رياضة

سعيد شيبا.. “أسد” مغربي يلقّن “أشبال” المغرب أسرار “الزئير” في ملاعب إفريقيا

سعيد شيبا.. “أسد” مغربي يلقّن “أشبال” المغرب أسرار “الزئير” في ملاعب إفريقيا

يسير سعيد شيبا رفقة المنتخب الوطني لأقل من 17 عاما على خطى وليد الركراكي مع منتخب الكبار، بعدما أجبر المنتخبات الإفريقية على احترامه في كأس إفريقيا الأخيرة التي أقيمت بالجزائر، رغم الإكراهات التي وضعت في طريقه للمشاركة في المسابقة.

وتألق “الأشبال” في “كان” الجزائر ببلوغهم المباراة النهائية بعد إقصاء منتخبات قوية، بينها البلد المضيف الجزائر في ربع النهائي، ومالي في مربع الكبار، قبل الخسارة بصعوبة أمام السنغال (2-1) في المباراة النهائية.

وحاز شيبا جائزة أفضل مدرب في “الكان” نظير المستويات الكبيرة التي قدمتها كتيبته طيلة المنافسة، وحنكته في قراءة وإدارة المباريات، وطريقة لعبه العصرية التي تخدم تكوين جيل يحمل آمال مستقبل كرة المغربية.

شيبا، الذي استحق جائزة الأفضل في “الكان” متفوقا على مدرب السنغال الفائز باللقب، ظل التواضع شعاره الأبرز طيلة أطوار كأسٍ إفريقيةٍ أجريت على بساط استفزازات صحافيي الجارة الشرقية وفئة من الجماهير للكتيبة المغربية.

وتعرض شيبا لاستفزازات خلال الندوات الصحفية في محاولة لجره إلى مستنقع السياسة وإدخاله في زوبعة حسابات تفقده تركيزه على المنافسة. لكن المدرب المغربي حافظ على رباطة جأشه وهدوئه، وبَرَع في فنون الرد داخل وخارج الملاعب، فكان دائم التشديد على أن حب الجزائريين للمغاربة فوق أي “تراهات” أخرى صادرة عن نظام العسكر بالجارة الشرقية.

على أرضية الملعب، حرص شيبا على إبقاء لاعبي المنتخب المغربي في منأى عن التوتر السياسي بين البلدين، والذي يصر المسؤولون بالجزائر على حشره في الرياضة والفن والثقافة وكل مجالات الحياة. ورغم صافرات الاستهجان التي رافقت عزف النشيد الوطني المغربي، وتشجيع قلة قليلة لمنافسيه، عَبَّد “الأسد” شيبا الطريق لـ”أشباله” للإطلاق أول زئير في القارة السمراء.

ورغم الفوز على منتخب الجزائر في ربع النهائي بثلاثية مدوية، ظل صاحب الـ52 عاما ثابتا وهادئا، بعيدا عن “التشفي” أو “إذلال” أصحاب الأرض، بل بالعكس، اختار الإشادة بلاعبي الجزائر رغم إقصائهم، والثناء على المنظمين والمنشآت الرياضية لبلد يضرب المغرب تحت الحزام بمناسبة وبدونها.

الهدوء ليس سمة جديدة على شيبا، المولود في 28 شتنبر 1970 بالعاصمة الرباط، فقد عُرف عنه ذلك عندما بدأ يدحرج الكرة داخل مدرسة الفتح الرباطي، حتى اعتزاله اللعب سنة 2007.

احتراف عكسي

بعدما لعب لفريقه الأم، حيث تألق، سيُقرر سعيد شيبا الاحتراف خارج المغرب، لكنه، عكس باقي اللاعبين الذين يفضلون الاحتراف في أوروبا والتقاعد في أحد الدوريات الخليجية، توجه متوسط الميدان الشاب، وعمره لا يتجاوز الـ25 ربيعا آن ذاك، إلى الدوري السعودي لصقل موهبته أكثر مع الهلال سنة 1994.

وجاور الشاب المغربي آن ذاك لاعبين كبار في صفوف الهلال على رأسهم سامي الجابر، ليستفيد من خبرتهم ويسرق الأضواء بتتويجه مع الفريق بلقبي الدوري والبطولة العربية.

بعد تألقه في الدوري السعودي، سيتلقى شيبا عرض “الأحلام” بالاحتراف في أوروبا، ورغم أن الأندية التي خطبت وده لم تكن من الوزن الثقيل، عض “الأسد” المغربي على الفرصة بالنواجد، وانتقل إلى ديبورتيفا كومبوستيال الإسباني صيف سنة 1996، حيث قضى 3 مواسم عبدت له الطريق للانضمام لصفوف نانسي الفرنسي.

ولم يتأقلم متوسط الميدان المغربي مع أجواء “الليغ1” جيدا رغم تألقه رفقة المنتخب المغربي في مونديال 1998 بفرنسا، فحاولت إدارة رين بيع ما تبقى من عقده صيف سنة 2000، لكنها فشلت في ذلك لينتقل على سبيل الإعارة إلى مذرويل الإسكتلندي في مارس 2001.

في صيف السنة ذاتها، رحل اللاعب المغربي إلى أريس سالونيكا اليوناني، وقضى معه موسمين، قبل أن يقرر العودة إلى الخليج من بوابة نادي قطر صيف سنة 2002، ومنه إلى الخليج الإماراتي سنة 2004.

الموسم الموالي، سيعود صاحب الـ35 عاما إلى فريقه الأم، الفتح الرباطي، لكنه رحل عنه بعد تجربة “محبطة” صيف عام 2006 صوب الشارقة الإماراتي، الذي حمل قميصه لموسم واحد قبل أن يقرر الاعتزال صيف سنة 2007.

“فتى ذهبي” لم يحالفه الحظ

استهل شيبا مسيرته الدولية مع المنتخب المغربي في يوليوز 1991 في مباراة ضد كوت ديفوار، وسرعان ما أصبح واحدا من الركائز الأساسية لـ”الأسود”، لكنه لم يفلح في صعود “البوديوم” واكتفى بتحقيق حلم التأهل إلى نهائيات كأس العالم والمشاركة فيها.

وخاض شيبا رفقة المنتخب المغربي 49 مباراة، ويعد واحدا من الجيل الذهبي الذي شارك في نهائيات كأس العالم التي نظمت بفرنسا سنة 1998، عندما أبهر “الأسود” العالم بمستوى عالمي بتعادل أمام النرويج (2-2)، وخسارة من البرازيل (3-0)، وفوز على اسكتلندا (3-0) كان كافيا للعبور إلى ربع النهائي لولا خسارة “السامبا” في الجولة الأخيرة أمام النرويج.

وشارك شيبا مع “الأسود” في كأس إفريقيا للأمم، وكان أفضل إنجاز فيها بلوغ ربع النهائي في نسخة 1998 التي أقيمت ببوركينا فاسو بمشاركة 16 منتخبا لأول مرة.

بداية متعثرة للمدرب الأنيق

بدأ شيبا مسيرته التدريبية بالخليج، حيث اعتزل اللعب، فعمل مساعدا لمدرب قطر القطري، سباستياو لازاروني، لثلاث سنوات قبل أن تضع إدارة الفريق الثقة فيه وتمنحه دفة القيادة عقب رحيل البرازيلي لتدريب المنتخب القطري سنة 2011.

وسيلتحق المدرب الشاب بالمنتخب الوطني سنة 2014، بعد اختياره مدربا مساعدا للمدرب بادو الزاكي، حتى 2016، عند إقالة الناخب المغربي.

وانتقل شيبا لخوض أولى تجاربه في تدريب الأندية بتولى قيادة فريق شباب الريف الحسيمي في أبريل سنة 2019، لكنه لم ينجح في تجنيبه النزول إلى القسم الوطني الثاني، ليقود سنة 2020 نهضة الزمامرة، لكن سوء النتائج عجّل بإقالته في شتنبر من العام ذاته.

وفي ماي 2021، تعاقد نادي أولمبيك آسفي مع المدرب الشاب مشرفا عاما على الفريق، خلفا لمدرب لعبد الهادي السكيتيوي، لكن تجربته توقفت بعد شهرين بسبب سوء النتائج، ليفك ارتباطه بالفريق العبدي.

بعد ذلك بشهرين، عينت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سعيد شيبا مدربا للمنتخب الوطني لأقل من 17 عاما، بهدف تكوين منتخب شاب قادر على المنافسة على الألقاب الإفريقية وضمان الحضور في نهائيات كأس العالم لهذه الفئة بعد مشاركة واحدة يتيمة.

ومنذ توليه دفة قيادة “الأشبال”، يقدم شيبا دروسا لبقية مدربي الفئات السنة حول العمل بتفانٍ وجدية خدمة لكرة القدم الوطنية، فهو يعي جيدا أن التكوين يعد الحجر الأساس لنهضة كرة القدم في أي بلد، لذلك يستثمر، بلا كلل أو ملل، خبرته وشغفه بكرة القدم في الجيل الحالي لمنتخب الناشئين، الذي تَشرَّب فلسفته الكروية وأسلوب لعبه القتالي والأنيق.

ويعد شيبا من المدربين المتوقع أن يتسلقوا درجات المجد بمثابرتهم وجديتهم في العمل، كيف لا، والرجل لا يركض خلف الشهرة ولا خلف الألقاب، وإن كان مطالبا بها، فدائما ما كان يؤكد في تصريحاته خلال كأس إفريقيا الأخيرة المسدل ستارها بالجزائر أن المسابقة ليست هدفا في ذاتها وإنما مجرد محطة في مسار تكوين لاعبيه الناشئين، وعليهم الاستفادة منها ما أمكن لتكوين شخيصة اللاعب الذي سيكونونه مستقبلا.

وستسلط الأضواء على سعيد شيبا مجددا نهاية السنة الجارية، عندما يشارك رفقة المنتخب الوطني في نهائيات كأس العالم لأقل من 17 عاما، وكله أمل في إعادة كتابة التاريخ كما فعل وليد الركراكي مع منتخب الكبار في مونديال قطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News