سياسة

هل يُلغي انهاء حالة الطوارئ الصحية قرارات الإدارة المغربية في زمن الجائحة؟

هل يُلغي انهاء حالة الطوارئ الصحية قرارات الإدارة المغربية في زمن الجائحة؟

بِحلول الساعة السادسة مساء من اليوم الثلاثاء 28 فبراير الجاري، ينتهي رسميا سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، التي أقرتها السلطات المغربية منذ ثلاث سنوات في سياق مواجهة تداعيات جائحة كورونا، حيث دأبت الحكومة على تمديد “الطوارئ الصحية” عند نهاية كل شهر منذ اعتمادها في الـ20 من مارس سنة 2020.

وقررت الحكومة في أواخر يناير الماضي، تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، من يوم الثلاثاء 31 يناير 2023 في الساعة السادسة مساء إلى غاية الثلاثاء 28 فبراير 2023 في الساعة السادسة مساء، وذلك من أجل الاستمرار في ضمان فعالية ونجاعة الإجراءات والتدابير المناسبة المتخذة من طرف السلطات العمومية للحد من تفشي جائحة كوفيد- 19.

غير أن قرار وقّف تمديد الطوارئ الصحية بالمغرب الذي انفردتمدار21” بنشر قرار الحكومة، يُثير عددا من الاشكالات القانونية والإدارية المتعلقة من جهة بمدى حاجة الحكومة إلى تعليق الطوارئ الصحية عبر مرسوم، على غرار قرارات تمديدها الذي ظلت وزارة الدخلية تعده باستمرار، ومن جهة أخرى بمصير القرارات والإجراءات والدوريات التي أصدرتها الحكومة طيلة اعتماد الطوارئ الصحية بالمغرب.

وتنص المادة الثانية، من قانون الطوارئ الصحية، على أنه “يعلن عن حالة الطوارئ الصحية عندما تقتضي الضرورة ذلك، طبقا لأحكام المادة الأول، بموجب مرسوم، يتخذ باقتراح مشترك للسلطتين الحكومتين المكلفتين بالداخلة والصحة، يحدد النطاق الترابي لتطبيقها، ومدة سريان مفعولها والاجراءات الواجب اتخاذها، ويمكن تمديد مدة سريان مفعول الطوارئ الصحية وفق في الفقرة الأولى من المرسوم بقانون”

كما تنص المادة الثالثة من نفس القانون، على “أنه على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية، أو بواسطة مناشير و بلاغات من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون نفاقم الحالة الوبائية وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية الأشخاص وسلامتهم، و لا تحول التدابير المتخذة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمواطنين”.

التعليق الرسمي

أحمد بوز أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد أن الحكومة ملزمة بتعليق العمل بتمديد سريان مفعول الطوارئ الصحية عبر مرسوم يعتمد المجلس الحكومي، على غرار قرار الاستمرار في التمديد، وذلك بناء على القاعدة القانونية المعروفة بـ”توازي الأشكال”.

وأوضح بوز في تصريح لـ”مدار21″، أنه يتعين التمييز ما بين “التعليق الرسمي”، و”التعليق الفعلي” حيث يمكن الحكومة أن تسهو عن فرض الالتزام بالتدابير التي تفرضها حالة الطوارئ الصحية، من خلال تجميد العمل بهذه الإجراءات بشكل غير معلن، كما حدث في مسألة فرض “الجواز الصحي” والأقنعة الواقعية “الكمامات”.

وأضاف أستاذ القانون الدستوري، أن التعليق الرسمي لحالة الطوارئ الصحية، يفرض على الحكومة أن تقرّه عبر مرسوم، تعلن من خلال نهاية العمل بعدد من التدابير التي جرى اعتمادها في وقت سابق لتطويق انتشار الوباء، و التي تم بموجبها تخويل السلطات العمومية اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية، أو بواسطة مناشير و بلاغات من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون نفاقم الحالة الوبائية.

وعلى خلاف ذلك، يرى عبد الرحيم العلام أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي، أنه من الناحية القانونية، ” لا يوجد ما يلزم الحكومة بانهاء حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، عبر مرسوم يتداول بشأنه المجلس الحكومي”، معتبرا أن انتهاء آجال سريان مفعول آخر مرسوم أقرته الحكومة دون أن يعقبه مرسوم جديد يمديد الطوارئ الصحية يعني عمليا تعليق العمل بها دون الحاجة إلى مرسوم.

وأوضح العلام، في تصريح لـ”مدار21″ أنه لابد من التمييز ما بين قانون الطوارئ الصحية الذي أصبح جزءا من المنظومة القانونية المغربية، وبين مرسوم تمديد سريانها الذي تنتهي أثاره القانونية بانتهاء آجال مفعوله،  مؤكدا أن الحكومة لأول مرة حددت مدة معينة لتمديد الطوارئ الصحية بالمغرب، لو أنها تركت المدة مفتوحة، لكانت اليوم ملزمة بانهاء حالة الطوارئ الصحية عبر مرسوم.

مصير القرارات الإدارية

وقال العلام، “لن يلغى أي نصّ أو قرار لأن عدم تفعيل حالة الطوارئ الصحية،  لن يسري بآثر رجعي”، وزاد: إذا كان هناك مثلا أشخاص متابعين بناء على حالة الطوارئ، يمكن محاكمتهم في ظل سريانها، لكن ستلغى المتابعة منذ الدقيقة الأولى على انتهاء مفعول المرسوم الحكومي المحدد باليوم والساعة. وأشار  العلام إلى أنه لحدّ الآن لا يوجد قرار يلغي مثلا “فرض ارتداء الكمامة”، لكن إذا لم يتم تمديد حالة الطوارئ الصحية فإن هذا القرار سيصبح لاغيا بشكل تلقائي، والأمر نفسه ينسحب على باقي القرارات التنظيمية والإدارية.

وأكد أستاذ القانون الدستوري، أن القرارات التي تم اتخاذها لمعالجة القضايا المرتبطة بمعالجة تداعيات الجائحة ستبقى، لكن في حال تعليق الطوارئ الصحية، ستعود الأمور إلى ما قبل اعتماد حالة الطوارئ سنة 2020، مسجلا أنه لن يقع ارباك لعمل المؤسسات والإدارات العمومية بل بالعكس ستنفرج الأمور بشكل ايجابي، حيث تعود عقارب الساعة إلى الخلف.

وفي نفس الاتجاه، أوضح أحمد بوز، أن تعليق تمديد حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، يلغي تلقائيا كل المراسيم والمقررات التنظيمية، التي اتخذتها السلطات خلال “الحالة الاستثنائية”، أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون نفاقم الحالة الوبائية بالممكلة.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري، أن انهاء  الحكومة العمل بمرسوم تمديد الطوارئ الصحية، سيفقد هذه القرارات والإجراءات السند القانوني لتطبيقها، وبالتالي تنتفي الحاجة إلى وجودها في المستقبل بانتفاء تمديد سريان مفعول الطوارئ الصحية، الذي يمنحها مشروعيتها القانونية.

وكانت “مدار21” قد انفردت بنشر قرار الحكومة وقّف تمديد الطوارئ الصحية بالمغرب، وذلك بفعل تحسن مؤشرات الوضعية الوبائية بالمملكة، وأكدت مصادر مسؤولة للجريدة، أن الجهاز التنفيذي، لن يأتي بأي مرسوم حكومي جديد لتمديد سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية التي أقرها المغرب منذ مارس 2020.وهو القرار الذي رحّبت به اللجنة العلمية للقاح ضد “كوفيد-19″، معتبرة أنه قرار “سيادي وسياسي” يقع على عاتق السلطات العمومية أن تتخذه تبعا لتطورات انتشار الوباء بالمملكة وبناء على ما لديها من معطيات.

القانون يعفي الحكومة

وشدد المصدر ذاته، على أن الحكومة لن تضطر إلى عقد أي اجتماع استثنائي، للمصادقة على مرسوم جديد يتعلق بتمديد حالة الطوارئ الصحية في أعقاب انتهاء سريان المرسوم السابق الذي يصادف اليوم الثلاثاء، لأن ايقافها لا يلزم الحكومة باعتماد أي مرسوم، لكون القانون يعفيها من ذلك.

وسجل مصدر حكومي، لـ”مدار21″،  أن المغرب يعيش “وضعا وبائيا جد مريح” بمختلف جهات، مؤكدا أن منظومة الرصد الوطنية، ما تزال مستمرة في تتبع المؤشرات الوبائية بما فيها المتحورات المنتشرة في إطار اليقظة اليومية.

وأوضح المصدر ذاته، أن الحكومة ارتأت في أعقاب التحسن الإيجابي للحالة الوبائية بالمغرب، ايقاف سريان الطوارئ الصحية، وذلك طبقا أحكام المادتين 2 (الفقرة الثانية) و3 من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق  بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، المصادق عليه بموجب القانون رقم 23.20 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.60 صادر في 5 شوال 1441 (28 ماي 2020) كما تم تتميمه وتغييره.

هذا، طرحت الوضعية التي تسببت فيها جائحة كورونا تساؤلات مشروعة حول الطريقة التي تواجه به المؤسسات الدستورية وعلى رأسها الحكومة والبرلمان تلك الظروف، وهو ما أثار إشكالية رئيسية تتعلق بطبيعة الآثار القانونية والسياسية لإعلان حالة الطوارئ الصحية سنة 2020، وخاصة ما يتعلق بإطلاق يد السلطة التنفيذية التدابير التي تراها ضرورية لتطويق انتشار الوباء.

وعلى خلاف الأنظمة الاستثنائية المشابهة الموجودة في الأنظمة القانونية المقارنة ترك قانون الطوارئ الصحية في المغرب مدة الإعلان عنها مفتوحة دون أن يقيدها بأجل، لم يكتف بإعطاء سلطة تقديرية مطلقة للجهاز التنفيذي، وإنما صادر حق البرلمان في أن يكون له رأي في تمديد هذه المدة، على غرار ما تبنته بعض الأنظمة الدستورية والقانونية المقارنة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News