ثقافة

أكمير يعيد عقارب ساعة العلاقات المغربية الإسبانية لحقبة ما بعد الانقلاب على الجمهورية الأولى

أكمير يعيد عقارب ساعة العلاقات المغربية الإسبانية لحقبة ما بعد الانقلاب على الجمهورية الأولى

أعاد يوسف أكمير عقارب ساعة العلاقات المغربية الإسبانية إلى الفترة ما بين (1875-1921) في كتابه الجديد “الأصول السياسية والاجتماعية للعلاقات المغربية الإسبانية”، شرّح فيه أسباب الأطماع الاستعمارية للجار الشمالي في تلك الحقبة، والتوظيفات السياسية المشرعنة للتدخل في المغرب وانعكاسات ذلك على الحياة السياسية والاجتماعية بالبلد الإيبيري خلال الفترة الأولى مما يعرف “بمرحلة عودة الملكية البربونية” إلى الحكم بعد انقلاب الجنرال “مرتينيث كانبوس” ضد الجمهورية الأولى.

الكتاب الذي صدر حديثا عن دار النشر “باب الحكمة” خلص، استنادا إلى الوثائق الإسبانية الموجودة في أرشيف القصر الملكي بمدريد، والأرشيف العسكري الإسباني، وأرشيف البرلمان الإسباني و كذا الأرشيف العام للإدارة بمدينة “”Alcalà de Henares إلى أن هناك خصوصيات ميزت العلاقات المغربية الإسبانية، إذ تأسس خلال الفترة المدروسة (1875-1912) “تقليد لا نجده في أي بلد استعماري آخر في علاقته مع مستعمراته، يستمر طيلة المرحلة الاستعمارية، ويتمثل في كون ما يقع في المغرب ينعكس مباشرة على السياسة الداخلية الإسبانية و على الرأي العام الإسباني”.

واستدل أكمير في مذهبه على ذلك بحدثين تاريخين الأول هزيمة الإسبان أمام مقاومة الشيخ ميمون في سيدي ورياش سنة 1893، إذا كان لها علاقة بتأزم الوضع السياسي الداخلي بشكل خطير في إسبانيا آنذاك، والثاني الهزيمة عام 1909 أمام قوات امحمد مزيان في معركة “خندق الذئب” قرب مليلية علاقة بما يعرف في الاستريوغرافيا الإسبانية بالأسبوع الدموي الذي عاشته برشلونة؛ والذي نجمت عنه مظاهرات سقط فيها العديد من القتلى، وحكم بالإعدام عقبها على عشرات من المتظاهرين. وكانت هذه الأحداث سببا في سقوط حكومة انطونيو ماورا (Antonio Maura)، وفي تصاعد وتيرة الإرهاب السياسي الذي كان وراءه الأناركيون، والذي استهدف رموز النظام.

وعرج أكمير في كتابه على دوافع التحويل “القسري” للبوصلة الاستعمارية لإسبانيا نحو المغرب، إذ “كانت مدريد، عندما اعتلى “الفونسو الثاني عشر” العرش عام 1875، تعدُّ المغرب امتدادا طبيعيا لحدودها، وهذا ما لخصته جملة رئيس الحكومة “كانوفاس ديل كاستيو” الذي كان يقول “إن حدود إسبانيا الطبيعية توجد في جبال الأطلس”، وكذا ما روجت له الكنيسة التي كانت ترى أن استعمار المغرب ما هو إلا تنفيذ لوصية “إزابيل الكاثوليكية”، لذلك فالأطماع الإسبانية في المغرب كانت تتجاوز ما روجت له المنظومة الإمبريالية الأوروبية عقب مؤتمر برلين سنة 1884.

ويرى الباحث المغرب أن “القضية المغربية” كان لها ارتباط عضوي بما كان يقع في أمريكا اللاتينية والوسطى “فإسبانيا، على امتداد القرن التاسع عشر، فقدت بشكل تدريجي مستعمراتها في هذه القارة، وجاء فقدان كوبا (جوهرة التاج الإسباني في العالم الجديد) إثر هزيمة نكراء أمام الولايات المتحدة عام 1898 ليضع حدا لهذا الوجود الذي استمر ما يزيد عن أربعة قرون، والذي لم يكن من السهل نسيانه”، وهذا ما يفسر، وفق أكمير، بدء التفكير في المغرب الذي اعتبر السبيل الوحيد لإحياء “الأمجاد الاستعمارية”.

وكانت “القضية المغربية” قطب الرحى في الحياة السياسية الإسبانية، إذ استعملت هذه الورقة، وفق الكاتب، من طرف جميع التيارات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكان لكل موقفه وما يبرره، فالحزب المحافظ الحاكم كان يرى أن اللعب بورقة المغرب والقرب الجغرافي منه قد يساعد على الحصول على اعتراف دولي بهذه الحقوق، وعلى الوقوف في وجه المشاريع الفرنسية البريطانية خاصة بعد توقيع المعاهدة السرية لعام 1904، والحزب الليبرالي، الذي كان يحل محل الحزب المحافظ في السلطة في إطار تناول مفبرك يقصي التنظيمات اليسارية، استعمل ورقة “القضية المغربية” للم صفوفه وتناسي الصراعات الداخلية التي كانت تمزقه، أما أقطاب اليسار؛ الحزب الاشتراكي أو الجهوي والأناكري، فإن استعمالهم “لورقة المغرب” ورفضهم لفكرة التدخل فيه كان الدافع إليها إضعاف النظام الملكي وحزبي التناوب اللذين يدوران في فلكه.

المؤلف، أكد أن “القضية المغربية” أظهرت مفارقة طريفة تكن في أن الجيش في إسبانيا خلال هذه المرحلة لم تكن مهمته تقتصر على تنفيذ قرارات الساسة، بل تجاوزتها إلى اتخاذه لهذه القرارات أو على الأقل المشاركة في اتخاذها، مشدد على أن القرارات الارتجالية التي اتخذها الجيش أظهرت مدى الفوضى التي تعم المؤسسة العسكرية ومدى حدة الصراعات الدائرة بين مجموعتين؛ تتبنى الأولى فكرة الترقي في السلالم العسكرية من خلال الأقدمية، وتتبنى الثانية فكرة الترقي من خلال الذهاب إلى المستعمرات، وهو ما جعل من استعمار المغرب الوسيلة الأكثر نجاعة للحصول على هذا الترقي، خاصة بعد فقدان مستعمرات العالم الجديد.

أما الكنيسة الإسبانية، فقد رأت أن من حق إسبانيا التدخل في المغرب لأنها كانت في حاجة لتلميع صورتها بعد الحرب التي شنتها عليها التيارات العلمانية، وخصوصا الأناركيين الذين اعتبروها أصل كل البلاء والتخلف الذي تعرفه إسبانيا.

أيضا، أوضح يوسف أكمير أن المجتمع الإسباني لم يتمكن من التخلص من عقدة “المورو” لذلك جاءت مواقفه متناقضة، إذ يحبذ احتلال المغرب لتفادي الخطر القادم من الجنوب من جهة، لكن لا أحد من أفراد هذا المجتمع يريد أن يذهب أقاربه كجنود إلى هناك على اعتبار أن “الذاهب إليه مفقود” من جهة ثانية، لذلك منعت الأمهات مثلا تقدم القطارات التي كانت تحمل الجنود الإسبان إلى المغرب عام 1909، وهو ما نجمت عنه الأحداث الدرامية سالفة الذكر، والتي عاشتها برشلونة طيلة أسبوع كامل، يضيف الباحث.

كما تناول الكتاب دراسة وقائع مؤتمر الجزيرة الخضراء والسياقات العامة المحيطة به، وما تخلله من معارك سياسية بين المؤتمرين، والتدافع الدبلوماسي بين القوى الاستعمارية الأوروبية في سبيل الوصول إلى مصالحها في المغرب، وخص الكاتب حضور الوفد المغربي بتحليل عميق غاص في أدائه الدبلوماسي، وشخصياته المشاركة والأهداف التي دافعت عنها.

وخصّص أكمير الصحراء المغربية في الأرشيف الإسباني ما بين 1911 و1912 بمحور خاص حلل فيه منطلقات الأطماع الإسبانية فيها، والتنافس الاستعماري الأوروبي عليها، مبرزا استماتة الجانب الإسباني في الدفاع عن مصالحه الاستعمارية، خاصة في السواحل المقابلة لأرخبيل الكاناري والتي تعتبرها إسبانيا مجالا جيواسترايجييا واقتصاديا حيوييا بالنسبة لهذه الجزر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News