دولي

اتحاد المغرب العربي.. هل وضع قيس سعيّد نقطة النهاية للحلم المغاربي؟

اتحاد المغرب العربي.. هل وضع قيس سعيّد نقطة النهاية للحلم المغاربي؟

بينما يعيش اتحاد المغرب العربي حالة جمود أوقفت مسيرة نموه عند فترة الولادة، وأجهضت حلم الوحدة المغاربية، جاء سلوك قيس سعيّد، رئيس جمهورية تونس، الذي استقبل إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، على هامش قمة تيكاد، ليضيف مزيدا من التعقيدات على الوضع.

وفي وقت كانت الانتظارات أن تلعب تونس دور الوساطة بين الأشقاء وأن تقرب بين وجهات النظر، لا سيما وأن ملف الصحراء المغربية واستمرار دعم الجزائر للانفصال، يشكل العقبة الأساس أمام الحلم المغاربي، حمل تصرف الرئيس التونسي الذي أزاح بلاده من موقع الحياد بخصوص الصحراء المغربية رسائل سلبية باتت تهدد بوضع نقطة النهائية في مسار الوحدة المغاربية.

ورد المغرب على خطوة قيس سعيّد باستدعاء سفيره للتشاور، وبدل أن يبحث الرئيس التونسي عن الإجابات على الوضع الذي ساهم في هذه الخطوة، فضل صب المزيد من الزيت على نار الأزمة، ليعمد بدوره إلى استدعاء السفير التونسي بالرباط للتشاور، ما شكل إعلان عن أزمة جديدة في وجه البناء المغاربي الموحد.

مفاجأة للحلم المغاربي

التخوفات من انعكاسات سلوك قيس سعيّد على اتحاد المغرب العربي ترجمها بيان الأمین العام للاتحاد، الطیب البكوش، الذي أعلن تفاجأه “بأزمة جدیدة جعلت العلاقات بین تونس والمغرب تمرّ بامتحان عسیر آخر یضاف إلى ما یعیشه المغرب الكبیر من أزمات”.

وأوضح الأمين العام لاتحاد المغرب العربي أن هذه المفاجأة تأتي في وقت سبق للاتحاد أن نصح تونس “بالقیام بمبادرة صلحیة إثر قطع العلاقات بین الجزائر والمغرب، ثم لعقد خلوة مغاربیة بين وزراء خارجية الدول المغاربية والأمین العام لصالح الحل السیاسي في لیبیا”.

وتأسف الطيب البكوش من رؤية “فرصة أخرى تھدر وتغیب فیھا المبادرة بمناسبة انعقاد القمّة الیابانیة الإفریقیة الثامنة بتونس التي انتھت أشغالھا یوم 28 غشت 2022″.

وبمناسبة استجابة لیبیا وموریتانیا أخیرا لدعوة عقد خلوة مغاربية لوزراء الخارجية مع الأمين العام خاصة بالأزمة اللیبیة، جدد الأمين العام توجيه نداء في العلن إلى الدول المغاربیة لاستكمال الاستجابة لعقد الخلوة الخماسیة وإنجاحھا”.

وحافظ الأمين العام لاتحاد المغرب العربي على الأمل، مشيرا إلى أنه يأمل أن تساھم الخلوة المذكورة في “التقدم بالعمل المغاربي المشترك. وعسى أن یكون اشتداد الأزمات الأخیرة بدایة الانفراج وعودة التآخي والتفاھم والتكامل تحقیقا للأھداف المرسومة منذ تأسیس الاتحاد المغاربي في 17 فبراير 1989 بمرّاكش”.

مخاطرة برؤية الآباء

تفاعلا مع الانعكاسات المحتملة لسلوك قيس سعيّد، أوضح محمد بودن، خبير في العلاقات الدولية ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، في تصريح لـ”مدار21″، أن “استقبال الرئيس التونسي لزعيم الكيان الوهمي يمثل مخاطرة كبيرة برؤية الآباء المؤسسين للاتحاد المغاربي وروح مؤتمر طنجة المغاربي لسنة 1958”.

واعتبر بودن أن استقبال قيس سعيّد لزعيم الانفصاليين “يفاقم جمود الاتحاد المغاربي ويمثل تخليا عن الطموحات المشروعة لحوالي 120 مليون مواطن مغاربي معظمهم شباب”.

وتابع خبير العلاقات الدولية أن “الاتحاد المغاربي يتعرض لنكسة حقيقية بتصرف الرئيس التونسي، تنضاف لنكسات أخرى على مستوى التكامل والاندماج البيني الذي يعتبر الأضعف بين المجموعات الإقليمية عالميا والمجموعات الاقتصادية الأربع الأخرى بالقارة الإفريقية”.

حسابات خاسرة

مسألة الاتحاد المغاربي، وفق محمد بودن، “ليست وليدة اليوم وهي طموح شعبي تاريخي فيها عناصر مستمرة وأخرى غير مستمرة لكنها اليوم مطوقة بمخاطر تنطوي على حسابات خاسرة وسوء تقدير للقيادة التونسية”.

فالفكرة المغاربية، وفق المتحدث نفسه، سبقت بعشرات السنين هذه الأحداث الطارئة ومن المفروض أن لا يكون هذا القاسم المشترك حاجزا بين المكونات المغاربية.

وأورد رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية أنه “لا يمكن لكيان انفصالي أو من يوفر له الحاضنة ويضع أمامه السجاد الأحمر أن يتطفل على تاريخ المنطقة المغاربية وتجانس شعوبها”، مضيفا أن “المجال المغاربي لا بديل عنه للبلدان الخمس حتى لو حاولت بعض الأطراف تسميم أجوائه بتشجيع النزعة الانفصالية”.

الجزائر تُجهض الالتحام

ويردف محمد بودن في تصريحه لـ”مدار21″ أن “الآمال من الاتحاد المغاربي كانت كبيرة لكنها تحولت بسبب السياسة الجزائرية إلى آمال فارغة من مضمونها ولا يسندها الواقع والإنتاج والتكامل بين المكونات الخمس”.

ورغم المشاعر ووحدة المصير واللغة والثقافة والدين التي يمكنها كعوامل أن تعمل لصالح تكامل واندماج البلدان الخمس في الفضاء المغاربي إلا أن التحديات، وفق خبير العلاقات الدولية، “أثرت بشكل كبير على التحام جناحي الفضاء المغاربي”.

ويضيف بودن أنه “من بين أخطر التحديات التي تضع المسألة المغاربية على المحك هي توفير مساحة حاضنة لتزاوج الإرهاب والنزعة الانفصالية في المنطقة، فضلا عن تدفقات الهجرة غير الشرعية والمخاطر من الجيل الجديد”.

وأورد المتحدث نفسه أن “الشأن المغاربي لا يهم البلدان الخمس فقط بل إنه يؤثر بشكل واضح على العمل العربي المشترك ومكانة البلدان المغاربية في الفضاء الأورو-متوسطي ومساهمة هذه البلدان في أجندة 2063 التي تمثل لوحة قيادة الاتحاد الإفريقي نحو المستقبل”.

توحيد الصفوف هو الحل

من جهتها، سبق لنبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أن أكدت في تصريح لـ”مدار21″، أن إعلان تونس للعداء بشكل صريح ضد المغرب “إجهاض” لحلم المغرب الكبير، معتبرة أن حل مشاكل شعوب المنطقة لن يتم إلا بتوحيد صفوفها لتفادي التدخل الإمبريالي الصهيوني والذي دمر ليبيا وعددا من الدول ومصر على تقسيم المقسم وتجزيء المجزء.

وقالت الأمينة العامة للحزب الإشتراكي الموحد أن تونس أساءت لنفسها باستقبال ابراهيم غالي على أراضيها للمشاركة بالقمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد)، قبل أن تسيء للمغرب، معتبرة أنها أعلنت العداء ضد المغرب ووحدته الترابية بشكل غير مفهوم.

وسجلت منيب في التصريح نفسه أن تونس اختارت إعلان العداء ضد المغرب بشكل غير مفهوم وغير مبرر، خاصة أن ملف الصحراء المغربية مطروح أمام أنظار مجلس الأمن والعديد من الدول تعترف أن خطة الحكم الذاتي المقترحة من طرف المملكة “حل معقول وممكن وذو مصداقية”.

وأضافت أنه “لا يمكن للمغرب أن يسمح ببناء دويلة في جنوبه، لأنها ستكون تحت رحمة دول أخرى وعلى رأسها للجزائر”، معتبرة أن استقبال تونس الحار للانفصالي إبراهيم غالي “اختيار للمصالح وقصر نظر ومحاولة للخروج من المشاكل التي تتخبط فيها منذ فترة“.

المنطقة الأقل اندماجا

تعد منطقة المغرب العربي الأقل اندماجا في العالم مقارنة بباقي التكتلات الإقليمية، وذلك بالرغم من الإمكانات المهمة التي تتوفر عليها بلدان المنطقة، إذ تشير المعطيات أن المبادلات التجارية بين البلدان الخمس لا تزيد على 5 في المائة.

ويتسبب غياب الاندماج الاقتصادي بين دول المغرب العربي، وفق معطيات رسمية، في خسارة تتراوح بين نقطة ونقطتي نمو اقتصادي لكل دولة، ما يجعل مصلحة دول المنطقة في تطوير معاملاتها الاقتصادية في ظل ما يتوفر لها من يد عاملة ومن إمكانيات اقتصادية هائلة.

وبلغت سنة 2019 نسبة التبادل التجاري بين موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا 2.8 في المائة من إجمالي المجموعة، مقارنة بنسبة 57.4 في المائة مع باقي إفريقيا و97.2 في المائة مع باقي العالم، وكانت هذه النسبة ثاني أدنى نسبة بين المجموعات ضمن ست كتلِ أساسية في إفريقيا.

ويعد ملف الصحراء المغربية من أبرز الملفات التي تعرقل الوحدة المغاربية، بسبب الصراع الذي يخلفه بين المغرب والجزائر خاصة، لا سيما وأن هذه الأخيرة تدعم بشكل علني جبهة البوليساريو الانفصالية وتسعى إلى النيل من الوحدة الترابية للمملكة بتسخير كافة الإمكانيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News