مجتمع

لجنة برلمانية: الأطباء والمواطنون في خطر بسبب الكمامات غير المرخصة

لجنة برلمانية: الأطباء والمواطنون في خطر بسبب الكمامات غير المرخصة

بالرغم من تنويهها بالنجاح الريادي للمغرب في مجال صناعة الكمامات، خلال فترة الأزمة الوبائية، إلا أن أعضاء اللجنة البرلمانية الاستطلاعية المؤقتة سجّلت مجموعة من اختلالات على مستوى صفقات استيرادها في بداية الأزمة، وتناقض صارخ بين وزارتي الصحة والتجارة والصناعة.

اللجنة الاستطلاعية المؤقتة، وفي تقريرها الذي توصلّت “مدار21” إلى نسخة منه، سجّلت ملاحظات أساسية وذات أهمية بالغة بخصوص الكمامات الجراحية التي تعتبر مستلزمات طبية، وتعتبر ذات حساسية مفرطة، على اعتبار أنها الأداة الرئيسية لحماية الأطقم الطبية والعاملين في الواجهة ولحماية المرضى والمصابين على حد سواء.

ولاحظت اللجنة ارتباكا واضحا وتناقضا مهما بين وزارتي الصحة والتجارة والصناعة، خاصة على مستوى استيراد هاته الكمامات الواقية من الفيروس، سواء منها الطبية الجراحية أو تلك المخصصة للاستعمال العمومي من قبل المواطنين.

ذلك أن الصفقة التفاوضية، التي تحمل رقم “28”، المُبرمة خلال بداية الجائحة شهر مارس 2020، والتي يقدر مبلغها الإجمالي بـ125.320.800,00 درهم، لم يتم تنفيذ إلا أقل من 20 بالمائة منها، أي ما يعادل 25.101.384,00 درهم، على الرغم من الحاجة الملحة آنذاك للكمامات الطبية والواقيات ذات الاستعمال الفردي على المستوى الوطني المواجهة تفشي الجائحة.

ويضيف التقرير المذكور أن الصفقة (رقم “28”) جُمّدت ولم يتم إنجاز 80 بالمائة منها على الرغم من توقيعها من قبل وزارة الصحة واستنفاذ جميع الإجراءات المسطرية الأخرى، غير أن ما أثارته مديرية الأدوية بوزارة الصحة (خلال اجتماع المهمة معها بتاريخ 14 يونيو 2021) أبان بوضوح أن تدخل وزارة التجارة والصناعة واشتراطها الحصول على ترخيصات ذات طابع صناعي (وليس صحي وطبي) جمّد عملية استيرادها، وذلك على الرغم من أن هاته الكمّامات تندرج في إطار المستلزمات الطبية والخاضعة لمساطرها الخاصة، وكانت الحاجة ملحة آنذاك لتوفيرها لفائدة المؤسسات الصحية.

ولاحظت اللجنة في ذات السياق عدم قدرة وزارة الصحة على حلّ هذا الإشكال الذي ينضاف للإشكالات الأخرى المرتبطة بتدبير موضوع الكمامات الواقية، والتي تداول الرأي عددا من الاختلالات المرتبطة بها قبل أن تتمكن بلادنا من توفير مخزون كافي من هاته المنتجات الحيوية لمواجهة تفشي الفيروس.

وبالإضافة إلى ذلك، سجلت اللجنة البرلمانية ارتباكا كبيرا بخصوص الترخيص للشركات المصنعة أو المستوردة لها، وعدم منح هاته المقاولات التراخيص الاستثنائية كما هو مقرر خلال تلك الفترة، وهو ما كان له وقع سلبي في بداية الجائحة، وتمت الإشارة إليه في المحور المتعلق بتدبير رخص الاستيراد وتسويق المستلزمات الطبية..

وبالمقابل، لفتت اللجنة إلى أنه أثير لدى الرأي العام الوطني، خلال الأشهر الأولى لتفشي الجائحة، تساؤل حول مدى فعالية ونجاعة هاته الكمامات التي يتم إنتاجها وتسويقها على المستوى الوطني، ومدى مطابقتها للمعايير الطبية والصحية، وخاصة الكمامات الطبية والجراحية التي تعتبر مستلزمات طبية وتحتاج مساطر محددة وهو ما وقفت عنده المهمة الاستطلاعية  مؤكدة على وجود” إشكال كبير يتعلق بعدم منح وزارة الصحة أية شهادة تسجيل الكمامات الجراحية منذ بداية الجائحة، ولم يتم لحد الآن منح اعتماد قانوني للشركات المصنعة أو ترخيص المنتجات المصنعة أو المستوردة بشكل رسمي كما ينص على ذلك القانون المنظم للمستلزمات الطبية. وهو ما من شأنه تعريض العاملين في قطاع الصحة لمخاطر حقيقية للتعرض للفيروس، خاصة في ظل عدم معرفة درجة الحماية المجهولة لحد الآن”.

وبالنظر لحجم الطاقم الطبي والصحي العامل بالقطاعين العام والخاص، حذر التقرير البرلماني من حجم المخاطر المحدقة بهذه الفئة المتواجدة في الصفوف الأمامية في مواجة الوباء، ذلك أن “العاملين في القطاع يمارسون مهامهم وهم معتقدين بأن الكمامات الطبية تحميهم من الفيروس بدرجات تفوق 90 بالمائة، في حين أن نسبة الحماية غير معروفة لحد الآن، بل إن إمكانية الحماية غير تابثة من أساسها العلمي والمختبري”.

وأوردت اللجنة أن القطاع الصحي العمومي يضم حاليا أزيد من 60 ألف من الأطر الطبية والإدارية العالمة في معظمها في الصفوف الأمامية لمواجهة الجائحة، وتحتاج عمليا لأزيد من مليون قناع طبي أسبوعيا، وبالتالي فإن الحاجة كانت ملحة منذ بداية الجائحة لاستيراد عاجل وتبسيط مساطر اقتناء الوزارة للكمامات الطبية بالدرجة الأولى، والمبادرة لإطلاق مشاورات واسعة مع المصنعين المحتملين والموردين لهاته المنتجات الحيوية المواجهة الجائحة.

وبمقابل ذلك، وبالإضافة للعراقيل التي واجهت مستوردي هاته المنتجات في بداية الجائحة، فقد لاحظت اللجنة بأن الوزارة الوصية “لم تحترم قواعد توسيع مجال المنافسة ولم تحرص على قدر كاف من تكافؤ الفرص، بحيث قامت باستشارة ثلاث شركات فقط قبل إبرام الصفقات مع شركتين، وهو ما يتناقض بشكل واضح مع المؤشرات المتعارف عليها بخصوص درجة شفافية ونزاهة التدبير، على الرغم من أن مرسوم الصفقات العمومية الذي يمنحها هذا الحق”.

وتبدو هاته الخلاصة منطقية إذا أخذنا بعين الاعتبار مضمون كل من الصفقة رقم 27 بمبلغ 5.151.000,00 درهم والصفقة رقم 28 بمبلغ 125.320.800,00 درهم، بحيث لاحظت اللجنة بهذا الخصوص أن “سعر الوحدة بالنسبة للصفقة رقم 27 كان في حدود 0,85 درهم (H.T)، في حين أن سعر الوحدة بالنسبة للصفقة الثانية رقم 28 كان 5,17 درهم (.H.T)، وهو اختلاف كبير جدا ويتضاعف السعر بينهما لحوالي سبعة أضعاف، في حين أنه بالرجوع لمحضر التفاوض لم تتم الإشارة لأي اختلاف بينهما”.

ويرى التقرير أن الظرفية آنذاك كانت استثنائية بكل المقاييس، إلا أن ذلك “لا يمنع من توسيع الاستشارة مع أكبر عدد من الشركات لضمان أفضل عرض مالي ممكن، خاصة وأن الشركة الأولى نفذت التزامها بالكامل ووردت للوزارة كامل الوحدات المطلوبة، في حين أن الصفقة الثانية عرفت تنفيذ 20 بالمائة منها كما تم تفصيله”.

من جهة أخرى لاحظت اللجنة أيضا بأن صفقات اقتناء الكمامات الواقية بشكل مباشر من الصين، بناء على اتفاقية الشراكة المفصلة أعلاه لم تحترم هاته القواعد، ولم تتم وفق الشروط والشكليات القانونية والتنظيمية لتنفيذ النفقات العمومية، وخاصة مرسوم المحاسبة العمومية ومرسوم الصفقات العمومية.

وبالمقابل، أكد مسؤولو وزارة الصحة أنه منذ الأسابيع الأولى للجائحة خلال شهري مارس وأبريل 2020، حرصت الوزارة على الانخراط الكامل في مجهودات المملكة لتأمين تزويد المؤسسات الصحية بالعدد الكافي للكمامات الطبية والجراحية، وهو ما كان تحديا حقيقيا في تلك الفترة، خاصة في ظل الإكراهات التي واجهتها مختلف دول العالم.

ويمكن في هذا السياق التنويه بهاته المجهودات الاستثنائية، باعتبار أن توفير المستلزمات الضرورية للحماية من الفيروس كانت ذات أولوية قصوى طيلة فترة تفشي الجائحة، كما أن الحرص على توفير هاته المستلزمات كان رهان جميع المنظومات الصحية في تلك الفترة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News