بنفسه “أنا لست ماركسيا”. اليسار كما الماركسية التي أتبناه هو يسار متصالح مع الناس، مع ثقافتهم، مع معتقداتهم، مع أخلاقهم. يسار تشرب بواقع مدن مثل سلا، واقع فقر وبساطة سكانها، وهو يسار مناهض للظلم ومدافع عن الناس البسطاء وعن القوانين التي تريد حمايتهم وليس القوانين التي تريد إغراقهم.

سأدافع صادقا عن حظوظي في تمثيل ساكنة سلا والمغاربة عموما داخل البرلمان، لكن ليس البرلمان غاية ولا هدف في حد ذاته. ليس إلا واجهة من واجهات النضال، كما الواجهة المعرفية وكما الشارع حيث الضغط والاحتجاج على وضعنا الراهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News