حوارات | سياسة

العلام: النظام لم يزل بحاجة لخدمات “بيجيدي” والانتخابات القادمة ستشبه 2007

العلام: النظام لم يزل بحاجة لخدمات “بيجيدي” والانتخابات القادمة ستشبه 2007

يستبعد أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، أن يبحث النظام في المغرب عن رص حزب العدالة والتنمية في مقاعد المعارضة، متوقعا، بخلاف ذلك، أن يحتفظ به في صفوف التحالف الحكومي المقبل. السبب: غياب بدائل أمام النظام قادرة على الصمود إبان الأحداث القوية والقرارات الصعبة التي قد تفرض الظرفيات المختلفة اتخاذها وتتطلب أحزابا بتماس فعلي مع الشارع.

العلام يرى في حوار مع “مدار21” أن هذا لا يعني أن النظام لن يواصل تقليم أظافر الحزب في الانتخابات المقبلة لإنهاك قدراته وإضعافه، في استمرارية لاستراتيجيته في احتواء الإسلاميين تزاوج بين التحجيم والحفاظ على مسافة تحرك للحزب.

أما على مستوى رمزية اللحظة الانتخابية التي تستقبلها المملكة في غضون أسابيع قليلة وحمولتها السياسية، فيرى الخبير السياسي أنها ستقترب من اقتراع العام 2007 الذي شهد نسبة مشاركة ضعيفة (37 في المائة) وتمخضت عنه حكومة ضعيفة أيضا بقيادة الاستقلالي عباس الفاسي.

غير أن واقع التراجع السياسي كما يصفه العلام وضعف الإقبال على الأشكال “الباردة” لممارسة السياسية  بشكل عام (الانتخابات، التنقيب، الانتماء الحزبي..) لا يواجه بالفراغ وإنما يقابله انتعاش في الأشكال “الدافئة” أو “الساخنة” لممارسة السياسية من مثل الحملات الرقمية والاحتجاجات غير المؤطرة حزبيا وضغوطات الرأي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

العلام يفكك أيضا في حواره مع الموقع  علاقة المصباح بالسلطة وتفاعلات القضايا الحقوقية في ظل ولايتيه، ويفسر لمَ يعتبر أن الرهان على حزب إداري  مكلف بالنسبة للسلطة.

وفيما يلي نص الحوار:

يرى البعض أنه لم يعد ممكنا للنظام تحمّل قيادة العدالة والتنمية ولاية حكومية أخرى بالمغرب وأن رهان السلطة اليوم على قيادة التجمع الوطني للأحرار للحكومة المقبلة..هل استنفدت السلطة حاجتها من المصباح؟

لا أظن أن أحزابا نشأت داخل الإدارة مثل الأحرار أو الأصالة والمعاصرة قادرة على قيادة الحكومة وإقناع الجماهير بالقرارات والاختيارات المختلفة التي تفترض ممارسة السلطة اتخاذها. وحاليا ونحن على أعتاب هذه الاستحقاقات من الممكن رصد مؤشرات على استمرار السمات العامة التي تجعل أحزاب الإدارة غير مقنعة سياسيا، مثل عمليات “استعارة المرشحين ” التي تقوم بها هذه الأحزاب لسد الفجوة التي يحدثها افتقادها لامتداد جماهيري وانتشار وسط النخب أيضا. لا أعتقد أن يقبل النظام بأن يُسيّر حزب لا يملك قوة تأثير في المدن والقرى وامتدادات في الشارع الحكومة. حزب يستند على الأعيان، هذه الفئة التي نعي جيدا تمثلات الساكنة لها والتي تبقى سلبية في الغالب، من غير المرجح أن يسمح له بقيادة الحكومة.

ويمكن أن نلاحظ في هذا السياق كيف اختار النظام تعيين العثماني بعد إعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة عوض المرور للحزب الثاني خلال عملية الانسداد السياسي المعروفة ب”البلوكاج” في 2016. ما منع النظام أساسا ، في تقديري، كان طبيعة الحزب الثاني، أي الأصالة والمعاصرة، الذي يفتقد للمقومات السياسية والامتداد الشعبي. وربما لو لم يكن الحزب الثاني في الترتيب هو الأصالة والمعاصرة، واحتل الاستقلال هذه الرتبة مكانه لجرى تعيين رئيس الحكومة من حزب علال الفاسي.

إذن لم تزل السلطة بحاجة إلى العدالة والتنمية، وقد نستحضر هنا تخطيط البلاد لتطبيق بعض الإصلاحات في السنوات المقبلة  على المقاصة عبر رفع الدعم عن بعض المنتجات ضمن قرارات أخرى؟

نعم أظن أن النظام المغربي سيحتاج حزب العدالة والتنمية داخل المشهد السياسي. ربما قد لا يريده أن يكون بنفس القوة التي كان بها ولا أن يقود الحكومة، ولكن ما هو شبه مؤكد أنه يريده أن يستمر في الحكومة وأن يبقى له وزن. فالدفع بهذا الحزب للمعارضة لن يفيد النظام. يمكن هنا أن نستحضر كيف أن استراتيجية حسني مبارك الذي عمل على تجريف البرلمان من الإخوان  بعد النتائج القوية التي حققتها الحركة بشكل خاص في انتخابات 2005 سيؤدي إلى إضعاف نظام مبارك.

وفي تقديري النظام بالمغرب يعي جيدا كل هذا. قد لا يسمح للمصباح بالبقاء بنفس القوة التي كان عليها لكن أستبعد وجود توجه لإبعاده، لأن مصلحة النظام تقتضي أن يبقى العدالة والتنمية  جزءا من المشهد الحكومي. فحكومة دون  حزب سياسي له سند شعبي وامتداد في نسيج المجتمع ستكون مضطربة وعرضة لكثير من الأزمات والتقلبات أكثر مما هو الحال مع حكومة سياسية على الأقل على مستوى من يقود التحالف.

لكن هل وجود العدالة والتنمية في الحكومة يخدم الحزب وهل يخدم المنطق السياسي في البلاد بشكل عام؟

بتحليل مواقف السلطات الإدارية والولاة والعمال وموقف الدولة عموما من العدالة والتنمية، أعتبر أن المنطقي الآن هو أن يتجه العدالة والتنمية إلى المعارضة. وجود الإسلاميين في المعارضة سيعيد بعض المنطق والانسجام لتركيبة المشهد السياسي، غير أن هذا الاختيار سينعكس سلبا على النظام لأن المعارضة ستنتعش وسيتمكن الحزب من تجديد دمائه وخطابه وملأ البديل الغائب في هذه الجهة. بالمقابل، استمراره داخل الأغلبية الحكومية حتى دون قيادتها سيكبح العديد من الأصوات داخله. وهنا يجب تذّكر أننا نبقى إزاء استراتيجية متواصلة هي استراتيجية احتواء الإسلاميين، فالمعروف على الحركات الإسلامية أنها تتقلّب بين فترات تراجع وأحيانا تعود للواجهة بقوة بفعل متغيرات داخلية وإقليمية.

البعض يرى أن العدالة والتنمية لم يكن في المستوى المنشود في ملفات الحقوق والحريات وربما وجوده أثر سلبا على هذه القضايا بتبنيه مقاربة الصمت والتبرير إزاءها..هل وجوده في السلطة كان من أسباب التراجع الحقوقي؟

واقع الإضرار بحقوق الإنسان بالمغرب تشهد عليه تقارير عديدة بما فيها تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان نفسه. الآن هل الأمر مرتبط بوجود العدالة والتنمية وهل العدالة والتنمية ساهم في توسيع رقعة هذا الضرر الواقع على الحقوق أم على العكس مكن من تقليصها؟ يمكن أن نجد نفسنا هنا إزاء موقفين. البعض مثلا يمكن أن يستند إلى كون العدالة والتنمية كان ضمن الأحزاب التي اتهمت المحتجين بحراك الريف بخدمة مشاريع انفصالية ويسوق حالات أخرى للقول بأنه كان مساهما في الردة الحقوقية، لكن وارد جدا أيضا أن يكون حجم الضرر الواقع على حقوق الإنسان  كان ليكون أكبر لو لم يكن الحزب في السلطة، بالاستناد إلى مواقفه وخاصة إبان إمساكه بوزارة العدل والتدخلات والجهود التي بذلها لحل عدد من القضايا الحقوقية ورفع إضراب بعض المعتقلين مثلا، لكن يبقى القطع بإحدى الفرضيتين صعب.

ما هو مؤكد بالمقابل، من ملاحظة تاريخ الحركات الاحتجاجية الكبرى، أنه دائما ما تتراجع السلطة في السنوات الأولى للحراك وتنتظر حتى تضعف الهبة الشعبية لتستعيد قبضتها وتمحو كل المكتسبات التي قد يكون حققها الفعل الاحتجاجي. ولا شك أن المغرب عرف تراجعات قوية على مستوى الحقوق والحريات في العشرية الأخيرة.

لنعد للانتخابات المقبلة، هل ترى أن تاريخ 8 شتنبر 2021 سيكون لحظة سياسية فارقة؟ لحظة يعتنق فيها المغاربة من جديد حلم التغيير؟ ما موقع هذه المحطة السياسية من محطات سابقة؟

أتوقع أن هذه الاستحقاقات ستشبه الانتخابات التشريعية لعام 2007 التي مثلت لحظة تراجع للسياسة واتساع لخريطة اللامبالاة والعزوف والملل. فنسبة المشاركة المتدنية في تلك السنة كانت نتاج إحباطات متتالية بعد انتظارات وتطلعات كبرى علقها المغاربة من قبل على حكومة الاتحاد الاشتراكي. هذا الحزب الذي قاد الحكومة لأول مرة في 1998 بشعارات ووعود كبرى ستتكسر تباعا، مبعدة المواطن عن السياسة. وهو الأمر الذي سيتكرر في 2011 بعدما حمل  المواطنون مرة أخرى تطلعات وانتظارات كبرى فقط ليصابوا بإحباط قوي بحجم قوة الانتظارات التي حملوها. ولا أدل على غياب الرهانات الكبرى عن هذه المحطة من كون شخصيات سياسية حضرت بقوة في الولايات السابقة تفتقد الحماس والحافز للترشح اليوم وترفضه، فما بالك بالمواطنين؟ إننا أمام لحظة تراجع  فيها منسوب السياسة في المجتمع من الزاوية الحزبية والانتخابية وهيآت الوساطة التقليدية..

تقصد أن هناك فضاءات أخرى تتواصل داخلها السياسة أو تمارس فيها بشكل مختلف؟

نعم اليوم تنتعش في المغرب الأشكال الدافئة للاحتجاجات (الاحتجاجات، العرائض الرقمية، الآراء والحملات بمواقع التواصل الاجتماعي..) مقابل خفوت في الأشكال الباردة (الانتخابات، المسيرات النقابية، التأطير الحزبي.). السياسة اليوم تمارس بمواقع التواصل الاجتماعي التي أنتجت مثلا حملة المقاطعة أو عبر الفيديوهات التي تحرج السلطة أو خارج أطر الوساطة التقليدية عبر التنسيقيات الحاضرة بعدد من القطاعات والتي صارت تطرح نفسها بديلا عن النقابات، أو من خلال الحراكات المناطقية بالريف وجرادة وزاكورة وغيرها.

فهذه البدائل أو الأشكال الدافئة للاحتجاجات تتفوق اليوم على الأشكال الباردة التي تدل كل المؤشرات على ضعفها مثل معدلات  الانتماء الحزبي والتنقيب المتدنية جدا، وغياب الأحزاب في الحراكات الكبرى التي عرفها المغرب، وبشكل أساسي الأحزاب الممثلة في البرلمان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News