دولي | سياسة

هل تستثمر موريتانيا تصريحات مغاربة للحفاظ على حيادها تجاه مغربية الصحراء؟

هل تستثمر موريتانيا تصريحات مغاربة للحفاظ على حيادها تجاه مغربية الصحراء؟

بعد مجموعة من الخرجات لمغاربة حول الوضع التاريخي لدولة موريتانيا قبل الحقبة الاستعمارية، وردود الفعل المنددة والرافضة لهذه التصريحات من طرف جهات رسمية موريتانية، طُرحت أسئلة حول مدى استغلال هذه التصريحات للحفاظ على موقف “الحياد الإيجابي” الذي تبديه جارة المغرب الجنوبية تجاه قضية الصحراء المغربية.

تصريحات أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقبله تصريحات حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، لم تفهم في سياق التعبير عن وجهة نظر تاريخية شخصية من الوضعية التي كانت عليها موريتانيا قبل مرحلة الاستعمار، ما جعلها مصدر انزعاج موريتاني، خاصة من لدن الجهات رسمية، التي بادرت إلى إصدار بيانات وبلاغات تشجب هذه التصريحات.

وبينما يطالب المغرب بمواقف أكثر وضوحا من طرف الدول الصديقة فيما يخص القضية الوطنية، ما دفع عدة دول عربية وإفريقية وأوروبية إلى الاصطفاف بشكل واضح، من خلال افتتاح قنصليات وتمثيليات دبلوماسية بالأقاليم الجنوبية المغربية أو التعبير عن مساندتها لمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع المفتعل، تستمر دولة موريتانيا في التعبير عن موقف “الحياد الإيجابي” تجاه قضية الصحراء المغربية.

ورغم ذهاب مجموعة من التحليلات إلى أن الموقف الموريتاني من قضية الصحراء المغربية يميل إلى صالح المغرب، لا سيما بعد الرسائل العديدة التي بعثت بها القيادة الموريتانية خلال عدة مناسبات، من بينها المواقف التي صدرت إبان تأمين الجيش الملكي المغربي لمعبر الكركرات، رغم الضغوطات الجزائرية، إلا أن ردود الفعل القوية لموريتانيين عقب تصريحات مغاربة، باتت تطرح أسئلة حول وجود استغلال لتصريحات صادرة عن جهات غير رسمية مغربية لدفع موريتانيا نحو الحفاظ على الموقف نفسه من القضية الوطنية.

علاقات لا تتأثر بالتصريحات..

محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، قطع، في تصريح ل”مدار21″، جميع الشكوك حول تأثير تصريحات الداعية الريسوني أو السياسي حميد شباط قبله، أو ردود الفعل الصادرة عن بعض الموريتانيين، على العلاقات المغربية الموريتانية، مؤكدا أن هذه الأخيرة أعمق بكثير من “أن تؤثر فيها تصريحات أو محاولات البعض الآخر الركوب على تلك التصريحات لبث سموم التوتر وإحداث الشروخات في العلاقات المتينة بين البلدين”.

وتابع سالم عبد الفتاح أنه “رغم ما تثيره تلك التصريحات من سوء فهم بين بعض النخب والفعاليات في كلا البلدين، إلا أن الأصوات التي تعزف على الطروحات الشوفينية وتوظف القضايا التاريخية محل التأويل والخلاف في سياقات سياسية غير لائقة باتت معزولة”.

والدليل على عزلة هذه التصريحات، وفق رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، هو “تصدي فعاليات مغربية لتوضيح وجهة النظر الرسمية الداعية للتقارب مع موريتانيا، في مقابل دفاع النخب موريتانية أيضا عن المغرب باعتباره العمق الحضاري والاستراتيجي لموريتانيا”.

وأضاف المتحدث نفسه أن “هناك وعي عميق معبر عنه على نطاق واسع سواء لدى قيادة البلدين أو حتى لدى طيف واسع من النخب والفعاليات المدنية، بأهمية التقارب والتكامل بينهما”، مشددا على أن هذا التقارب يتعزز أكثر “بفضل الامتدادات الاجتماعية لكل منهما في البلد الآخر، وبعناصر الهوية المشتركة من تاريخ ولغة وثقافة، إلى جانب الآفاق الواعدة للتعاون الاقتصادي والشراكات التنموية التي تجمعهما مستقبلا، بالإضافة إلى التحديات التي تتجاوز الأوضاع الأمنية المتدهورة في محيطهما، وتدخلات القوى الأجنبية في محيطهما الإقليمي، فضلا عن المخاطر الأمنية المتصاعدة في جوارهما الإقليمي”.

موريتانيا أقرب إلى المغرب..

يرى محمد سالم عبد الفتاح أن موقف “الحياد الإيجابي” الذي تعلنه موريتانيا بخصوص الصحراء المغربية “يبدو عمليا أقرب إلى المغرب”، مستعرضا مجموعة من الأدلة على ذلك، منها “الرفض الذي عبرت عنه نواكشوط على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية لاختراق البوليساريو للمنطقة العازلة إبان تصعيد الأخيرة في الكركرات”.

وتابع سالم عبد الفتاح أن مما يظهر القرب الموريتاني تجاه المغرب هو “مسارعتها للتنسيق مع المغرب حول تشغيل البوابتين الحدوديتين في نفس المعبر بعد العملية النوعية التي شنها الجيش المغربي فيه، ضدا على رغبة الجزائر، فضلا عن تدشينها لإنزال عسكري كبير وتدعيم لقدرات جيشها في كافة مناطقها الحدودية الشمالية، بالتزامن مع التصعيد الذي أعلنت عنها البوليساريو في المنطقة، ما شكل عائقا أمامها لاستغلال الأراضي الموريتانية في أي أعمال عدائية ضد المغرب”.

ابتزاز النظام الجزائري 

وكشف سالم عبد الفتاح عن وجود ضغط جزائري على موريتانيا لتغيير موقفها تجاه الصحراء المغربية، بالإضافة إلى التركة المخلفة من الأنظمة السابقة على القيادة الموريتانية الحالية.

وأوضح سالم عبد الفتاح في هذا السياق أن “النظام الموريتاني الحالي في عهدة ولد غزواني يبدو مثقلا ببعض الملفات التاريخية الموروثة من فترات حكم رؤساء آخرين كانوا أقرب إلى الطرح الانفصالي”، مضيفا في هذا الصدد أنه “يجابه محاولات ابتزاز واختراق تعكف عليها الجزائر، من خلال إعمال البيترو دولار عبر المنح والمساعدات ومحاولات حثيثة لشراء الذمم والولاءات، فضلا عن توظيفها للبوليساريو ضمن سعيها لتأجيج الوضع في حدود موريتانيا الشمالية، وتسخير الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة لتأجيج المخاطر الأمنية المتصاعدة في جوار موريتانيا”.

وانتهى سالم عبد الفتاخ إلى أن ولد غزواني، الرئيس الموريتاني الحالي، “يبدو أكثر حرصا من سابقيه على إبداء مواقف متوازنة إزاء قضية الصحراء، وإزاء التقارب مع المغرب، بالنظر إلى حجم التحديات الأمنية التي يواجهها والابتزاز السياسي الذي يتعرض له من طرف الجزائر”.

درود فعل موريتانية

وأثارت تصريحات أحمد الريسوني الأخيرة غضبا رسميا من طرف موريتانيا، إذ أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، حمد ماء العينين ولد أييه، في مؤتمر صحفي، عقب اجتماع مجلس الوزراء في نواكشوط، أن تلك التصريحات “مردودة على صاحبها وكل من تلامس أي هوى عنده”، مضيفا أنها “لا تستند لأي مصدر، وتتعارض مع الشواهد التاريخية والجغرافية والقوانين والشرائع التي تحكم العلاقة بين الدول”.

وتابع ولد أييه في التصريح الذي أوردته وكالة الأنباء الموريتانية بالقول إن تصريحات الريسوني “لا يوجد ما يعطيها أي مصداقية تحت أي جلباب”، وأن “صاحبها تبرأ من جلباب الحكمة والمصداقية”، يضيف المسؤول الموريتاني.

ويذكر أن رد فعل مماثل، كان قد صدر عن الجهات الرسمية الموريتانية عقب التصريحات التي أطلقها حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News