موقف

تونس.. “ربيعٌ” في الحدائق الخلفية لنظام الجزائر

تونس.. “ربيعٌ” في الحدائق الخلفية لنظام الجزائر

تونس ولاية جزائرية. تعليق عابر، على قناة تلفزيونية عربية، لأحد المختَلين كان يحتاج الى تأكيد بسلوك مختل أيضا. واستقبال زعيم ميليشيا انفصالية مسلحة من قبل رئيس دولة جاء ليؤكد هذا العبث. ما حدث أكبر من استفزاز أو مساومة يريد من خلالها النظام التونسي استجداء الجزائر عبر ترتيبات استخباراتية مفضوحة. لا وضع تونس سياسيا ولا موقعها جغرافيا ولا ثقلها خارجيا يسمح لها بإحداث اختراق في جدار الصد الذي بنته المملكة المغربية في منطقة المغرب العربي منذ افتعال النظام العسكري الجزائري لنزاع الصحراء. لا القذافي بأمواله ولا بومدين بحقده الدفين ولا ولد هيدالة إبان حكمه موريتانيا، نجحوا في ذلك.

عداء ثم ارتباك
في يوليوز 2015 وخلال زيارته لتونس قال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساكوزي، في ندوة صحفية، “إن تونس غير محظوظة بتواجدها بين ليبيا والجزائر. تونس لم يكن لديها حرية اختيار جوارها”. هذا الدرس البليغ في الجغرافيا السياسية أثار غضب النظام الجزائري، بينما لم يكترث الليبيون للأمر، فالعسكر في الجزائر كانوا يدركون أنهم هم المعنيون برسالة ساركوزي. اليوم يبدو أن تونس غير محظوظة برئيسها الذي لجأ إلى تطويع القوانين (تعديل الدستور) والمؤسسات (عزل القضاة) للتمويه على شعبيته التي تآكلت.
في حالة الارتباك التي رافقت السلوك العدائي للرئيس التونسي باستقبال زعيم ميليشيا بايعاز مفضوح من الجزائر، حذف موقع الرئاسة التونسية على مواقع التواصل الاجتماعي صور الاستقبال. في تعليقه على هذا العبث كتب القيادي السابق في حزب النهضة التونسي عبد الحميد الجلاصي يقول: “عندما يتكرر فسخ المقاطع ومحاولة إصلاح الاخطاء الفادحة.. ندرك حجم الجريمة التي يتورط فيها مساندو الانقلاب”. ولأن لا جريمة كاملة، زادت صحافية بالقناة التونسية الأولى، كانت تُعلق على صور وصول الوفود المشاركة في القمة الافريقية اليابانية “تيكاد 8″، من حجم الارتباك وهي تصف زعيم الجمهورية الوهمية برئيس “جنوب الصحراء”! كررت ذلك مرات..
بلاغ الخارجية المغربية استبق تعويم النقاش حين أكد أن الاستقبال قرار أحادي ضدا على رغبة اليابان طرف الاستضافة في هذا التجمع الإقليمي”تيكاد”، وحتى المراسلات الرسمية حول ترتيبات الاجتماع تفضح أكاذيب النظام التونسي ما يُثبت أن حضور زعيم بوليساريو الاجتماع ليس قرارا وطنيا ولا سياديا كما ادعى بلاغ الخارجية التونسية.

لبنان جديدة!
على مستوى التأثير يبدو الموقف التونسي “لا حدث”، إذا ما استثنينا كونه يبدد شكوك المملكة حول المواقف العدائية المتصاعدة للنظام التونسي في الآونة الأخيرة. والتي بدأت بالامتناع عن التصويت على قرار أممي في مجلس الأمن حول نزاع الصحراء عارضته الجزائر في الكواليس وتونس في العلن.
لكن من حيث الأثر فإن الرئيس قيس سعيد بنهجه التحالف مع نظام عسكري جزائري”يفتعل الحرائق”، بحسب تعبير مجلة جون افريك الفرنسية، يضع دولة ذات سيادة “تحت الوصاية” رهينة أجندات خارجية ومخططات شريرة لا تخدم وحدة المغرب العربي بل تعزز الاستقطابات الحادة في المنطقة.
منذ سنة تقريبا تولد إحساس جماعي لدى النخب في تونس بأن بلادهم مختطفة من قبل نظام عسكري لدولة جار. في سيناريو أشبه بتحكم سوريا في لبنان. تونس المختطفة لبنان جديدة في المنطقة. وهذا أسلوب الأنظمة العسكرية عموما. وليس من الصدفة تشابه النظام الحزبي العسكري في سوريا مع النظام السياسي العسكري في الجزائر. كلاهما رئيس في الواجهة وعسكر يحكم. هذا السيناريو لم يكن ممكنا لولا ارتماء النظام التونسي في حضن الجزائر. في الظاهر بحث عن الغاز والأموال والمساعدات. وفي الكواليس استقواء الرئيس التونسي بنظام عسكري لبقائه في السلطة ضدًا على إرادة الشعب وثورته المجيدة. ترتيبات فضحها الرئيس الجزائري نفسه يوم دعا التونسيين عشية الاستفتاء الى التصويت على الدستور الذي جاء به قيس سعيد. دون أن تعلق الخارجية التونسية ولا حتى الرئيس نفسه على هذا التدخل في القرار الوطني السيادي!!

سوريا -لبنان هي الجزائر-تونس اليوم. لكن من منا لا يتذكر الكلفة الباهظة لفك الارتباط بين لبنان وسوريا حتى الأمس القريب؟ وكيف ان استعادة لبنان لسيادته واستقلالية قراره السياسي كان ثمنه الدم: اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء. ومطاردة المعارضين للوصاية السورية على لبنان امثال سمير قصير ومي شدياق وغيرهم.. وتفجيرات في كل مكان بأدوات لبنانية.

فرنسا خلف الستار
أين فرنسا؟ يبدو الحليف التقليدي للمغرب غير راضٍ عن تحولات العقيدة الخارجية للمملكة، خاصة التقارب العسكري مع أمريكا والتحالف السياسي مع إسبانيا والشراكة المتجددة مع ألمانيا. فرنسا التي تواجه أزمة ثقة في افريقيا، انسحبت من مالي بعد مظاهرات (كل يوم جمعة) في العاصمة المالية باماكو مطالبة برحيل القوات الفرنسية. وفي بوركينافاسو منع سكان بلدة كايا (وسط البلاد) عبور قافلة عسكرية فرنسية، قادمة من كوت ديفوار باتجاه النيجر. فرنسا التي تواجه توغلا عسكريا روسيا في حدائقها الخلفية في افريقيا الوسطى ومالي وغيرها.. تريد أن يكون المغرب وكيلها في إفريقيا للحفاظ على مصالحها ضدا على مصالح الأفارقة. ويبدو أن الدول الافريقية التي تضامنت مع المغرب وأعلنت رفضها حضور بوليساريو قمة “تيكاد” تعلم يقينا أن يد فرنسا حاضرة في هذه المؤامرة.
كل الموشرات تشير الى أن فرنسا، بخلاف الولايات المتحدة الامريكية مثلا، لم تعلن موقفا واضحا حيال ما يجري في تونس من أزمة سياسية وتوجه نحو نظام دكتاتوري جديد في البلاد، هي من يقف، منذ البداية، وراء التقارب التونسي الجزائري في محاولة لعزل المغرب عن محيطه الإقليمي وممارسة مزيد من الضغط لتعطيل مسار الشراكات الاستراتيجية التي دخلتها المملكة مع حلفاء جدد وقدامى.
المغرب الذي واجه الولايات المتحدة الأمريكية حينما طرحت مشروع توسيع صلاحيات بعثة المينورسو في الصحراء سنة 2013. فتراجعت. وحصر إسبانيا في الزاوية الضيقة بعد فضيحة استقبال زعيم بوليساريو. فتراجعت وراجعت موقفها من قضية الصحراء بدعم مقترح الحكم الذاتي هو اشبه باعتذار للخروج من الأزمة بين مدريد والرباط. وألمانيا، القوة الاقتصادية داخل الاتحاد الأوربي، سرعان ما تخلت عن مواقفها العدائية العابرة ورجحت البراغماتية على التصابي السياسي. هو المغرب نفسه الذي طالب فرنسا (في الخطاب الملكي الاخير) بتوضيح موقفها من نزاع الصحراء والخروج من المنطقة الرمادية..
في كل هذه المعارك الدبلوماسية خرج المغرب منتصرا لعدالة قضيته.. فأين يضع النظام التونسي نفسه بين كل هؤلاء؟ فإذا ما استثنينا الإحساس العام بالتآمر مع نظام جزائري عسكري مقيت ضد المصالح العليا للمملكة، فإن ما قام به رئيس النظام التونسي، هو صيحة في انقلاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News