منوعات

يوم الموتى.. تقليد مكسيكي عريق يحتفي بالموت بطقوس خاصة

يوم الموتى.. تقليد مكسيكي عريق يحتفي بالموت بطقوس خاصة

بحماسة الأطفال في خضم اللعب، وملامح الانتشاء بساعات من الفرح الصاخب، تتأهب غراسيلا رودريغو لا باث لبدء الاحتفال. فبعد أن وضعت اللمسات الأخيرة على ثوب أبيض مطرز، وأتمت زينة عاجة بالألوان، ها هي الآن تنهمك في تحضير “لوازم” اليوم السنوي للموتى.

محاطة بأحفادها الستة، تحرص هذه السبعينية على إفشاء مظاهر الاحتفال وبعض من الطقوس المكسيكية العريقة في الطبخ والزينة والتراتيل الخاصة لإحياء “يوم الموتى”، هذا التقليد العريق الذي يتجاوز الزمن ويواظب ملايين المكسيكيين على إحيائه باحتفالات راسخة بلغ صيتها العالم.

وأكدت غراسيلا أن إحياء يوم الموتى “على نحو يبعث اشتياقا إلى أحبتنا ممن غادروا حياتنا، يوطد إيماننا بأن الموت حياة أخرى وانبعاث جديد، ويقوي علاقاتنا الأسرية، بل ومدعاة للفرح بالاستعراض والموسيقى والأزياء الملونة”.

تتذكر غراسيلا زوجها، الذي فارق الحياة قبل عشر سنوات، وهي ترتب زينة الشموع وأطباق مملوءة بفطائر الإمبانادس لتقود موكب كنيسة الحي في ناوكالبان دي خواريز ضواحي مكسيكو، حيث سيقام قداس اليوم الأول من الأيام الثلاثة التي تخصص لإحياء هذا التقليد السنوي، لاعتقادهم أن أرواح الموتى تعود بحلول منتصف هذا اليوم (31 من أكتوبر) ويجب استقبالها في حلة وأجواء بهيجة.

وفي هذا اليوم، توضح المتحدثة، “نحضر الطعام لأحبتنا، ننثر الورود، ونضيء الشموع التي لا تنطفئ في غمرة صلواتنا وأحاديثنا الدافئة مع الأهل والأحبة والأقارب والجيران، الحاضرين منهم والغائبين. نحن نربي أجيالنا أيضا على التمسك بالثقافة والقيم الإنسانية”.

يعود إحياء “يوم الموتى” في المكسيك لقرابة 3 آلاف سنة، ولا تقتصر مظاهر الاحتفال على المحيط العائلي أو الأحياء والكنائس، بل تكتظ شوارع وساحات المدن المكسيكية بمواكب “يوم الموتى”، وتتزين بمجسمات الهياكل العظمية وتعم الموسيقى التقليدية وكوريغرافيا رقصات صاخبة.

منذ سنوات طفولته الأولى، دأب كيليمينتي مونيوز على المشاركة في المواكب السنوية لمهرجان الموتى، في المدرسة والحي وبرفقة الأقارب والأصدقاء، وهو اليوم رئيس جمعية تعنى بالبحث في التراث والثقافة المحلية، وحيث تجري الاستعدادات قبل أشهر لهذا الحدث السنوي البارز.

وقال مونيوز، في حديثه للوكالة، إن يوم الموتى يعني في الرؤية الأصلية “العودة المؤقتة لأرواح المتوفين إلى ديارهم في عالم الأحياء، بحيث لا يمثل الموت غيابا بل حضورا حيا ويتجسد في طقوس تفضل التذك ر على النسيان”.

كما أوضح أن أصل الاحتفالية يكمن في الانسجام بين الطقوس الدينية الكاثوليكية التي جلبها الإسبان، وتلك التي أقامتها الشعوب الأصلية في المكسيك القديمة، والتي كانت تتزامن مع نهاية الدورة الزراعية للذرة، المحصول الغذائي الرئيسي في البلاد.

وتابع أن الاحتفال بيوم الموتى يتم في 1 و2 نونبر من كل عام، وهو مقسم إلى عدة فئات وفق التقويم الكاثوليكي، بحيث يحتفى في اليوم الأول بـ”أوراح الموتى صغار السن” بينما يخصص اليوم الثاني ل”لأرواح الموتى كبار السن”، ويتم استقبالهم بالأطعمة والحلوى في مجسمات جماجم بشرية أحيانا وزهور “سيمباسوشيل” التي تكتسي رمزية خاصة لدى المكسيكيين وحتى البخور، موضحا أن مجمل هذه الطقوس ترمي، حسب الأسطورة، إلى “تسهيل عودة الأرواح إلى الأرض”.

ويتم الاحتفال بيوم الموتى في جميع أنحاء المكسيك، مع بعض الاختلافات حسب المناطق التي حددتها وزارة الثقافة الفيدرالية في العاصمة مكسيكو، وتحديدا بلدية تلاواك حيث توجد قرية صغيرة تسمى Mixquic، وهي واحدة من أكثر الأماكن زيارة خلال الاحتفالية بما يعكس التقاليد المكسيكية القديمة، إلى جانب ولاية أواخاكا وميتشواكان وبويبلا وخانيتسيو وكويتسالان.

إلى جانب حمولته الثقافية، يعد مهرجان “يوم الموتى” السنوي عامل جذب سياحي، فثمة من يزور المكسيك خصيصا لحضور الفعاليات المختلفة، ويصل عدد الزوار بالمناسبة، وفق وزارة السياحة الفيدرالية، إلى 250 ألفا.

وقد أعلنت منظمة اليونسكو، في عام 2008، هذا اليوم تراثا ثقافيا لامادي للإنسانية، لما له من أهمية في التعبير التقليدي المعاصر والحي في الآن ذاته.

وبالنسبة لليونسكو، “يؤدي هذا التجمع السنوي وظيفة اجتماعية كبيرة من خلال تأكيد دور الفرد والروابط الأسرية في المجتمع، كما يسهم في إشاعة خصائص الثقافة والشعوب الأصلية للمكسيك”.

سيمفونيات جميلة تتكرر في كل عام غداة احتفالية “يوم الموتى”. بعضهم تستوقفه ذاكرة الطفولة وينتشي بتذكر صخب اللمات الأسرية الدافئة، والبعض الآخر يجذبه فضول الاكتشاف، وثمة من يعيش شغف التلذذ بخصوصيات ثقافية، لكن يبقى لهذه الاحتفالية رمزية ثقافية وإنسانية بلغ صداها العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News