سياسة

“مهمة برلمانية”تفضح سرقة رمال أم الربيع وتكشف أسباب اختناق ثاني أكبر نهر بالمغرب

“مهمة برلمانية”تفضح سرقة رمال أم الربيع وتكشف أسباب اختناق ثاني أكبر نهر بالمغرب

كشف تقرير برلماني عن نتائج المهمة الاستطلاعية المؤقتة، المجراة لتحديد أسباب حالة الاختناق التي يعرفها مصب أم الربيع بجماعة أزمور بإقليم الجديدة، مسجلا أن “الانسداد الكامل للمصب، يعود إلى الرمال المتراكمة فيه وبسبب انخفاض منسوب مياه النهر، التي أصبحت تفصل بينها وبين البحر مسافة تقدر بمئات الأمتار من اليابسة”.

ويأتي تشكيل “المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على وضعية مصب نهر أم الربيع”، وفق اللجنة البرلمانية، بناء على طلب تقدم به فريق التقدم والاشتراكية، وانطلاقا من “الوضعية المزرية التي أصبح عليها النهر بإقليم الجديدة، والمتمثلة في انسداد المصب بعد انخفاض منسوب مياه النهر وتراكم الرمال، إضافة إلى التلوث الكبير الذي يهدد المنظومات البيئية والساكنة المجاورة”.

كما يندرج تشكيل المهمة الاستطلاعية، حسب اللجنة، في إطار ممارسة مجلس النواب لمهامه الرقابية، ومن أجل “الوقوف على الاختلالات والإشكالات الحقيقية التي يعرفها مصب نهر أم الربيع مع الاطلاع على الإكراهات التي ساهمت في تكرار أو إطالة أمد مشكل اختناق المصب، وتعبئة جهود مختلف القطاعات والفاعلين المعنيين لإيجاد حل جذري لهذا المشكل والمساهمة في تنزيله على أرض الواقع”.

تقرير المهمة الاستطلاعية البرلماني، يأتي بعد زيارة ميدانية قام بها أعضاء المهمة  بتاريخ 21 يونيو 2022، لموقع مصب نهر أم الربيع بإقليم الجديدة وكذا عقد لقاءات مع مختلف المتدخلين والمعنيين محليا خلال الزيارة الميدانية لمصب النهر بحضور ممثلي المصالح الخارجية بإقليم الجديدة، لكل من وزارة التجهيز والماء ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة وكذا مجموعة من الجمعيات التي تواجدت بيعن المكان والتي تنشط في مجالات التنمية والبيئة وحقوق الانسان والدفاع عن نهر أم الربيع.

ويبلغ طول نهر أم الربيع أكثر من 555 كلم من منابعه بمدينة خنيفرة إلى مصبه بأزمور، لكن مياه المنابع، وفق تقرير المهمة البرلماني التي يرأسها محمد ملال عن الفريق الاشتراكي، لا تصل حاليا إلى المصبّ بسبب عدة عوامل، منها قلة التساقطات المطرية وتعدد السدود واستنزافها، مشيرا إلى أن هناك دراسات تنبأت قبل سنة 2002، بأن المصب سيعرف انسدادا.

سرقة الرمال

ويورد التقرير البرلماني الذي تحصل “مدار21” على نسخة منه، تمّ التعاقد مع شركة لجرف الرمال من أجل إبقاء المصب مفتوحا لكن طريقة إبرام العقدة شابها “الغموض”، مما يدفع إلى القول بوجود “ريع”، كون الشركة تستغل الرمال مقابل عملية الجرف، وهو ما جعلها تهتم بالربح أكثر من اهتمامها بفتح المصب ومراعاة الجانب البيئي، لافتا إلى أن الرمال التي يتم جرفها من المصب، لا تستغل في تدعيم شاطئ الحوزية التي تعرض للتعرية.

وأكد التقرير، أنه بعد تعاقدها، مع وزارة التجهيز والماء سنة 2001، قامت شركة “دابور” بجرف الرمال وتنقية مصب النهر، لكن بعد 4 سنوات تقريبا لجأت الشركة إلى جلب الرمال من الغابة، وبعد تقديم شكايات من طرف جمعيات حماية البيئة، تم القيام بمعية السلطة المحلية ومفوض قضائي وخبير بزيارة لموقع المصب وانجاز معاينة وإثبات حال.

وكشف تقرير المهمة الاستطلاعية، أن المحاضر المنجزة، أثبت قيام الشركة بـ”سرقة” الرمال عن طريق جرف النقية منها من الغابة إلى النهر ثم جرفها وبيعها باسم شركة مغايرة، مضيفا أنه كان يمكن استثمار الرمال المستنزفة على مدى أكثر من 18 سنة، في انجاز مشاريع تعود بالفائدة على المنطقة، لاسيما على مستوى خلق فرص الشغل للشباب.

ونبّه التقرير البرلماني، إلى معاناة الساكنة، لاسيما على مستوى إقليم الجديدة، من مشكل اختناق المصب وما يترتب عنه من تلوث وروائح كريهة، ونفوق الأسماك وتضرر الصيادين التقليديين والفلاحين الصغار، مسجلا أن الأسماك لم تعد موجودة في المصب، بسبب التلوث وغياب محطة معالجة المياه العادمة،

فضلا عن ذلك، يُفاقم عدم وجود محطة المعالجة الوضعية، إذ يتم صرف المياه العادمة في النهر ومع توقف جريانه بسبب انسداد المصب، بعد توقف الشركة التي كانت تقوم بجرف الرمال أصبح النهر عبارة عن بِركة آسنة، مما خلق “كارثية بيئية كبيرة”، وهذا بطبيعة الحال سيؤثر سلبا، وفق تقرير المهمة البرلمانية، على كامل النظام البيئي بالمنطقة وسيمس جميع المجالات الترابية المجاورة له.

وسجل التقرير، أنه رغم إبرام صفقة انجاز محطة المعالجة مؤخرا، إلا أن الشركة لا زالت لم تبدأ في أشغال البناء بعد، مع العلم أن الشركة المكلفة بإزالة الرمال من موقع البناء هي الأخرى تجاوزت الأجل المحدد في شهرين دون أن تتم عملها، وبناء عليه يؤكد المصدر ذاته، ” أن المحطة لن تكون جاهزة للعمل في الموعد المحدد وبالتالي فإن هذا الأمر يستوجب مراسلة الجهات المعنية والضغط عليها لاحترام الآجال المحددة”.

ويرى بعض المتتبعين لهذا الموضوع أن وزارة التجهيز والماء، عندما تعاقدت مع شركة “داربور” كان عليها أن تلزمها بانجاز الحواجز من المصب إلى داخل البحر، مقابل استفادتها من الرمال التي تقوم بجرفها، لكن ذلك لم يحدث وتم استنزاف الرمال من شاطئ الحوزية دون فائدة وبمجرد توقف الشركة عن العمل في أقل من 6 أشهر اختنق المصب.

تقرير المهمة البرلمانية، أكد أن الشركة لم تكن تقوم حتى بدورها الأساسي في جرف الرمال من المصب، حيث كانت تجرف الرمال النقية من الشاطئ ولا تهتم بالرمال الموجودة في المصب لأنها مُتوحّلة وبالشوائب.

مسبّبات الاختناق

ويُعتبر واد أم الربيع شريان الحياة لمدينة أزمور وللمنطقة ككل، إلا أن الوضع الذي وصل إليه الوادي حاليا، وفق المهمة البرلمانية، ” ليس قضاء وقدرا وليس صُدفة، وإنما تظافرت مجموعة من العوامل والمسببات لكي يصل الواد إلى هذه الحالة، حيث انعدمت فيه الحياة وأصبح بركة آسنة مملوءة بالنفايات ومياه الصرف الصحي”.

ويسجل التقرير البرلماني، أن هذا الوضع أدى إلى نفوق الأسماك وانبعاث الروائح الكريهة إضافة إلى معاناة أصحاب المراكب والصيد التقليدي، وذلك في غياب محطة المعالجة وفي صمت تام للمسؤولين والسلطات المفروض فيها تطبيق السياسات العمومية لاسيما المتعلقة منها بالبيئة.

ومن بين العوامل التي ساهمت في اختناق المصب وتدهور حالة النهر، حسب معطيات المهمة الاستطلاعية، تشييد سدّ المسيرة ثم بعده سّد سيد الضاوي، حيث انخفض النهر وتراجعت المياه إلى أن برزت الأرض وأصبح بالإمكان اجتياز النهر على الأرجل، بالموازاة مع بدء تشييد الجرف الأصفر، تم نقل الحصى والصخور التي كانت تشكل حاجزا أمام الرمال وهو ما سمح للتيار البحري بجر الرمال إلى المصب.

وكشف المصدر ذاته، أن هناك فلاحين كبار أنجزوا سدودا خاصة لسقي هكتارات الأراضي من واد أم الربيع، وزاد: “وهنا يمكن القول أن قلة التساقطات برئية من هذه الحالة التي وصلت إليها النهر، لأن المنطقة مرت في السابق من سنوات جفاف لم ينخفض فيها منسوب الوادي ولم يصل فيها إلى هذه الوضعية”، لافتا إلى المعركة التي تخوضها بعض الجمعيات بواد” شبوكة” ضد كبار الفلاحين الذي يستنزفون واد أم الربيع على بعد 3 كيلومترات من المصب.

“حلول ترقيعية”

وانتقد التقرير البرلماني، الاعتماد على “حلول ترقيعية غير مدروسة”، حيث يتم جرف الرمال ووضعها في جنبات البحر، بدل وضعها في أماكن بعيدة، فتعمل الأمواج على دفعها إلى المصب مرة أخرى، مؤكدا أن الحالة البيئية على صعيد نهر أم الربيع، ” ما هي إلا نموذج صغير من الحالة البيئية على صعيد إقليم الجديدة، فجرف الرمال ونهْبها خلْف شواطئ عارية تتكون من الصخور فقط”.

وأشار تقرير المهمة الاستطلاعية، إلى أنه على غرار الوزير السابق عبد القادر اعمارة يؤكد وزير التجهيز والماء الحالي نزار بركة، على وجود دراسة في طور الانجاز وتخضع للمشاورات مع بعض القطاعات كل حسب اختصاصه، لكن ما يتم انجازه على أرض الواقع هو قيام بعض الجرافات بفتح المصب وبعد مدة تعود الأمور إلى ما كانت عليه وهذا يعتبر استنزافا وهدار للمال العام في “حلول ترقيعية” كما أنه من غير المعقول استمرار الدراسة لأكثر من 10 سنوات.

وسجل التقرير أن هناك “تعثرا” في انطلاق أشغال بناء محطة معالجة المياه العادمة، هذه الأخيرة، التي كانت موضوع مرافعات جمعيات المجتمع المدني، للمطالبة بخروجها إلى حيز الوجود، مؤكدا أنه بعد رسو الصفقة على شركة معينة، قيل أن أشغال البناء ستتأخر لمدة شهرين من أجل جرف الرمال المتواجدة في موقع البناء، قبل أن يسجل: “لكن تم تجاوز هذه المدة كما أن كميات من الرمال تنقل من موقع “منطقة سيدي وعدود” دون أن يتم تحديد وزنها، وهو ما اعتبره تقرير المهمة البرلمانية الاستطلاعية “أمرا غير مقبول”.

تجاوز الانسداد

ولتجاوز حالة الاختناق والانسداد التي يواجهها النهر، دعا تقرير “المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على وضعية مصب نهر أم الربيع”، التي تم تشكيلها بمبادرة من لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، إلى التعجيل بإنجاز مشروع مندمج لمعالجة الاختلالات التي يعرفها مصب النهر ، لاسيما المرتبطة بمياه الصرف الصحي وتداعياتها على المنظومات البيئية والأسماك ومهنيي الصيد التقليدي العاملين في المنطقة.

وأوصى التقرير ببلورة هذا المشروع، الذي يهم ثاني أطول نهر في المغرب ( أزيد من 555 كلم)، في إطار اتفاقية شراكة تساهم فيها وزارة التجهيز والماء وجميع القطاعات الوزارية المعنية، إلى جانب كل من مجلس جهة الدار البيضاء سطات، والمجلس الإقليمي للجديدة والجماعات المطلة على الوادي وباقي المؤسسات الفاعلة وضمنها المكتب الشريف للفوسفاط، مما سيساهم في جلب الاستثمارات وتنمية المنطقة سياحيا واقتصاديا.

ودعا التقرير إلى مباشرة إطلاق الدراسات وتعبئة الموارد اللازمة وإعداد الشراكات والمخططات القطاعية أخذا بعين الاعتبار حجم النمو الديموغرافي واتجاه وسرعة التوسع العمراني، وكذا تمديد الدراسة الأولى المنجزة من طرف وزارة التجهيز والماء والتي تهم المصب قط، لتشمل كذلك المسار الممتد من المصب إلى سد “سيد الضاوي” على مسافة تفوق 15 كيلومترا مع الحرص على تدقيق هذه الدراسة للحصول على نتائج حاسمة، بالإضافة إلى تحديث تصميم التهيئة لمدينة أزمور في اتجاه توسيع مجالها الترابي ليشمل مصب وضفتي نهر أم الربيع، مع إمكانية خلق مجال ترابي خاص بمصب وضفتي الواد والمناطق المائية المرتبطة به.

وأكدت التوصيات أنه في انتظار انتهاء الدراسات وبالموازاة مع تنفيذ المشروع المندمج، تبقى وزارة التجهيز والماء مدعوة للعمل بوسائلها الخاصة على جرف الرمال من المصب كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وعلى الأقل كل 3 أو 4 أشهر.

وشددت على ضرورة تجنب وضع الرمال المُزالة من مصب النهر من مكان قريب منه حتى لا تعود إليه بسهولة بعد فترة وجيزة، واستغلال الرمال من طرف الإدارة لتدعيم الشاطئ ثم لدعم وتمويل مشاريع تنموية تعود بالفائدة على ساكنة المنطقة. كما تم حث الجهات المعنية على القيام بما يلزم للإسراع في إنجاز محطة معالجة المياه العادمة بأزمور، واعتبار أن أي تأخر لهذا المشروع سيؤدي إلى تفاقم نسبة تلوث مياه النهر لا سيما في ظل الجفاف والندرة.

من جهة أخرى، شدد التقرير على ضرورة تمكين مختلف القطاعات والمؤسسات المعنية وكافة المتدخلين من جميع المعطيات المتوفرة والدراسات المنجزة لمساعدتهم على تحديد تصورهم ومقترحاتهم حول الحل النهائي لمشكل المصب، مع تحسيس المؤسسات العمومية والمقاولات الخاصة وعموم المواطنين بأهمية الاستعمال العقلاني للماء وخطورة النفايات والملوثات التي ترمى في النهر.

وكالة خاصة

أكد وزير التجهيز والماء نزار بركة، أن مشروع تهيئة مصب نهر أم الربيع، ثاني أطول نهر بالمغرب، ومعالجة الاختلالات التي يعرفها، “يجب أن يرتكز على منظور تنموي مستدام أسوة بمشروع تهيئة وادي أبي رقراق، وكذا على رؤية واضحة يتم من خلالها تحديد الاحتياجات الحقيقية من حيث المرافق الاقتصادية والاجتماعية والسياحية”.

ويرى بركة وفق تقرير “المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على وضعية مصب نهر أم الربع”، أن تنزيل هذا المشروع يمكن أن يتم عبر إحداث وكالة خاصة أو شركة، تضمن الحفاظ على البيئة وتنمية المنطقة من خلال تصور في المجال السياحي والاجتماعي ومختلف المرافق، إلى جانب جمع بيانات تقنية مفصلة على نطاق واسع من المصب وصولا إلى سد “سيد الضاوي” ودراسة حلول نهائية بناء على النمذجة الرقمية والفيزيائية لاستشراف المستقبل.

وثمّن المسؤول الحكومي في هذا السياق، توصيات المهمة الاستطلاعية المؤقتة التي شكلتها لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، لاسيما تلك المتعلقة ب”إحداث وكالة خاصة بتهيئة مصب وضفتي واد أم الربيع، عبر مراحل بدءا بإنجاز الحواجز الداخلية والخارجية، مع الاستمرار في عملية جرف الصيانة”.

وحسب التقرير فقد تفاعل بركة بشكل إيجابي مع المقترح الوارد في تقرير المهمة الاستطلاعية، والمتعلق بالخروج من الحلول المؤقتة والانتقال إلى الحلول المستدامة، معتبرا “في غياب حلول قريبة ومتوسطة الأمد وأخرى بعيدة الأمد وفي غياب رؤية شمولية لوضع حل للمصب سيكون من الصعب تحقيق أي نتيجة”.

وأكد المسؤول الحكومي، أن الوزارة منخرطة في تفعيل كل التوصيات والمقترحات، وذلك في إطار اختصاصاتها، مسجلا أن مشروع تهيئة المصب “يعني الحكومة برمتها، ولذلك سنشتغل إلى جانب باقي الوزارات وجميع المتدخلين، وضمنهم المجتمع المدني، بكيفية تشاركية”.

وعبّر بركة عن التزام الوزارة بتنظيم يوم تواصلي على مستوى مدينة الجديدة بحضور جميع الجهات المعنية على الصعيد المحلي، إلى جانب النواب والمستشارين البرلمانيين وممثلي المجتمع المدني للتحسيس والتوعية بإشكالية انسداد مصب نهر أم الربيع وتقديم الحلول المقترحة على المستويين القريب والبعيد، بالإضافة إلى دعم السلطة المحلية في تنفيذ الحل المؤقت خاصة فيما يتعلق بالحد من مصادر التلوث، وتسريع مشروع التطهير السائل وإعادة استخدام مياه المعالجة لسقي المناطق الخضراء بكل من أزمور والمناطق المجاورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News