حوارات

رشيد أوراز: مؤسسات الحكامة فشلت في لعب أدوراها التي وجدت من أجلها (1/3)

رشيد أوراز: مؤسسات الحكامة فشلت في لعب أدوراها التي وجدت من أجلها (1/3)

على مدار سنة ونصف، عصفت بالعالم أزمة صحية ألحقت أشد الضرر بالاقتصاد الوطني فيما امتدت تأثيراتها على الوضع الاقتصادي والمجال الاجتماعي، ومع استمرار هذه الوضعية المتأزمة موازاة مع قلة التساقطات المطرية التي تعرفها بلادنا، يواجه الاقتصاد المغربي تحديات صعبة، جعلت عددا من القطاعات التي انهارت جراء هذه الأزمة تعيش صراع البقاء.

في هذا الجزء الأول من الحوار الذي أجرته “مدار21″، يتحدث الباحث في الاقتصاد السياسي، رشيد أوراز عن واقع الاقتصاد المغربي، بين تدبير الواقع وتفاؤل التقارير.

 

 

يعيش الاقتصاد المغربي وضعية انكماش “مفهومة” جراء تداعيات جائحة كورونا على غرار غالبية الاقتصاديات العالمية، فيما التقرير الذي قدمه والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري يسوده شيء من التفاؤل بخصوص وضعية الاقتصاد الوطني، ماذا يمكنك أن تسجل بشأن هذه المفارقة؟ وماهي قراءتك للوضع الحالي؟

للأسف هذه هي النتيجة المتوقعة بعد الاستمرار طيلة سنة وثلاثة أشهر للأزمة الصحية العالمية التي سببها كوفيد 19، وتتفاوت حدة الانكماش الاقتصادي من بلد لآخر، لكن لم يستثنى بلد على مستوى العالم سواء كان بلدا متقدما أو بلدا فقيرا.

إذا نظرنا بشكل معمق لتقرير بنك المغرب، وبقية التقارير الوطنية وتلك التي تصدرها مؤسسات دولية، فلا أظن أن هناك تفاؤلا ما بخصوص الوضعية الحالية، ما عدا ما يتعلق بالتفاؤل الذي يخص المستقبل. والذي يرتبط أساسا بالتقدم الحاصل على مستوى تلقيح الساكنة العالمية، وإن كان تفاؤلا قابلا للتفسير إلا أنه يتعرض لانتكاسات مستمرة بسبب طفرات الفيروس الجديدة التي تظهر في بلدان كثيرة.

حاليا أظن أننا راكمنا ما يكفي من الخسائر الاقتصادية كي لا ننشغل إلا بمعالجة آثارها التي ستستمر لسنوات، ولكني لست متفائلا بالنظر إلى أن جهود كل الفاعلين تستنزف بالمعارك الجانبية والمزايدات السياسوية، أما فعالية سياسات الدولة فتضيع بسبب الفساد والبيروقراطية والمستوى المتدني للحكامة في البلاد.

يرى بعض  الخبراء، أن الأزمة الاقتصادية الحالية التي يعيشها المغرب لا تتحمل وحدها الجائحة وزرها، بل هي نتيجة لسياسة المغرب في العشرية الأخيرة أي منذ التوقيع مع صندوق النقد الدولي ما سمي ب”الخط الائتماني” الذي أفقده “سيادته على سياساته العمومية” ما مدى صواب هذا التوجه؟

هذا كلام فارغ وتفسير سطحي. ما يعيشه المغرب من تأخر على مستوى التنمية سببه العميق هيكلي ويتعلق بعدم قدرة المؤسسات السياسية والاقتصادية الحالية على خلق نمو اقتصادي مرتفع ومستدام، كما أن الرأسمال البشري الذي تنتجه المدرسة والجامعة المغربية ليس في مستوى التطلعات، كما أن هناك أسباب أخرى ترتبط بالحكامة المتدنية وبفشل مؤسسات الحكامة في لعب أدوراها التي أنشئت من أجلها.

أما علاقة صندوق النقد الدولي بالمغرب فمؤطرة بالاتفاق بين الطرفين، وهدف الخط الائتماني هو توفير سيولة العملة الصعبة للمغرب لما يكون في حاجة إليها. وبعد أن تم توقيع الاتفاق بين الطرفين لم يستعمل الخط الائتماني إلا بعد انتشار وباء كوفيد 19، مع ما رافق ذلك من تقدير أن مداخيل الدولة من العملة الصعبة ستتراجع لأن صادراتها قد تتأثر بالأزمة وقد تتراجع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، لكن هذا التوقع أيضا لم يحصل بشكل كبير وفق التوقعات بداية الأزمة، وذلك حسب الاحصائيات الأخيرة لمكتب الصرف.

قبل إسقاطه إلى المنطقة الخضراء شهر فبراير الماضي، ألا تعتقد أن الاتحاد الأروبي كان يضع ورقة تصنيف المغرب ضمن “اللائحة الرمادية للملاذات الضريبية”، كوسيلة ضغط يستعملها في الوقت الذي يريد من أجل تبني المغرب إجراءات وسن قوانين لا تتصادم مع مصالحهم الاقتصادية؟ ( كما حصل في إعادة تنظيم القطب المالي للدار البيضاء) .

لا أظن أن الاتحاد الأوربي في حاجة لورقة مثل هاته للضغط على المغرب، الاتحاد الأوربي تكتل اقتصادي ضخم وقوي، وبالنسبة له فالمغرب شريك لكنه شريك من بين الدول النامية، وليس في تنافس جيوبوليتيكي أو اقتصادي معه. شخصيا لا أرى أن هذا الموضوع يستعمل كورقة لابتزاز المغرب.

طيب، بالعودة إلى جائحة فيروس كورونا، ما هو تقييمك لتدبير الحكومة لفترة الأزمة خاصة في الشق المرتبط بالاقتصاد والمعيش اليومي للمواطن؟

الأشهر الثلاثة للحجر الصحي كانت طويلة ومبالغ فيها، خصوصا بعد أن تبين خلال شهر ماي 2020 أن هذا الوباء سيستمر لوقت طويل. لم يعد من المعقول أن يتم الاستمرار في الحجر الصحي وتعطيل كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية. أما بعد ذلك فحظر التجوال الليلي الذي استمر منذ 13 ديسمبر 2020 إلى غاية 20 ماي 2021 فقد كان مبالغا فيه جدا، وقد أضر بالطبقات الهشة والمشتغلين في القطاع غير المهيكل. أظن أن النتائج الاقتصادية لذلك ستظهر بعد انقشاع غبار هذه الأزمة الصحية.

من موقعك كخبير اقتصادي هل أنت راض أتم الرضى على هذه التدابير أم أنه كان بإمكان الحكومة اعتماد تدابير أو إجراءات أنسب خلال تلك الفترة كانت لتخفض من كلفة التداعيات؟

كانت هناك بعض التجارب التي تبدو لي أنها نجحت في التوازن بين تدبير الأزمة الصحية وتدبير الشؤون الاقتصادية، فبعض البلدان كانت تطبق الحجر الصحي خلال نهاية الأسبوع مع فرض احترام معايير صحية خلال بقية الأيام ومنها تركيا مثلا. لكن كانت بنياتها الصحية قادرة على تحمل أي مفاجئات غير متوقعة فيما يخص انتشار الفيروس بشكل كبير. المغرب كان متخوفا من انهيار منظومته الصحية، لذلك قام باتخاذ تدابير قاسية لوقت طويل، وهذا له كلفة اقتصادية كبيرة. قد نتفهم مبررات الأشهر الثلاثة الأولى من مارس إلى يونيو 2020، لكن من الصعب فهم مبررات حظر التجوال الليلي الذي كان يبدأ مبكرا يوميا بعد شهر ديسمبر، خصوصا إذا عرفنا أن موجة الفيروس كانت في انخفاض مقارنة بعدد الحالات والضحايا اليومية التي كانت تسجل بين شهري يوليوز ونوفمبر 2020.

ماهي القطاعات التي ترى أنها الأكثر تضررا من تداعيات الجائحة؟

كل القطاعات متضررة، لكن يبقى قطاع السياحة هو الأكثر تضررا على الاطلاق. لقد تكبد هذا القطاع خسائر كارثية، وبعده كل القطاعات المرتبطة به مثل قطاع الصناعة التقليدية وقطاع المطاعم والنقل وذلك محليا وعالميا، ويلزمه وقت طويل كي يسترجع عافيته.

الجائحة ساهمت في كبح تقدم المغرب بمراتب إضافية في التصنيف العالمي (2020 Doing Business) وأعاقت التحاقه بنادي الخمسين لأفضل اقتصادات العالم، كيف من الممكن اليوم ونحن على مشارف التعافي من الأزمة صحيا أن نستعيد مركزنا اقتصاديا أيضا؟

الذي وقع هو أنه بعد إصدار التقرير الأخير نهاية 2019 ومع بداية 2020 اكتشف البنك الدولي أن بعض الدول تقدم أرقاما غير صحيحة بخصوص مناخ الأعمال لديها، لأن الأرقام المعتمد مصدرها حكومي، ويتعلق الأمر أساسا بالصين والعربية السعودية والامارات العربية المتحدة وأذربيجان، لقد كانت فضيحة عالمية اضطرت بعدها المؤسسة التي تصدر التقرير لإيقاف التقرير حتى إجراء تحقيق، وفعلا تم بعد ذلك اكتشاف فضيحة التلاعب بالأرقام من طرف تلك البلدان وتم على إثرها مراجعة ترتيبهم. لحد الآن لم تصدر نسخة جديدة من التقرير، لكن من المؤكد أنها ليست الحكومات الوحيدة التي تمارس هذا التضليل، لأن هذا التقرير ليست له تأثيرات مهمة على الاستثمارات في كل البلدان، وهناك بلدان تحسن ترتيبها دون أن يتحسن أداؤها الاقتصادي. الباحثون الاقتصاديون يعرفون هذا، لذلك لا يولون اهتماما كبيرا لهذا التقرير.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News