رأي

الهندام والهوية المهنية للمدرس

الهندام والهوية المهنية للمدرس

لكل مهنة من المهن قواعد وأخلاقيات تعتبر إطارا مرجعيا يُسترشد به في الممارسة المهنية وأساسا لما يجب أن يكون عليه سلوك المنتسب إليها. وتعتبر أخلاقيات مهنة التدريس موجها لسلوك المدرس ودليلا على انتمائه لمهنته، ولا بد من مراعاتها والالتزام بها لإنجاز المهام المنوطة بها.

وتعتبر العناية بالهندام مظهرا دالا على تقدير المدرس لمهنته، وانعكاسا لالتزامه الأخلاقي واحترامه لأخلاقيات المهنة التي ينتمي إليها. واعتبارا لكون التعليم رسالة حضارية ومهنة سامية، فإن هندام المدرس والمدرسة يجب أن يعكس جوهر هذه الرسالة وروح هذه المهنة لأن المدرس يقدم المثال والقدوة في الذوق والجمال والمظهر جزء لا يتجزأ منهما، ولقد كانت المذكرة الوزارية 17ـ 093 الصادرة بتاريخ 18 يوليوز 2017 بشأن العناية بالهندام واضحة في تحديد أهمية العناية بالهندام والاهتمام به فهو ” يعتبر عنصرا أساسيا من العناصر التي تساهم في تعزيز المكانة الاعتبارية لحاملي رسالة التربية والتكوين… وفيه كذلك تعبير عن مدى تقدير الموظف لمهنته واعتزازه بها، كما يجلب تقدير واحترام الآخرين، ومما يزيد الهندام اللائق أهمية داخل فضاء المؤسسة التعليمية اعتبار الأطر الإدارية والتربوية قدوة يحتذى بها من طرف التلميذات والتلاميذ مما يحث على إعطائهم المثال الحسن في العناية بالمظهر”، وقد ورد في المأثور هذا القول المنسوب إلى الإمام الشافعي: “ثيابك يرفعك قبل جلوسك، وعلمك يرفعك بعد جلوسك ” وهو قول يشير إلى أهمية المظهر الخارجي.

من المؤسف حقا أن صرنا نشهد بعض المدرسات والمدرسين يلجون فضاء المؤسسات التعليمية بمظاهر لا تليق بهويتهم المهنية وتفتقد إلى الذوق الجمالي فيضعون أنفسهم موضع التهكم والسخرية والامتعاض .علما أن المدرس له وضع اعتباري علمي وثقافي يجب أن ينعكس على سلوكه ومظهره وصورته . ومن الواجب أن يكون المظهر العام للمدرس لائقا في أحسن صورة، ولذلك فهو يعتبر أحد عناصر تقويم أداء الموظف في مهنته، فالمظهر الخارجي إلى جانب سلطة المدرس المعرفية والتربوية تشكلان أهم عناصر قوة شخصيته ونجاحه المهني.

كما أن فضاء المؤسسة التعليمية له حرمته وقداسته المستمدة من قدسية العلم والمعرفة، وبما أن الأمر كذلك، فلا بد من صيانة هذا الفضاء من كل مظاهر القبح والابتذال والاستهتار. لقد صار الحديث كثيرا عن جاذبية فضاء المؤسسة وأثرها في العملية التربوية، ويمثل الفاعلون داخله من مدرسين وإداريين جزءا من تحقيق هذه الجاذبية.

كثير من المدرسات والمدرسين يخطئون حين يعتبرون أن الهندام والاهتمام بالمظهر الخارجي حرية فردية ولا أثر لذلك على مهنة التدريس ولا على العملية التربوية، وكأنهم لا يدركون أن أول ما يبدو من المدرس والمدرسة هو الشكل والمظهر الخارجي ولذلك أثره على المتعلمين والمتعلمات، فالمدرس يقف أمامهم وأعينهم شاخصة إليه تلاحظ وتدقق فيه وفي طريقة كلامه وحركاته وملامح وجهه ولباسه.. وهنا لابد أن نستحضر أنه يمثل قدوة للمتعلمين والمتعلمات في السلوك والذوق الفني والجمالي.

والذوق يتأسس على أربعة عناصر هي: استشعار الجمال والإحساس به، واللباقة في التصرف والحديث، والهدوء والاتزان، ثن الأناقة وحسن المظهر. واعتبارا لقيمة الذوق ورقيه يرى الأديب المصري أحمد أمين أن ” الذوق عمل في ترقية الأفراد والجماعات أكثر مما عمل العقل، فالفرق بين إنسان رفيع وإنسان وضيع ليس فرقا في العقل وحده بل أكثر من ذلك فرق في الذوق” ويضيف أحمد أمين وهو يوجه رسائله إلى ابنه في كتابه الشهير ( إلى ولدي ): “نظم ذوقك: استشعر الجمال في مأكلك وملبسك ومسكنك..

أي بني!

لقد جربت الناس فوجدتهم يخضعون للذوق أكثر مما يخضعون للمنطق، فبالذوق لا بالعقل تستطيع أن تستميلهم، وأن تأسرهم، وأن توجههم، وأن تصلحهم إن شئت”.

إن المجتمع لا يسمح للمدرس أن ينسلخ عن هويته المهنية بما هي مجموعة من الخصائص والسمات والقيم والمعايير التي تميز جماعة سوسيومهنية عن أخرى، وهي تتطلب من المنتسب إليها التمظهر وفق شروط تتناسب ومتطلبات المهنة في سلوكه وأفعاله.

إن الهوية المهنية كما يرى ذلك عالم الاجتماع رونو سانسليو لها سمات وبصمات البعد الثقافي بمعنى أننا أمام مجتمع مؤسسة بحيث يكون الفاعل ( المدرس ) ملتزما بقواعد وضوابط هذا المجتمع أي أن سلوكاته تعكس امتثاله للقيم والمعايير المنتجة جماعيا عبر التفاعل اليومي بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين. وبالتالي نحن أمام مؤسسة اجتماعية تساهم في التنشئة الاجتماعية لأفرادها، والخروج عن قيمها يعد سلوكا غير مناسب للنسق العام، والمظهر الخارجي من هيئة وهندام ببعده الرمزي والدلالي، هو ـ بهذا المعنى ـ جزء من النسق الرمزي للجماعة السوسيومهنية.

 

-أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي، ومهتم بقضايا التربية والتكوين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News