سياسة

أزمة “الفيزا” ومغادرة السفيرة.. هل تضغط فرنسا على المغرب دبلوماسيا؟

أزمة “الفيزا” ومغادرة السفيرة.. هل تضغط فرنسا على المغرب دبلوماسيا؟

يبدو أن بوادر الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين باريس والرباط، بدأت تظهر للعلن بعدما تمادت فرنسا في سياسة شد الحبل التي تُمارسها على المغرب، من خلال حرمان المغاربة من تأشيرات دخول أراضيها “عقابيا” مقابل الاستحواذ على رسوم التأشيرات المرفوضة ومراكمة أموال طائلة دون موجب حق أو شرع قانوني.

وفجّر هذا الوضع سخطا عارما في صفوف المغاربة بمن فيهم شخصيات سياسية وعمومية، أطباء، مهندسين، برلمانيين، ومحامون وغيرهم ممّن طالهم إقصاء الحصول على “الفيزا” لدخول الأراضي الفرنسية، في ظل صمت “مريب” لحكومة عزيز أخنوش التي لم تقم إلى حدود كتابة هذه الأسطر بأي رد فعل على ما يحصل بالرغم من التنبيهات المتواترة التي بادر إليها عدد من البرلمانيين، والفاعلين المدنيين في هذا الإطار.

وبحسب ما ورد في تقرير للهيئة العامة للأجانب بفرنسا، فقد منحت القنصليات الفرنسية بالمغرب قرابة 69.408 تأشيرات فقط سنة 2021 مقارنة بـ 342.262 عام 2019، فيما تقدّر مصادر إعلامية، عدد التأشيرات المرفوضة بالنسبة للمغاربة بحوالي 70 بالمئة، فيما تربح فرنسا عن كل تأشيرة ما يُعادل 1000 درهم، سواء قُبلت أو رفضت من طرف القنصليات.

أرباح طائلة.. البرلمان المغربي يستنكر

ووصل ملف التأشيرات إلى المؤسسة التشريعية، حيث وجهت النائبة فاطمة التامنى عن “فدرالية اليسار”، سؤالاً إلى وزير الشؤون الخارجية بخصوص التأشيرة الفرنسية ورفض الطلبات دون مبررات منطقية، مع استخلاص مبالغ مالية ضخمة.

وأوضحت أن منع أطباء مغاربة من حضور مؤتمر طب العيون في فرنسا أثار استياء كبيرا لديهم، نظرا لعدم وجود أسباب منطقية للرفض، بالإضافة إلى حرمان العديد من المغاربة من “الفيزا” دون مبرر معقول، مع العلم أن القنصلية تستخلص واجبات التأشيرة.

ولاحظت النائبة البرلمانية، أنه يبدو أن فرنسا تتجه نحو خفض منح “الفيزا” في المستقبل، وهو منطق يلفه الكثير من الضبابية وعدم الوضوح، خصوصا مع استمرار السفارة الفرنسية في تحصيل الرسوم والواجبات المفروضة وجني مبالغ ضخمة دون معالجة الملفات المطروحة، كما أن بعض المواعيد الخاصة بالطلبة الراغبين في متابعة دراساتهم بفرنسا تمد إلى شتنبر، بالإضافة إلى الملاحظات التي تبديها القنصليات في بعض وثائق التأشيرة، مما يكلف الكثير من الوقت.

وتساءلت فاطمة التامني عن الإجراءات المتخذة من طرف وزارة الخارجية لتصحيح هذا الوضع لحماية طالبي التأشيرة من الإهانة التي يتعرضون لها من جهة، وتقديم ما يمكن من المساعدات فيما يخص التأشيرة الخاصة بالطلبة وفي آجال معقولة، حتى لا يعيق تأخير “الفيزا” عملية الالتحاق بمدارسهم، من جهة أخرى.

سياسة ظالمة.. البرلمان الفرنسي يُحذّر

وتفاعل البرلمان الفرنسي بدوره مع ملف رفض التأشيرات لرعايا الدول المغاربية، حيث بلغ عدد الأسئلة التي تعنى بالقضية الموجهة لحكومة إيمانويل ماكرون 4 أسئلة، منها سؤالان يخصان هذه القيود.

وحذر عضو الجمعية الوطنية، كريم بن شيخ، المنتمي إلى تكتل الإيكولوجيين المعارض، في سؤال كتابي موجه لوزيرة الخارجية، من التبعات السلبية لاستمرار القيود التي فرضتها السلطات الفرنسية على رعايا بلدان الجزائر وتونس والمغرب في مجال الحصول على تأشيرة السفر إلى أراضيها التي تضرر منها العاملون في السلك الدبلوماسي.

وأبدى البرلماني قلقه بخصوص “ظاهرة تفاقم الصعوبات التي يواجهها رعايا البلدان المغاربية الثلاثة في الحصول على تراخيص دخول الأراضي الفرنسية تطبيقا لقرار الحكومة السابقة بقيادة جان كاستيكس في شتنبر الماضي (قضت بخفض عدد التأشيرات بالنصف للجزائريين والمغاربة وبـ30 بالمائة للتونسيين)، لإجبار الدول الثلاث على استئناف ترحيل رعاياها المقيمين بطريقة غير شرعية الذين صدرت في حقهم أحكام لمغادرة الأراضي الفرنسية من خلال إصدار جواز سفر مؤقت.

وحذّر المتحدث من “استمرار هذه الضغوط المشكلة وتأثيرها على العديد من رعايا البلدان الثلاثة من رفض منح التأشيرة دون سبب جدي، الأمر الذي يتعارض مع حق المتقدمين في إجراء فحص فردي وجاد لملفاتهم”.

ولفت البرلماني إلى أن هؤلاء الرعايا “ليسوا مضطرين لتحمل عواقب سياسة قبضة حديدية مشكوك في فاعليتها (أي محاولات لي ذراع حكومات الدول الثلاث للخضوع للإملاءات الفرنسية)”، مشيرا إلى “أن أشخاصا يتوفرون على جميع الضمانات اللازمة للسفر منعوا من الوصول إلى الأراضي الفرنسية”، وأعطى مثالا على ذلك برواد الأعمال والطلاب (الحاصلون على شهادات في مدارس عمومية فرنسية) والأولياء أو المرتبطين بشريك فرنسي.

ولفت في سؤاله إلى أن العاملين في السلك الدبلوماسي في البلدان الثلاثة يواجهون معاملة غير لائقة تأتي في سياق سياسي إقليمي صعب بشكل خاص، مشددا على أن هذه الممارسات تعد “انتهاكا حقيقيا لرابطة الثقة مع شعوب هذه الدول المرتبطين تاريخيا بفرنسا”، منبها أصحاب القرار الفرنسي إلى أن تبعات هذه الممارسات ستكون باهظة للعلاقات الثنائية لفرنسا، متسائلا في الأخير عن مراجعة هذه “السياسة الظالمة وغير المثمرة، وغير المتناسقة في كثير من النواحي”.

وأعقب السؤال المذكور، سؤالا كتابيا آخر لعضو مجلس الشيوخ، هيرفي جيلي، لوزير الداخلية وأقاليم ما وراء البحار في فرنسا والذي وصف فيه قرار تقليص عدد التأشيرات الممنوحة لرعايا البلدان الثلاث (بالنصف للجزائر والمغرب وبالثلث لتونس) الذي أعلنته الحكومة في 28 شتنبر 2021 بالعقاب، حيث حذر بدوره من تبعات هذه السياسة: “إذ تتسبب في حالة عدم فهم وإحباط للمتقدمين الأجانب للحصول على تأشيرات السفر”.

سفيرة فرنسا في عطلة.. هل ستعود للمغرب؟

ومُقابل تأجج الوضع بين البلدين، وخروج الأزمة الدبلوماسية من رحم البرود إلى الإعلان غير الرسمي والصمت المطبق وغير المفهوم للحكومة المغربية، غادرت سفيرة فرنسا في المملكة المغربية، هيلين لوغال، الرباط مستهل هذا الأسبوع “دون سابق إنذار”، وهو ما يطرح ألف علامة استفهام حول مآل الأوضاع.

وفي وقت رفض المسؤول عن التواصل في السفارة الفرنسية بالرباط، الإدلاء بأي تصريح بخصوص هذا الملف، نفى مصدر دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى الأخبار المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي عن مغادرة السفيرة الفرنسية هيلين لوغال الأراضي المغربية بسبب أزمة غير معلنة.

وأوضح مصدر مدار21، أن السفيرة في عطلة، واختارت قضاءها مع عائلتها بفرنسا وستسافر لبلد أوروبي آخر لقضاء بضع أيام هناك، مشيرا إلى أن السفارة الفرنسية اعتادت على أن يكون غشت موعدا لعطلتها السنوية، نافية بشكل قطعي صحة الأخبار المتداولة.

فرنسا تُعاقب المغرب على تطلعاته التنموية

ويرى تاج الدين الحسيني، أستاذ للعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس أكدال، أن ملف رفض طلبات “الفيزا” هو فقط “الشجرة التي تغطي الغابة، التي تخبّئ حقائق أخرى ترمي إلى أن العلاقات المغربية الفرنسية لم تعد كما كان عليه الحال في الماضي ولن تبقى كذلك بكل تأكيد”.

الحسيني وفي تصريح خصّ به “مدار21″، شدّد على أن المسألة ليست مرتبطة بعدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة، ذلك أنه انخفض منذ 2019 إلى تأشيرات معدودة، وهو ما كانت تربطه السلطات الفرنسية وقتها بكوفيد 19، ولكن اليوم بدا واضحا أنها “مسألة نوعية أكثر منه كمية، لأنها أصبحت تطال حتى وزراء سابقين، وأطباء، ومهنيين، ومحاميين وأشخاص ذوي مكانة اعتبارية، بالرغم من توفرهم على كل ضمانات العودة مجددا إلى وطنهم وأن إقامتهم ستكون محدودة ولظروف خاصة”.

واعتبر المحلل السياسي أن رفض السفارة مدهم بالتأشيرة هو “نوع من النصب على المواطنين المغاربة، على اعتبار أن الشخص الذي يتوفر على كل الشروط ويقدم طلبا للحصول على التأشيرة ولكن يُرفض يتم الاحتفاظ بالمبلغ المقدم لهذا الغرض والذي يناهز 1000 درهم مغربية لكل شخص، وهذا غير مقبول حتى على مستوى أخلاقيات التعامل الدبلوماسي” يقول تاج الدين الحسيني، موردا أنه “يمكن اعتبار الإجراء بوادر لأزمة صامتة بين باريس والرباط”.

وأبرز الخبير في العلاقات الدولية، أن إجراء “منع الفيزا” عن المغاربة، خلفياته أكبر من ظاهره، على اعتبار أنه رد فعل على “غضب الدولة الفرنسية من الرباط” والمتعلق بظاهرة الاستثمارات الفرنسية في المغرب والتي كانت تنوي باريس أن يكون محطة لاشتغاله لصالحها في إفريقيا، لكن المغرب اختار طريقا آخر هو أن يكون مستثمرا لوسائله الخاصة للبلدان الإفريقية وأكبر دليل على ذلك هو أن المغرب أكبر من يستثمر قاريا، فهو الأول في إفريقيا الغربية والثاني في مجموع القارة بعد جنوب إفريقيا وبالتالي هذا الوضع المتميز الذي اختاره المغرب يقلق فرنسا على المستوى الاقتصادي كذلك”.

وأكثر من هذا، أردف الحسيني أن المغرب اختار التعاون مع شركائه الآخرين الأكثر أهمية من فرنسا، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن منطقة الصحراء ستكون منطلقا لتعاون المغرب مع وكالات التنمية الأمريكية، بحوالي 5 مليارات دولار للمغرب والبلدان الإفريقية الغربية عن طريق المغرب، ومنصة أساسية لهذا التعاون، ثم اختيار الصين الاعتماد على المغرب لإنشاء مدينة كبرى في شمال المملكة هدفها التركيز على بلدان إفريقيا، وهي كلها عوامل بحسب الحسيني، جعلت “فرنسا غير راضية عن هذا النوع من التعاون الذي سيكون فيه المغرب آلية لا تخدم مصالحها في المنطقة، بل سيتمتع أولا بالاستقلال في سلوكه الذاتي، وسيعمل على خدمة مصالح الدول الكبرى الأكثر أهمية من فرنسا في المنطقة وفي صراعات التنافس حول المستقبل”.

صلح الإخوة قريب

وخلافا لتاج الدين الحسيني، يسلم أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد الأزرق، بوجود اعتماد متبادل بين المغرب وفرنسا نظرا لطبيعة العلاقة بين البلدين، مقللا من شأن الأزمة الصامتة الحالية.

وأشار المتحدث، في تصريحه لـ “مدار21″، إلى أن علاقات المغرب وفرنسا عرفت شد وجذب، ولكن في الأخير تصل دائما إلى بر التوافق والتأسيس لعلاقة أخرى جيدة بعد تجاوز المطبات “وبالتالي فإنه يمكن القول إنه يوجد اعتماد متبادل كعلاقة ثقافية وديمغرافية وبحكم الاستعمار علاقة فكرية وبالتالي هذه التجاذبات تحصل بين عشية وأخرى وطالما تعودنا عليها فرنسا”.

وبخصوص أزمة التأشيرات وحول ما إذا كانت أسلوبا “عقابيا” للمغرب، يعتقد الأزرق، أنه اتجاه لوبي فرنسي أكثر من كونه اتجاه الدولة الرسمية الفرنسية، موردا أن هذا القرار “يبقى من الناحية القانونية والدبلوماسية يدخل في إطار السيادة الفرنسية” مستدركا: “لكن السياسية تقلب مزاجها ومن الممكن أن يؤسس لمفاوضات جديدة بين المغرب في شخص وزارة الخارجية وفرنسا خاصة أن المشاكل تحدث في سياق مشاريع كبرى، ويوجد لوبي فرنسي يحاول الاستئثار بهذه المشاريع داخل المغرب”.

وكانت سفيرة فرنسا في المغرب، هيلين لوغال، قد أعلنت عن تخفيض بنسبة 50 في المئة في منح التأشيرات للمواطنين المغاربيين، لكن هذا المعدل هو في الواقع حوالي 70 في المئة للمغاربة، بحسب ما لاحظ موقع “موند أفريك”، مشيراً إلى أنه في عام 2019، تمكن 3 ملايين و46 ألف مغربي من الحصول على “الفيزا” الفرنسية، بينما لم يتجاوز العدد 98 ألف تأشيرة عام 2020، علما بأن القضية لا يمكن تفسيرها بفيروس “كوفيد” فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News