سياسة

بين فوضى التسيير ومطالب التوحيد.. جمعيات الأعمال الاجتماعية في واجهة الانتقادات

بين فوضى التسيير ومطالب التوحيد.. جمعيات الأعمال الاجتماعية في واجهة الانتقادات

بالرغم من أن الغاية من خلقها كانت هي توفير الخدمات للموظفين بالمؤسسات العمومية والقطاعات الوزارية، إلا أن سنوات من عمل جمعيات الأعمال الاجتماعية جعلها في واجهة العديد من الانتقادات بسبب فوضى التسيير التي تعيشها، وتضخم عددها بشكل غير مفهوم داخل مجموعة من القطاعات الوزارية.

وتؤكد المعطيات أنه إلى جانب القطاعات الوزارية التي خلقت مؤسسات للأعمال الاجتماعية بدل الجمعيات لا زالت هناك مجموعة من القطاعات الوزارية، خاصة التي تضم عدد قليلا من الموظفين، تعيش “فوضى” جمعيات الأعمال الاجتماعية، التي تسيطر عليها توجهات نقابية.

هذا الوضع دفع إلى المطالبة بخلق مؤسسات للأعمال الاجتماعية داخل القطاعات الوزارية، والأكثر من ذلك خلق مؤسسة للأعمال الاجتماعية موحدة بين أكثر من قطاع وزاري، وهو الأمر الذي تضمنته مقترحات برلمانية، وتفاعلت معها الحكومة بالإيجاب.

غير أن مطالب التوحيد ترافقها كذلك إكراهات التنزيل نظرا لمجموعة من الاعتبارات، ما جعل امحمد الهلالي، رئيس جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي التعمير واعداد التراب الوطني، يؤكد ل”مدار21″، “استحالة التوحيد”، رغم دفاعه عن وجود مؤسسات للأعمال الاجتماعية.

التوحيد مطلب عاجل

من جهته أثار الفاعل المدني عبد الواحد الزيات، في تصريح ل”مدار21″، إشكالية “تشتت” جمعيات الأعمال الاجتماعية، موضحا أنه “بالرغم من تجميع القطاعات الحكومية في هندستها الجديدة لا تزال جمعيات الأعمال الاجتماعية للقطاعات الحكومية المنتمية لذات القطاع الوزاري وكذا المؤسسات العمومية مشتتة”.

ويشير المتحدث إلى أن قطاعات حكومية تقدم الدعم لأكثر من جمعية، مشددا على أن “هذا الوضع يحتاج إلى إصلاح مستعجل وتوحيد جمعيات الأعمال الاجتماعية لنفس القطاع الحكومي والمؤسسة العمومية بدل استمرار تشتيتها”، موضحا أن الحكومة والبرلمان مطلوب منهم معالجة هذا الوضع بإرساء حكامة جمعيات الأعمال الاجتماعية وفق رؤية مندمجة للقطاعات والمؤسسات.

وسجل عبد الواحد الزيات أن “الحكومة أعادت هيكلة قطاعاتها إلى قطاعات مدمجة في حين بقيت جمعية الأعمال الاجتماعية مشتتة ومتفرقة وهذا الأمر لا يستقيم”، مضيفا أن جمعيات الأعمال الاجتماعية يجب أن تكون موحدة حتى تتحقق أهدافها، وحتى يتم ضبط حكامتها المالية.

وأضاف الفاعل المدني أنه لا يعقل أن تكون داخل قطاع حكومي ثلاث جمعيات للأعمال الاجتماعية وأكثر، مؤكدا أن “عمليات توحيد الجمعيات ينبغي أن تكون بعيدة عن منطق الحسابات السياسية”.

وأورد الفاعل المدني أنه “إذا أردنا أن تكون حكامة للمال العام والمؤسسات، فإن جمعيات الأعمال الاجتماعية تحتاج إلى توحيد الهيكلة، مؤكدا أن ذلك سيسهل عملية الرقابة المالية، مضيفا أن المجلس الجهوي للحسابات لا يمكن أن يفتحص كل جمعية على حدا”.

وتابع المتحدث أن هذا الملف مهم جدا ويحتاج من الحكومة أن تكون لها الشجاعة والإرادة لمعالجته بدل ترك جمعيات الأعمال مشتتة، مشيرا إلى أن الحكومة يجب أن تمتلك رؤية للتوحيد والتجميع، والأمر سيكون له إيجابيات أكثر بخصوص استفادة الموظفين من الخدمات.

وأكد الزيات أنه توجد قطاعات لديها إمكانيات أكبر من قطاعات أخرى، مؤكدا أنه يجب أن يتم توحيد الجمعيات، واختيار الإطار الأنسب لذلك سواء تعلق الأمر بالانتخاب الديمقراطي أو التعيين، مضيفا أن القانون هو من سيحسم هذه التفاصيل إن توفرت إرادة الحكومة والبرلمان، مضيفا أنه يجب أن يتم الاستفادة من تجربة التجميع التي حصلت على مستوى قطاعات حكومية.

سياق البروز

في حديثه عن وضعية الأعمال الاجتماعية بالقطاعات الوزارية، يشير امحمد الهلالي رئيس جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي التعمير واعداد التراب الوطني، في تصريح ل”مدار21″، إلى سياق بروز الجمعيات.

ويؤكد الهلالي أن الأعمال الاجتماعية تشمل الجمعيات والمؤسسات، مضيفا أنه في البداية كانت الأعمال الاجتماعية جزءا من مصالح الإدارة، قبل أن يتم العمل فيما بعد على إشراك الموظفين في تدبير بعض الخدمات، وفي هذا السياق تم إنشاء مجموعة من جمعيات الأعمال الاجتماعية، تستفيد من الدعم العمومي، وفق المتحدث.

ويتابع الهلالي أن “ما حصل هو أن مبالغ الدعم ارتفعت مما خلق صراعات بين توجهات نقابية للسيطرة على الجمعيات، واستغلال خدماتها بطريقة تفضيلية وعدم استفادة غير المنتمين إلى توجهات نقابية، مما خلق فوضى داخل هذه القطاعات”.

ويؤكد الهلالي أن هذه المشاكل الداخلية كانت من بواعث التفكير للانتقال إلى نوع آخر من التدبير، ليتم في هذا السياق خلق مؤسسات عمومية لتفويت مرفق الأعمال الاجتماعية إليها لتسهيل ولوج الموظفين والطبقة المتوسطة إلى هذه الخدمات، والبداية كانت من القطاعات الكبرى مثل التعليم والعدل والصحة والداخلية وغيرها، قبل أن يتم تعميم هذه المؤسسات في إطار الحوار الاجتماعي.

استحالة التوحيد

الواقع الراهن، وفق امحمد الهلالي، يؤكد وجود حوالي 36 جمعية للأعمال الاجتماعية وحوالي 22 مؤسسة للأعمال الاجتماعية، مشيرا إلى الحوار الاجتماعي أفضى إلى وضع مؤسسات موحدة للأعمال الاجتماعية بالنسبة للقطاعات التي لا توجد بها مؤسسات.

ويشير الهلالي إلى أن العائق الموجود أمام عملية التوحيد هو الاختلاف في الأجور التي يتقاضاها الموظفون وفي المزايا التي يستفيدون منها، بحسب الوزارات، ما يجعل هذه العملية معقدة، مضيفا أن التوحيد، وفق هذا المنظور سيكون “مستحيلا”.

ويشير المتحدث أنه من المستحيل وضع مؤسسة تضم قطاعات وزارية لا يجمع بينها أي رابط، موضحا أن تلويح الحكومة بهذا الأمر يأتي من أجل إسكات القطاعات الصغيرة التي تطالب بإحداث مؤسسات للأعمال الاجتماعية.

تعايش بين المؤسسات والجمعيات

ويؤكد الهلالي أن القانون ينص على أن المؤسسات ستحل محل الجمعيات، لكن إلى حد الأن لم يتم تطبيق هذا الأمر سوى بوزارة العدل التي حلّت جمعيات الأعمال الاجتماعية داخلها، في حين أن بقية القطاعات الأخرى خلقت نوع من التعايش بين المؤسسات والجمعيات، من خلال تفويت بعض الخدمات من طرف مؤسسات الأعمال الاجتماعية للجمعيات للقيام بها مثل النقل أو التغذية أو غيرها.

وأكد الهلالي أنه يتم تفويت هذه الخدمات مقابل التعاقد حول برنامج ودعم مالي، مشيرا إلى أن الأمر يقتصر إما على الخدمات الصغيرة أو الخدمات التي تعرف مشاكل. ويضيف بأن الجمعيات خاصة التي تسيطر عليها توجهات نقابية لا تريد المؤسسات في العموم لأن تنتعش من الميزانيات المرصودة.

وأورد الهلالي بأن خلق مؤسسات للأعمال الاجتماعية داخل القطاعات الوزارية كان مطلبا بالنسبة للموظفين، لأنه يحمل امتيازات منها ارتفاع ميزانية هذه الخدمة وهناك استفادة كبيرة للموظفين، مشيرا إلى أن رفضها يتم من طرف المستفيدين من أموال الدعم العمومي بالجمعيات.

أموال الدعم العمومي

أفاد تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020 أن إجمالي الإعانات المالية المقدمة للجمعيات من طرف القطاعات الوزارية، ما بين 2014 و2019، بلغ حوالي 11,2 مليار درهم، أي بمعدل يناهز 2 مليار درهم سنويا، باستثناء سنة 2016 التي عرفت انخفاضا بحيث لم يتجاوز الدعم المقدم 0.82 مليار درهم.

وأكد التقرير أن ما يناهز 92% من الإعانات المقدمة للجمعيات تم منحها من طرف 7 قطاعات وزارية من أصل 33 قطاعا. غير أن التقرير نفسه وقف عند عدة نقائص مرتبطة بتحديد أهداف الدعم العمومي.

وأكد التقرير على أن الجمعيات المستفيدة من الإعانات العمومية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تبقى مطالبة بتقديم حساباتها السنوية للجهات المانحة، كما أن القطاعات المعنية مطالبة بتفعيل الرقابة الإدارية على هذه الحسابات.

غير أن جل القطاعات الوزارية، وفق التقرير، لا تتلقى الحسابات السنوية من الجمعيات المستفيدة من الدعم، بحيث تكتفي بتقديم التقارير المالية أو المحاسبية المرحلية، بالرغم من كون هذه التقارير لا تقدم الوضعية الشاملة عن الموارد والعمليات المالية المدبرة من طرف هاته الجمعيات لاسيما العمومية منها.

مقترح برلماني للتوحيد

وسبق أن قُدم مقترح قانون يتعلق بمؤسسة الأعمال الاجتماعية لموظفي وموظفات الوزارات والإدارات ذات الطابع المركزي من طرف نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وهو المقترح الذي لقي قبول الحكومة.

ويروم المقترح الذي شرع البرلمان في مناقشته توحيد مؤسسات الأعمال الاجتماعية لموظفي الوزارات والإدارات ذات الطابع المركزي، واعتبرت المذكرة التقديمية للمشروع أن الأعمال الاجتماعية المقدمة للموظفين والموظفات تكتسي أهمية كبيرة لتحفيز الموارد البشرية والرفع من القدرة الإنتاجية.

وأورد المصدر نفسه أن الحكومات المتعاقبة سعت إلى تنظيم هذا المجال بإحداث مؤسسات للأعمال الاجتماعية بمختلف القطاعات؛ غير أن الطابع المركزي لبعض القطاعات والإدارات وقلة مواردها البشرية جعلها تبقى خارج دائرة اهتمام الحكومات، مما حرم العاملين بهذه القطاعات من مؤسسات للأعمال الاجتماعية والاكتفاء بجمعيات فقط غير قادرة على تعبئة الموارد المالية الكافية للنهوض بالأعمال الاجتماعية، الشيء الذي يؤثر على جودة الخدمات المقدمة للموظفين المعنيين.

واعتبر مقترح القانون أن القطاعات ذات الامتداد المجالي تتوفر على أعداد معتبرة من الموظفين يمكن مؤسسات الأعمال الاجتماعية التابعة لها من التوفر على إمكانات مالية مقدرة تسهم في توفير خدمات ذات جودة معتبرة، في مقابل ضعف استفادة موظفي الوزارات والإدارات ذات الطابع المركزي

مؤسسة مشتركة

وتزامنا مع هذا النقاش تم رسميا إحداث وتنظيم مؤسسة مشتركة للنهوض بالأعمال الاجتماعية لفائدة موظفي الإدارات العمومية، بعد صدور القانون رقم 41.22 المنظم لها بالجريدة الرسمية عدد 7122.

وتهم هذه المؤسسة موظفي الإدارات العمومية التي لا تتوفر على مؤسسة للأعمال الاجتماعية، والبالغ عددهم حوالي 10000 (عشرة آلاف) موظفة وموظف، والمنتمين إلى 12 قطاعا وزاريا. وذلك بهدف تعميم الاستفادة من الخدمات الاجتماعية، اعتباراً للدور الهام الذي تلعبه هذه المؤسسات في تحسين الوضعية الاجتماعية للموظفين.

هذه المؤسسة التي طال انتظارها من قبل فئة عريضة من موظفات وموظفي القطاع العام، تطمح من جملة أمور أخرى، إلى تسهيل اقتناء المنخرطين لمسكن أو بنائه، ووضع تصور لنظام تقاعد تكميلي ونظام تغطية صحية تكميلية لفائدة المنخرطين.

وستعمل المؤسسة أيضاً على تقريب الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية من المنخرطين، وتوفير إعانات خاصة لأيتام المنخرطين. وبذلك ستخرج هذه المؤسسة إلى حيز الوجود بعد الانتهاء من صياغة هياكلها وإحداثها على أرض الواقع.

ويأتي هذان القانونان ليُترجما مضامين الاتفاق الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية بتاريخ 30 أبريل الماضي، والذي شاركت فيه غيثة مزور، وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، بصفتها رئيسة للجنة القطاع العام.  كما أنهُ يأتي انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تعزيز المجهود الوطني لتكريس أسس الدولة الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News