سياسة

“شهادة المرأة نصف شهادة الرجل”.. وهبي يشعل فتيل “الحرب” بين المحافظين والحداثيين

“شهادة المرأة نصف شهادة الرجل”.. وهبي يشعل فتيل “الحرب” بين المحافظين والحداثيين

بعد أن دشنت المرأة دخولها إلى مهنة العدول، بقرار ملكي، بات وشيكا أن تصبح شهادة المرأة معادلة لشهادة الرجل، عكس المنطق الفقهي التقليدي، ذلك أنها إحدى النقط التي جاء بها مشروع القانون الجديد حول مهنة العدول الذي أحاله عبد اللطيف وهبي وزير العدل على الأمانة العامة للحكومة.

واعتبر وهبي، خلال مروره بمجلس النواب هذا الأسبوع، أن النقاش حول شهادة المرأة أصبح نقاشا متجاوزا، فالشهادة هي نفسها سواء كانت شهادة المرأة أو الرجل، لكن هذا القول يعتبره التيار المحافظ مناقضا لتعاليم الدين الإسلامي لأن شهادة المرأة محكومة بنصوص لا يجوز معها التأويل ولا الاجتهاد، في حين تجد التعديلات التي يباشرها وهبي صدا إيجابيا في الوسط الحداثي المغربي، ما يؤشر على تقاطب آخر قادم بين التيارين، في انتظار يرجح رأي المجلس العلمي الأعلى رأي أحد الأطراف على الآخر.

وربطت “مدار21” الاتصال بأحد رؤساء المجالس العلمية بالمغرب، غير أنه رفض التفاعل مع النقاش قائلا إن مثل هذا النقاش “أصبح نقاشا سياسيا وليس نقاشا شرعيا”، مضيفا أن هذا الأمر ينبغي أن يُسأل عنه المجلس العلمي الأعلى لإصدار فتوى في الموضوع، وأن كل النقاشات من هذا القبيل دستوريا يجب أن تحال على المجلس العلمي الأعلى وذلك حتى يكون هناك خروج من هذه الخلافات”.

وفي كل مرة يثار النقاش حول عدد من القضايا الخلافية، لا سيما تلك المتعلقة بالمرأة، وفي انتظار رأي المجلس العلمي الأعلى، تبرز وجهات نظر الطرفين، حيث يصارع التيار المحافظ لإبقاء الوضع على ما هو عليه، بينما يسعى الحداثيون إلى تنزيل تعديلات جديدة، يرون بأن السياق الحالي ومعطيات العصر تفرضها، ومنها مساواة شهادة المرأة لشهادة الرجل موضوع النقاش الحالي.

مساواة “الشهادتين” ضرورة

الباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي، له رأي آخر في الموضوع حيث أكد في تصريح لـ”مدار21″: “أعتقد أن الدولة قد حسمت هذا الموضوع حتى على المستوى الديني، حينما أفتى المجلس العلمي الأعلى بأن المرأة يمكن أن تكون عدلا ويمكن أن تعقد القران أو أن تكون شاهدة على الطلاق، ولهذا أعتقد أن الأمر حسم من هذه الناحية وأن شهادة المرأة اليوم يجب أن تكون موازية وبشكل تام ومساوي لشهادة الرجل”.

وأورد رفيقي أن “الحديث حول كون شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين حديث أصبح متجاوزا بحكم أنه حتى الحكم الفقهي المرتبط به كانت له سياقات تاريخية معينة كانت المرآة فيها قليلة القراءة والعناية خصوصا فيما يتعلق بالحساب، لأنه كما هو معلوم فالنص القرآني الذي ورد فيه الحديث عن التمييز بين الرجل والمرأة في الشهادة هو متعلق بالأموال والديون، والمرأة في ذلك الوقت كان من النادر اغتناؤها أو ضبطها لكل ما يتعلق بالحسابات والأموال، ولذلك احتاجت إلى شهادة امرأة غيرها”.

وتابع رفيقي في السياق نفسه: “لكن اليوم حتى على مستوى التدبير الاقتصادي تحتل مراتب مرموقة وأثبتت كفاءتها أحيانا حتى تجاوزت الرجل في طرق التدبير المالي، فبالأحرى حتى في ميادين ومجالات أخرى أن تكون شهادتها مساوية لشهادة الرجل”؟

وأفاد رفيقي “أعتقد أنه ممكن الاعتماد على الفتوى التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى حين أجاز للمرأة أن تكون عدلا وهو ما يتناقض مع ما ورد في الفقه التقليدي الذي لا يجيز ذلك، كان هناك اجتهاد ونحن في حاجة إلى اجتهاد أكبر”.

الكتاني يهاجم وهبي

ومن الضفة المحافظة، يبدو أن حسن الكتاني أحد شيوخ السلفية بالمغرب رافض لإقرار مماثلة شهادة الرجل والمرأة، حيث أكد في تصريح لـ”مدار21″ أنه “يمكن لوزير العدل أن يدلي بدلوه وأن يتحدث فيما يخصه من آراء لكن لا يجوز له بأي حال من الأحوال أن ينسخ آية من آيات من كتاب الله عز وجل، ولا ما أجمع عليه علماء المسلمين”، مضيفا “ليس الأمر من اختصاص وزير العدل ولا يجوز له، ولا يسمح له بذلك المغاربة المسلمون، وهذا أمر لا يخصه ولا يعنيه في شيء من الأشياء”.

وأورد الكتاني أن “هذا ديننا وهذه شريعتنا وهذا أمر أجمع عليه علماء المسلمون لأنه جاء في كتاب الله وجاء عن سنة رسول الله الصحيحة، فكيف يمكنه أن يحسمه الوزير، فهل سيحسم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هل هذا دين جديد، أمر غريب جديد”، مضيفا أن “موقف الإسلام من مثل هذه التصريحات هو أنه كل من أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة فقد أجمع المسلمون على أنه قد فعل أمرا مناقضا للتوحيد، وهذا لا يجوز بأي حال من الأحوال”.

وتساءل الكتاني كيف يبرر وزير العدل إلغائه أية من كتاب الله وأحاديث رسول الله وإجماع العلماء، وكيف يقول وزير العدل أن هذا النقاش محسوم، فهل حسم أن يلغي كتاب الله يعني، أم أن يجعل المغاربة غير مسلمين؟”، مضيفا أن “المغاربة مسلمون منذ أن دخل الإسلام إلى هذه البلاد”.

وأورد الكتاني أن شهادة المرأة في الإسلام محسومة في القرآن وليس من حق وزير العدل أن يلغي آية واضحة في سورة البقرة، الآية 282، حيث يقول الله عز وجل “فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتين ممن ترضون من الشهداء”، ثم الحديث الصحيح الذي قاله رسول الله (ص) والوارد في صحيح البخاري: “شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل”، وهذا حديث صحيح وهذا هو ما اتفق عليه فقهاء الأمة الإسلامية جيلا بعد جيل بإجماعهم من جميع المذاهب وليس المذهب المالكي فقط

وأضاف الكتاني متسائلا كيف يلغي الوزير هذا الأمر وكيف يضرب على مقدسات الأمة وكيف يلغي ما أجمعت الأمة عليه، فهل ذلك من أجل إرضاء طائقة اللا دينيين والعلمانيين يلغي دين المسلمين فهذا الأمر غير معقول.

وحول انتظار فتوى المجلس العلمي الأعلى يستحيل أن يلغي كتاب الله، وإذا رجع الأمر لهذا المجلس فإنه سيحسم لصالح الإسلام.

وهبي: سنقبل شهادة المرأة

وكان وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد كشف، أمام البرلمان، أن الوزارة عملت على إعداد مشروع قانون جديد لمهنة العدول تضمن عدة مستجدات، من أهمها التنصيص صراحة ولأول مرة على فتح المجال أمام المرأة للانخراط في المهنة، انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية.

وفي معرض جوابه عن سؤال شفوي آني حول مستجدات إصلاح خطة العدالة تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أوضح وهبي، أنه سيتم بموجب مشروع القانون الجديد، “قبول شهادة المرأة في اللفيف في سائر العقود والشهادات دون حصرها في المال أو ما يؤول إلى المال، اعتمادا على آراء فقهية خارج المذهب المالكي، كرأي الحنفية الذي يجيز شهادة المرأة حتى في الزواج والطلاق، ورأي ابن حزم الظاهري الذي يجيز شهادة المرأة حتى في الحدود والقصاص”.

وفي نفس السياق، استحضر وزير العدل، مناسبة ولوج المرأة لممارسة خطة العدالة، واعتبرها لحظة تاريخية مهمة، كرست الخيار الديموقراطي الحداثي الذي اختارته المملكة، لاسيما في مجال حقوق المرأة، ورفع كل أشكال التمييز والحيف عنها.

وأشار وهبي، إلى أنه بتاريخ 22 يناير من سنة 2018 أعطى الملك محمد السادس، تعليماته لوزيره في العدل بالسماح للنساء لولوج مهنة العدول، وهو ما تجسد من خلال الإعلان لأول مرة في تاريخ المغرب عن فتح مباراة ولوج المهنة في وجه جميع المترشحين ذكورا وإناثا دون تمييز في هذا الباب، وذلك بتاريخ 6 ماي 2018 حيث نظمت مباراة أسفرت نتائجها بعد قضاء فترة التمرين واجتياز الامتحان المهني عن نجاح 692 مترشحا، منهم 277 من النساء، أي بنسبة مئوية بلغت 40 بالمائة.

وسجل الوزير، أنه تنفيذا للتوجيهات الملكية، فتحت الوزارة، ورش إصلاح هذه المهنة وفق مقاربة تشاركية مع جميع المتدخلين في المجال، وعلى رأسهم الهيئة الوطنية للعدول باعتبارها شريكا أساسيا للوزارة في تدبير كل ما يتعلق بالشأن المهني، حيث تم الاستماع لتصوراتها ومقترحاتها وتطلعاتها بشأن مستقبل هذه المهنة وتأهيلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News