سياسة

نور الدين: استفزازات الإسبان أخطر من تصريحات ميارة وقضايا السيادة لا تقبل التنازل

نور الدين: استفزازات الإسبان أخطر من تصريحات ميارة وقضايا السيادة لا تقبل التنازل

قال أحمد نور الدين، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، تعليقاً على إمكانية تأثير تصريحات منسوبة للقيادي بحزب الاستقلال النعم ميارة، التي جدّد فيها التأكيد على احتلال إسبانيا للمدينتين سبتة ومليلية، على العلاقات بين الرباط ومدريد، إن العلاقات المغربية الإسبانية، أخذت منحى جديدا وباتت أكثر صلابة بعد الأزمة التي مرت منها بسبب استقبال إسبانيا لزعيم الانفصاليين.

وأوضح نور الدين في تصريح لجريدة “مدار21″ الإلكترونية، في أعقاب الضجة التي أثارتها تصريحات ميارةـ خاصة لدى الصحافة الإسبانية، أن أبرز ملامح هذا التحول مراجعة إسبانيا لموقفها من مبادرة الحكم الذاتي ومغربية الصحراء، حيث تمت المصالحة على أسس ومبادئ واضحة ليس من ضمنها تنازل المغرب عن سيادته على الجيوب المحتلة.

وسجل الخبير في العلاقات الدولية، أن سبتة ومليلية والجزر المحتلة في البحر الأبيض المتوسط التي تصل إلى 11 جزيرة، منها ما هو على مرمى حجر من المغرب،”هي جيوب محتلة من إسبانيا وهذا واقع لا ينبغي أن نتنازل عنه مهما كانت العلاقات الاستراتيجية مع إسبانيا ومهما تحسنت هذه العلاقات، ولا يجب أن نقع في الأخطاء وأن نخلط تحسن العلاقات والاتفاقات بالقضايا السيادية التي لا تقبل التنازل”.

وكان النعم ميارة قال في لقاء حزبي عقدته منظمة المرأة الاستقلالية، نهاية الأسبوع الماضي، إن “حزب الاستقلال يؤمن بأنه سيأتي يوم سيسترجع المغرب مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، ليس بالسلاح ولكن بالحوار والمفاوضات الجادة مع الجارة إسبانيا”.

استفزازات إسبانية

وأوضح أحمد نورالدين، أنه إذا كان ميارة صرح أن سبتة ومليلية مدينتان محتلتان، فالمسؤولون الإسبان من أعلى رأس السلطة إلى أسفلها بما فيهم النواب البرلمانيون وغيرهم، لا يفوتون فرصة للتأكيد أن الثغرين المحتلين مثلهما مثل باقي المدن الإسبانية، وتصريحات رئيس الوزراء الإسباني في هذا المجال ليست ببعيدة والتي كررها خلال الشهور الأخيرة.

أخطر من ذلك، أشار الخبير في العلاقات الدولية، إلى الزيارات الرسمية لرؤساء الحكومات الإسبانية إلى سبتة ومليلية إلى جانب زيارة الملك الإسباني نفسه إلى المدينتين المحتلتين، مؤكدا أن “هذا يعتبر عملا استفزازيا للمغرب ليس فقط بالكلام وإنما بالفعل هذه الزيارات تعتبر تأكيدا على أنهما إسبانيتان بزعمهم”.

ولفت نور الدين إلى أنه خلال الأزمة الماضية بين إسبانيا والمغرب، لا ننسى أن الفرق البرلمانية الإسبانية تقدمت بمشروع قرار إلى البرلمان الأوروبي يدين المغرب في قضية اقتحام عدد من القاصرين لمعبر سبتة، مسجلا أن “الخطير في المشروع، ليس هو إدانة استغلال القاصرين أو غيرها من المزاعم التي يمكن أن تجد لها سندا حقوقيا، بل إن القرار الذي صدر عن البرلمان الأوروبي يدين المغرب ويعتبر سبتة جزءا من الحدود الأوروبية وبالتالي يعتبر الثغور المغربية أراضٍ أوروبية وهو أمر خطير للغاية ويعتبر استقواء بالاتحاد الأوربي من طرف إسبانيا لتكريس احتلالها لأراضٍ مغربية” .

وفي مقابل ذلك، يرى نور الدين أن تصريحات ميارة أقل حدة وأقل خطورة، لأنه بالعودة إلى تصريح ميارة فإنه تصريح حزبي داخلي، بينما في الجانب الآخر هناك خطوات عملية من مسؤولين إسبان، من خلال زيارة المدينتين والإعلان أنهما ضمن السيادة الإسبانية دون أي نقاش، ومنها زيارة بيدرو سانشيز نفسه إلى سبتة في مارس الماضي، بالإضافة إلى مواقف كل الأحزاب بما فيها بودموس الذي صرح أحد قياداته في وقت سابق أنه من غير المقبول في القرن العشرين أن تظل سبتة ومليلية مدينتين محتلتين وهو ما جر عليه زوبعة انتقادات شديدة من طرف الأحزاب الإسبانية.

واعتبر نور الدين أن ما يقوم به المسؤولون الإسبان أكثر استفزازا سواء من الناحية القانونية أو السياسية أو الإعلامية وبالتالي فتصريح ميارة أكثر من طبيعي لأن مغربية سبتة ومليلية ليست قابلة للنقاش، وزاد: “وحتى أولائك الذين يصطادون في الماء العكر داخل المغرب ويعتبرون أنها تصريحات ‘غير موفقة’ بالنظر لطبيعة السياق الذي صدرت فيها تزامنا مع تحسّن العلاقات المغربية الإسبانية نقول لهم لا تنازل عن القضايا السيادية”.

وشدد الخبير بالعلاقات الدولية على أن مراجعة إسبانيا لموقفها تجاه المغرب لا يصل إلى المستوى المطلوب باعتبارها قوة استعمارية سابقة ساهمت في خلق مشكل الصحراء من أساسه وعليها اليوم أن تصحح هذا الخطأ التاريخي بكل وضوح مثلها في ذلك مثل فرنسا، بعدما قسما أراضي المملكة إلى مناطق نفوذ نؤدي ثمنها اليوم.

هدايا مجانية

من ناحية أخرى، أكد نور الدين أنه لا يجب على المغرب أن يقدم هدايا مجانية لإسبانيا لأن هاته الأخيرة عندما راجعت علاقتها مع المغرب لم تراجعها على أساس أن يتنازل المغرب عن سبتة ومليلية، مشيرا إلى أنه حينما نعود إلى الرسائل المتبادلة بين البلدين سواء بين الملك محمد السادس وسانشيز أو التصريحات الواردة في الخطابات الملكية من الجانبين أو البيان المشترك الموقع بين الرباط ومدريد في أعقاب زيارة سانشيز إلى المغرب التي أنهت الأزمة بين المغرب وإسبانيا، نجد أن سبتة ومليلية مسكوت عنهما، بمعنى أن هناك اتفاقا شبه ضمني على إبقاء هذا الملف مجمداً إلى حين، لكن دون تنازل عن السيادة المغربية.

ويشدد نور الدين على أن الدبلوماسية المغربية لا يجب أن تقع في خطأ ردود فعل متسرعة لمحاولة إدانة تصريحات القيادي الاستقلالي ميارة، لأنه ليس من حق إسبانيا أن تضغط على المغرب في أمور سيادية على أرض مسكوت عنها لحسابات جيوسياسية خاصة، مؤكدا أنه ليس مطلوباً من الخارجية المغربية أن تبرهن عن حسن نوايا المغرب تجاه إسبانيا من خلال الرد على التصريحات التي أدلى بها ميارة، بل إنّ محاولة التنصل منها أو التهجم عليها سيكون خطأ فادحا وتنازلا رسميا عن سيادة المغرب عن أراضيه.

ردّ صارم

واعتبر نور الدين، أنه إذا صدر أي موقف إسباني تجاه هذه التصريحات، فإن على المغرب أن يرد بالصرامة المطلوبة والحزم اللازمين، موضحا أن المصالحة بين المغرب وإسبانيا كانت على أسس واضحة وأن ما دفع إسبانيا إلى هذه المصالحة هي مصالحها الاقتصادية حيث فاقت المبادلات التجارية بين البلدين 20 مليار دولار، فضلا عن الاختناق الذي عاشته إسبانيا اقتصاديا بسبب امتناع المغرب عن فتح الحدود مع إسبانيا وتوقف التعاون الأمني ومحاربة الهجرة غير النظامية بين الرباط ومدريد.

وأضاف، أن إسبانيا قدمت في هذه المراجعة تنازلا بسيطا وهي أنها أضافت على الموقف المعبر عنه من طرف الأمم المتحدة حول مبادرة الحكم الذاتي أنها الأكثر جدية والأكثر مصداقية والأكثر واقعية، بمعنى آخر أضافت اسم التفضيل “الأكثر” على ما يقوله مجلس الأمن والأمم المتحدة، لافتا إلى أن مدريد لها مكسب آخر في قضية ترسيم الحدود البحرية، “وهو ما يعتبر مسمار جحا في هذه المصالحة”، بحيث أنه سيتم خلق لجنة مشتركة لموازنة ومراعاة المصالح بين البلدين في مسألة ترسيم الحدود المغربية الإسبانية على الساحلين الأطلسي والمتوسطي.

وأكد نور الدين، أن إسبانيا لم تراجع موقفها من مغربية الصحراء مقابل سبتة ومليلية بل تمت المراجعة مقابل المصالح العظمى التي ستجنيها اقتصاديا وأمنيا واستراتيجيا من عودة العلاقات بين البلدين إلى مجاريها، معتبرا أنه “سيكون من الفداحة إذا صدر أي بلاغ من الخارجية يدين تصريحات رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة التي تؤكد على مغربية سبتة ومليلية وكل الجزر المغربية المحتلة من قبل إسبانيا”.

وخلص الخبير في العلاقات الدولية، إلى أنه حينما نضع كل هذه المعطيات على الطاولة، “يصبح تصريح النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين تصريحا عاديا وطبيعيا سواء صدر عنه ذاك التصريح بصفته الحزبية أو بوصفه رئيسا للغرفة الثانية للبرلمان، بل مطلوب من كل السياسيين المغاربة أن يدلوا بمثل هاته التصريحات وأن يعيدوا التأكيد عليها في كل مرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News