سياسة

من التعليم إلى المحاماة.. هل فقد المغاربة الثقة في مصداقية مباريات التوظيف؟

من التعليم إلى المحاماة.. هل فقد المغاربة الثقة في مصداقية مباريات التوظيف؟

لم تسلم عدد من مباريات التوظيف في الآونة الأخيرة من الجدل المثار بشأن الخروقات والاختلالات التي تشوبها، ففي كل مرة تتكرر مشاهد الانتقادات من طرف الراسبين، ما جعل وسائل التواصل الاجتماعي فضاء للتعبير عن حجم الاحتقان الواسع، لا سيما وسط الشباب، مما يشرعن طرح أسئلة حول مدى ثقة أبناء المغاربة في مباريات التوظيف.

وطفت على السطح في الفترة الأخيرة انتقادات كبيرة، لنتائج المباريات المنظمة لولوج وظائف يقبل عليها الآلاف من خريجي الجامعات المغربية، خاصة المباريات التي تعلنها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وكذا مباريات وزارة العدل، وهي المباريات التي تعلق آمال واسعة على النجاح بها، بعد أن أصبحت بمثابة طوق نجاة من شبح البطالة الذي يترصد الشباب المغاربة.

هذا السخط العارم الذي يرافق الإعلان عن نتائج بعض المباريات، يطرح أسئلة حول ما إن كانت الأسباب تتعلق بخروقات متعمدة بعض الساهرين على المباريات، أم أن الأمر مجرد شماعة يعلق عليها الراسبون أسباب “فشلهم” في الظفر بوظيفة قارة، أم أن الوضع يتجاوز الطرحين إلى نتيجة منطقية مرتبطة بقلة مناصب الشغل واستشراء البطالة في أوساط الشباب المغاربة، وخاصة حاملو الشهادات العليا.

مباريات أثارت الجدل!

عرفت مجموعة من مباريات التوظيف انتقادات، منها تلك التي عرفتها مباراة توظيف الأساتذة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لا سيما مع منسوب الغش المرتفع الذي عرفته، ما جعل عددا من الراسبين في نتائجها، والمحرومون من اجتيازها بسبب تجاوزهم سقف السن المحدد في 30 سنة، يطلقون اتهامات حول انتشار المحسوبية والزبونية بها، لا سيما بعد الفوضى الكبيرة التي شهدتها المباراة الأخيرة، إثر مقاطعة حراسة الامتحانات من طرف أساتذة وحديث نقابات عن لجوء مدارس إلى الأعوان والإداريين لحراستها.

من جانب آخر وصلت “فضائح” حول توظيف الأساتذة الجامعيين بالجامعات المغربية بطرق وأساليب “غير مشروعة” إلى مجلس البرلمان، بعد مساءلة عبد اللطيف الميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حول سبل ضمان الشفافية في المباريات، والتي وصلت حد المطالبة بـتركيب كاميرات المراقبة داخل مراكز الامتحانات من طرف فرق برلمانية، الأمر الذي دفع الوزير إلى تقديم وعود بإحداث منصة رقمية لتدبير مسطرة التوظيفات بجميع مراحلها قصد تكريس الشفافية وتكافؤ الفرص وتفادي كافة الاختلالات المحتملة في قادم المباريات.

وفي قضية أخرى لا تزال تداعياتها مستمرة، أحاطت بمباراة الولوج إلى مهنة المحاماة “شبهات” كثيرة حول الزبونية والمحسوبية، والتي بلغت حد اتهام وزير العدل نفسه بتوظيف ابنه، إضافة إلى تسجيل خروقات في تأخير موعد الامتحان، وتخفيض معدل النجاح، وكذا تكرر عدد من الأسماء العائلية، وهي الانتقادات التي زادت من حدتها تصريحات عبد اللطيف وهبي بخصوص الضغوط التي مورست عليه، وانتقاده غير المباشر للشهادات الجامعية التي تسلمها الجامعات المغربية.

التلاعب ليس جديدا!

وحول انتشار ما يسميه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بـ”الخروقات” في المباريات، قال خالد البكاري، الحقوقي والأستاذ الجامعي، في تصريح لـ”مدار21″، إن “التلاعب في المباريات ليس أمرا جديدا، وليست المرة الأولى التي يتم الوقوف فيها على وجود اختلالات في المباريات، سواء في مباريات التوظيف أو حتى بعض المباريات المرتبطة بالولوج إلى الماستر أو سلك الدكتوراه أو غيرها، وهناك أحكام قضائية مرتبطة بخروقات الامتحانات سبق أن أنصفت بعض الضحايا، وهناك أحكام ألغت مباريات وبعض الامتحانات بكل أطوراها سواء الكتابية أو الشفوية، وأحيانا حتى في امتحانات البكالويا”.

وحول طغيان مثل هذه القضايا على السطح في الآونة الأخيرة، قال خالد البكاري، أنه “لا يمكن أنه نلغي أحد العوامل، والذي ليس أساسيا، وهو مرتبط بتصفية الحسابات، ذلك أن بعض الوقائع حقيقية ولكن محركها لم يكن بالدرجة الأولى هو كشف الفساد بل كان المحرك تصفية حسابات ذات طابع مهني أو شخصي”.

وأورد البكاري أن “العامل الرئيسي الذي جعل مثل هذه الملفات تطفو على السطح في الفترة الأخيرة هو العامل المرتبط بالانتقالات الرقمية بدرجة أولى، ووجود وسائط اجتماعية تفتح هامشا كبيرا لكشف الحقائق، وكذلك وجود صحافة إلكترونية تساعد على انتشار الأحداث والوقائع من خلال مشاركة المعلومة”.

واسترسل البكاري أن “هناك عامل ثالث مرتبط بوجود نزوع لدى الشباب ضد هذه أساليب التلاعبات في المباريات والتعبير عن مقاومتها، خصوصا في ظل ندرة فرض العمل المؤمنة، ثم أن هناك إحساس بـ”الحكرة” والإحساس بأن الانتماء الطبقي لا زال محددا في الترقي الاجتماعي أو الحصول على العمل”.

تشديد الرقابة على المباريات!

أنعش الجدل بخصوص المباريات الأخيرة مطالب بتشديد المراقبة في مراكز الامتحانات، وتفعيل آليات صارمة لضمات تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين، ومعاقبة المتورطين في التلاعبات التي تشهدها المباريات، في حال التأكد منها، وهي المطالب التي طالما رددتها هيئات نقابية وحقوقية وفرق نيابية في البرلمان.

وفي هذا السياق، أفاد الأستاذ الجامعي خالد البكاري، بأنه “يجب على الدولة، إن كانت جادة في محاربة الفساد، أن تقوم بتحيين النصوص القانونية المرتبطة بالمباريات، ولما لا أن تكون كل مباريات التوظيف تخضع لرقابة قضائية، وتزويد المراكز والأقسام التي تجرى بها المباريات بكاميرات المراقبة، وعيرها من الأساليب”.

وأشار البكاري إلى أن “الوقائع الأخيرة سواء المرتبطة بمباريات الماستر والدكتوراه، أو مباراة المحاماة الأخيرة، أبانت أن رقعة الفساد كبيرة جدا، لأن هذه الوقائع ترتبط فقط بالمباريات التي كانت هناك أدلة واضحة على حصول فساد بها أو التي امتلك المتضررون منها شجاعة التبليغ، في حين أن هناك مباريات أخرى أكثر منها من الناحية العددية، لكنها لا تصل إلى الإعلام بسبب الخوف من التبليغ أو بسبب قدرة المتلاعبين على إخفاء الأدلة”.

تصريحات تدعو لفتح تحقيق!

وبخصوص تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي، قال البكاري إن هذه التصريحات بالأساس تدعو إلى فتح تحقيق في الموضوع، متسائلا “كيف يصرح الوزير بأنه وقعت عليه ضغوطات من أجل أن يكون عدد الناجحين في مباراة الأهلية للمحاماة مقلصا، وبالتالي يجب أن يفتح تحقيق لمعرفة الجهة التي كانت تهدف إلى تقليص عدد الناجحين، هل هي جهة مهنية في المحاماة أم جهة في وزارة العدل أم ماذا؟”.

وأورد البكاري أن الوزير صرح أن العدد الفعلي للناجحين هو 800 مترشح وأن تدخل وضغط من أجل أن يصل العدد إلى حوالي ألفين، ما يعني أن حوالي 1200 ناجح لم يتحصلوا على المعدل، في حين أن توصيف المباراة يؤكد على توفر معدل في الامتحان الكتابي ومعدل في الامتحان الشفوي.

وتابع الأستاذ الجامعي أنه يجب فتح تحقيق لمعرفة ما إن كانت الأسماء التي تدور حولها شبهات هي ضمن الـ1200 التي أضيفت، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة لن يكون فقط الذين رسبوا في الامتحانات بل كذلك الذين نجحوا باستحقاق، ويتم خلطهم مع الذين يمكن أنهم نجحوا بطرق ملتوية.

وأردف البكاري أن توصيف المباراة يتحدث عن مواد معينة في الامتحان الكتابي، ومواد أخرى في الامتحان الشفوي، في حين أن هذه الأخيرة تم وضع أسئلة بخصوصها في الامتحان الكتابي.

وعلق البكاري على تصريحات وزير العدل بخصوص ابنه ودراسته في كندا، قائلا إنها تصريحات غير مسؤولة لأنه يحمل مسؤولية الرسوب إلى نظام الشهادات التعليم العالي التي تسلمها الجامعات المغربية، هذه الأخيرة التي يشرف عليها زميله وعضو المكتب السياسي للحزب الذي يرأسه.

وانتقد البكاري حديث الوزير عن متابعة صفحة تنشر معطيات عن المباراة بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، مؤكدا أن المسؤولية كانت تقتضي منه أن يأتي بأدلة تفند ما جاء في تلك الصفحة، بغض النظر عن نوايا الأشخاص الذين يديرونها، فالذي يهمنا هو التأكد من صحة المعلومات والمعطيات.

وانتهى خالد البكاري إلى أن تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي “كانت غير ناضجة بالمطلق، وأبانت على أنه لا يمتلك مواصفات رجل الدولة للأسف”.

تعليقات الزوار ( 1 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News