تربية وتعليم

آلاف الورشات والاستمارات.. مشاورات بنموسى لتجويد المدرسة “إضاعة للزمن والميزانيات” دون نتائج

آلاف الورشات والاستمارات.. مشاورات بنموسى لتجويد المدرسة “إضاعة للزمن والميزانيات” دون نتائج

أشهرا بعد انتهائه من مشاورات صياغة النموذج التنموي الجديد الذي حدد الخطوط الاستراتيجية التي ينبغي للمغرب أن يسير عليها حتى 2030، في مجالات عدة من بينها التربية والتعليم، عاد شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ليخوض مشاورات جديدة حول تجويد المدرسة العمومية، امتدت من شهر ماي إلى نهاية يونيو 2022، وتطلبت 6 آلاف ورشة بمشاركة 78 ألف مشارك، وتلقت الوزارة خلالها 21 ألف جواب عن الاستمارة المنشورة في منصة رقمية خصصتها الوزارة لهذا الغرض.

المشاورات التي أطلقها بنموسى جرّت عليه انتقادات واسعة، وهو الذي جاء إلى الوزارة محملا بطموحات الإصلاح التي رفعها النموذج التنموي الجديد، فالكثيرون ذهبوا إلى أنها مجرد إضاعة للزمن التنموي والسياسي والبيداغوجي، وأن حال المدرسة العمومية يتطلب قرارا سياسيا شجاعا ينتصر لها في وجه القطاع الخاص الذي بات هامش نشاطه يتوسع مع توالي السنوات أمام المشاكل “المعروفة” التي يعانيها التعليم العمومي.

وبينما دافع بنموسى عن مشاوراته، خلال جلسة برلمانية، مؤكدا أنها فسحت المجال لكل المتدخلين في القطاع للمساهمة كل من موقعه في عملية الإصلاح، وأنها تتم في إطار المرجعيات المؤطرة، بهدف تدقيق التدابير ذات الصلة وترتيب الأولويات لتحقيق تكافؤ الفرص، اعتبرها مهتمون، ومن بينهم برلمانيون، مجرد “إضاعة للزمن والميزانيات”.

ويستند المنتقدون لهذه المشاورات على وجود مرجعيات مؤطرة لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، من قبيل القانون الإطار وتوصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بالإضافة إلى التدابير التي يتضمنها النموذج التنموي الجديد والبرنامجان الحكومي والقطاعي، الأمر الذي يسائل جدوى المشاورات التي خاضها بنموسى، خاصة وأنه لم يترتب عنها إلى حدود اللحظة أي إجراءات.

لا حاجة لمشاورات!

في رأي الباحث المغربي يحيى اليحياوي، الذي تحدث ل”مدار21″، فإن “كل شيء معروف ولسنا بحاجة إلى أي مشاورات”، مضيفا “فما يجب أن يتم القيام به في التعليم أو الصحة أو الجامعة أو البنية التحتية أو غيرها معروف بالنسبة للمسؤولين، ولا حاجة للتشخيص أو كثرة المشاورات والاجتماعات مع النقابات والجمعيات وغيرها”.

ويضيف الكاتب والأكاديمي المغربي “بالنسبة لي كمواطن الصورة واضحة ولا تحتاج نقاش. وما يقوم به المسؤولين يستهلك الزمن السياسي والثقافي والمدرسي والتنموي، فهم يضيعون سنينا وعقودا من عمر المغرب وعمر أبنائه والأجيال المستقبلية”.

وتابع اليحياوي “ما تقوم به الوزارات حاليا فقط من أجل إعطاء الانطباع بأنهم يشتغلون، وما يقال حول المشاورات مجرد عبث في عبث وإضاعة للوقت، ذلك أن إعادة النظر في المدرسة العمومية لا تتطلب سوى إمكانات بسيطة جدا وموارد بسيطة وإعادة الاعتبار إليها”.

وأضاف الباحث المغربي أن “أجيال من المغاربة درست في كتاب واحد للراحل أحمد بوكماخ ومع ذلك أخرجت المدرسة العمومية دكاترة وأطر عليا من شتى المجالات”، مشيرا إلى السبب الرئيس لضعف المدرسة العمومية هو “أن الدولة والحكومة تشجع الخاص وتريد طحن كل ما هو عمومي”.

هدف المشاورات!

وأردف اليحياوي في حديثه ل”مدار21″ قائلا “عندما نسمع مثل هذه المشاورات يجب أن نتساءل ما الذي سيتم تغييره في المدرسة العمومية، المناهج أم البرامج، أم سيغيرون الكتاب العامون في الوزارة الذي قضوا 30 سنة وجمعوا ثروات من المال العام، أم سيعيدون أموال البرنامج الاستعجالي التي التهموا 37 مليار منها، ما الذي سيجودونه بالضبط؟ّ”.

وقال الأكاديمي المغربي “حتى نتحدث عن التجويد يجب أن تكون الأمور جيدة ويتم تحسينها، بينما المدرسة العمومية في المغرب تمثل كارثة حقيقية”، مضيفا أن “وضعية هذه الأخيرة لا تتطلب أي مشاورات من الأصل وأن الذي ينهض صباحا ويجد ثلاجته فارغة من كل شيء لا يجب أن يسأل زوجته ماذا ينقص بالمنزل”.

النموذج التنموي بدوره عرف العديد من المشاورات مع المجتمع المدني والشباب والأحزاب والنقابات وفي العالم القروي والخارج والداخل، ووافق رأس الدولة على تطبيقه وتنزيل توصياته، أين هو الآن وهل تم الشروع فعلا في تفعيله.

وأورد المتحدث نفسه فيما يخص المدرسة العمومية “نجد مجرد ملف إداري متعلق ب”الأساتذة المتعاقدين” لم يتم حله بعد رغم مرور ست سنوات، مع العلم أن الأمر ليس بمثل تعقيد فلسفة التعليم أو فلسفة التربية أو الأمور الجوهرية الكبرى”.

وأضاف الباحث والكاتب المغربي أن “المنظومة معطوبة بأكملها وهي اليوم تفرز 300 ألف تلميذ ينقطعون عن التدريس سنويا، إضافة إلى أن مختلف الشرائح المهنية بقطاع التعليم متذمرة، خاصة مع الزيادة في سن التقاعد”.

وانتهى اليحياوي إلى أنه “بعيدا عن تفخيم المصطلحات ابني يدرس الاقتصاد بمستوى الأولى بكالوريا بالمدرسة العمومية، وقسمه يضم 45 تلميذا، ومنذ بداية الموسم الدراسي اضطر لتدريسه ما يقارب أربع ساعات، كل يوم مادة، وأراجع معه المقرر وأعطيه التمارين، أجد نفسي أقوم بعمل المدرس، في ظل هذا الوضع عن أي تجويد يمكن أن نتحدث”.

جهد بدون حصيلة

وفي وقت سبق أن أكد بنموسى أن نتائج المشاورات سيتم الإعلان عنها خلالها شهر شتنبر 2022، مرّ هذا الشهر دون الكشف عن أية حصيلة ما جعل الانتقادات تذهب إلى أن الجهد المبذول لم يفض إلى أية أثار إيجابية على المدرسة العمومية.

وسبق بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أن أعلنت اختتام المشاورات الوطنية لتجويد المدرسة العمومية، وذلك بعد عشرة أسابيع من النقاشات مع الفاعلين التربويين ومساهمة شركاء المدرسة المغربية، حول الإجراءات العملية والملموسة لتنزيل خارطة الطريق لتجويد المدرسة المغربية وفق منهجية تشاركية موسعة.

ونوهت وزارة التربية الوطنية، في بلاغ سابق لها، بالمشاركة الواسعة للأطر التربوية والإدارية وجميع الفاعلين من داخل منظومة التربية والتكوين في مختلف أطوار هذه المشاورات التي أطلقتها، من 5 ماي إلى 6 يوليوز الجاري، تحت شعار “من أجل تعليم ذي جودة للجميع”، والتي عرفت مشاركة 21 ألف و837 أستاذة وأستاذا في إطار 1761 مجموعة تركيز.

وأثارت المشاورات جدلا داخل الأوساط التعليمية، مما دفع المعارضة البرلمانية إلى التعبير عن رفضها ودعوة الحكومة إلى الكشف عن أسباب وحيثيات إطلاقها وحول ما إذا كانت هذه المشاورات تراجعا عن الرؤية الاستراتيجية، والقانون الإطار، وكذا البرنامج الحكومي الملتزم به، متسائلة عن مآل قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي بعد هذه المشاورات، وكذا الإجراءات التي ستتخذها الوزارة لتنفيذ التزاماتكم في البرنامج الحكومي.

وأكدت الوزارة، أن المشاورات الرامية إلى إغناء خارطة الطريق وتنزيل الأوراش ذات الأولوية خلال الخمس سنوات المقبلة، من أجل تعليم ذي جودة ينتصر لقيم الإنصاف وتكافؤ الفرص ويخدم المصلحة الفضلى للناشئة التربوية، عرفت تنظيم 360 ورشة مفتوحة مع أطر الإدارة التربوية و360 مجموعة تركيز مع هيأة المراقبة والتأطير التربوي.

وأشادت الوزارة بالانخراط الجاد للفاعلين على المستوى الترابي من سلطات وجماعات ترابية وممثلي المصالح الخارجية للقطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية وشركاء اجتماعيين وهيئات وجمعيات أولياء الأمور وخبراء، حيث تم عقد 83 لقاء ترابيا و249 ورشة تشاورية.

ووفق المصدر نفسه، فقد تميزت هذه اللقاءات بالمشاركة المسؤولة لحوالي 4500 فاعل إقليمي ومحلي وانخراط 20 ألف و666 مشاركا من أمهات وآباء وأولياء أمور التلميذات والتلاميذ في 1756 مجموعة تركيز، بالإضافة إلى اجتماعات لجن التشاور.

وقد تميزت هذه المشاورات، وفق الوزارة، بمشاركة متميزة للمتعلمات والمتعلمين في مختلف المستويات الدراسية، والذين أبانوا عن وعي كبير برهانات مدرسة الجودة وبرهنوا عن حس نقدي كبير يسائل واقع المدرسة اليوم ويرسم معالم مدرسة المستقبل، حيث تم تنظيم 6270 ورشة عمل عرفت مشاركة ما يفوق 33 ألف تلميذة وتلميذ بمختلف الأسلاك التعليمية.

وتوزعت المشاركات بين ورشات الخيال الإبداعي ومجموعات التركيز، أشرف على تأطيرها حوالي 3163 منشطة ومنشطا من داخل منظومة التربية والتكوين، في احترام للمعايير المنصوص عليها في إشراك الأطفال.

وقد شكلت الاستمارات محور اهتمام أغلب هذه الزيارات، حيث تم الاطلاع على استبيان المواطن حوالي 112 ألف مرة وتمت تعبئة 22 ألف و190 استمارة عبر هذه المنصة. كما تم تلقي ما يزيد عن 700 مساهمة حرة تخص إغناء الإجراءات المتضمنة في خارطة الطريق لتجويد المدرسة العمومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News