مجتمع

مرضى الصرع بالمغرب.. بين سندان المعتقدات الشعبية ومطرقة نظرة المجتمع

مرضى الصرع بالمغرب.. بين سندان المعتقدات الشعبية ومطرقة نظرة المجتمع

“ضرباتو العين” أو “سحرو ليه” هي عبارات تقريبا كنا أو ما زلنا نحن غالبيتنا المغاربة نسمعها في محيطنا القريب سواء في الحي أو المنزل أو المدرسة، لكنها في الحقيقة هي عبارات تخفي معاناة كبيرة وحربا ضروس لمرضى الصرع المزمن مع المعتقدات الشعبية المغالطة للواقع، والتي تقطع الطريق أمام تلقيهم للعلاج النفسي الضروري لهذا المرض.

وتستشري التفسيرات الشعبية الخرافية داخل العائلات المغربية بشكل كبير حيث يتم تفسير سبب هذا المرض بإصابة ناجمة عن السحر أو الجن، ويتعدى الأمر لاتهام عيون المجتمع الشريرة التي تؤثر في الشخص وتقلب مستقبله رأسا على عقب وتنقله من الحياة الناجحة إلى المبيت في الشارع والتجوال بلا وعي في أزقة الأحياء الضيقة، و أعراض صحية كالهلوسة والتعرض لنوبات عصبية مستمرة، بل وتصرفات خطيرة ومهاجمة المارة والتعرض للرشق بالحجارة من قبل أطفال الحي.

في العائلات المغربية يفضل بعض الآباء نقل ابنهم أو ابنتهم المصابة بالصرع للفقيه أو ما يسمى بالعلاج بالرقية الشرعية، حيث يتم التعامل مع المريض كمسكون بالجن، وأحيانا يتعرض للعنف الجسدي أو اللفظي، وأحيان أخرى يتناول المريض مشروبات ومأكولات قد تضر بصحتهم، وكل هذا متجاهلين التوجه للعلاج النفسي.

الصرع اضطراب مزمن يصيب الدماغ

وتعرف منظمة الصحة العالمية مرض الصرع بأنه اضطراب مزمن يصيب الدماغ، ويتميز بنوبات متكررة، وهي عبارة عن حركات لاإرادية تحدث في جزء من الجسم أو بكامله، ويصاحبها أحياناً فقدان الوعي والتحكم في وظائف الأمعاء أو المثانة، كما تنجم هذه النوبات بحسب المنظمة ذاتها، عن فرط الشحنات الكهربائية التي تطلقها مجموعة من خلايا الدماغ، وقد تنطلق من أجزاء مختلفة من الدماغ، وقد تتراوح بين غفلات الانتباه ونفضات العضلات الخاطفة، وبين الاختلاجات الممتدة، كما أن النوبات قد تختلف من حيث مدى تواترها، من أقل من مرة واحدة في السنة إلى عدة مرات في اليوم.

وبحسب الرابطة المغربية لمكافحة الصرع يصل عدد المصابين بهذا المرض المزمن داخل المغرب ل400 ألف مريض، كما أنه من أكثر الامراض المعدية شيوعا عبر العالم، لكن داخل المغرب يبقى غير معروف بسبب المعتقدات الشعبوية، والصور النمطية ونظرات المجتمع التي تساهم في الإقصاء والتهميش بالنسبة للمرضى، كما أن 80 بالمائة من الحالات يمكن علاجها من خلال استقرار المرض وعيش حياة طبيعية أما في الحلات الخطيرة فسيكون إجراء عمليات جراحية مع توجيه من قبل أخصائي في الأعصاب مع التشخيص الكامل أمرا ضروريا.

أم مغربية ومرض الصرع… قصة معاناة عمرها 42 عاما

أم مغربية مصابة بمرض الصرع المزمن منذ الثمانيات يروي إبنها تفاصيل معاناتها الكبيرة مع هذا المرض حيث يقول، “إن أمي تعرضت لعضة كلب وهو ما سبب ألما متواصلا بقدمها وبعد مدة أصبحت تفقد الوعي وتسقط ارضا”، وقد تم نقل الأم للعلاج عند الطبيب، وقد تم تشخيص مرضها وأصبحت تتلقى حقن تسبب لها ألما مضاعفا، وأصبحت حالتها أكثر سوءا وتفقد وعيها كثيرا وتطلق أصواتا غريبة وتصرخ بشدة خاصة عند غروب الشمس ، وهو ما سبب معاناة يومية لأبنائها الصغار لكنهم في الأخير اعتادوا حالتها، حيث يقول الابن أن غياب أي نتيجة للحقن دفع والدته للتوجه نحو تلقي العلاج عبر الرقية الشرعية في ضواحي مدينة تيزنيت، وبعد أربع حصص من العلاج تعافت بشكل كامل وعادت لحياتها الطبيعية.

وبعد مرور خمسة عشر عاما من تعافيها عادت الأم لنفس الحالة بل وأصبحت وضعيتها أكثر خطورة من السابق، حيث يقول” إن أمي تكون بخير وبحالة عادية في فترة الصباح لكن عند وصول المساء تحس بآلام كبيرة في الظهر والبطن ورجلها التي تلقت فيها عضة الكلب في الثمانينيات، وعندما أحاول اصطحابها للطبيب ترفض ذلك بشكل قاطع لأنها سبق وفقدت الأمل في العلاج الطبي”، و يرى الابن أن حالة أمه سببها غير معروف ففور استيقاظها من نوبة الصرع تعود في ثوان معدودة لحالتها العادية وهو ما يعد بحسبه أمرا غير طبيعي.

المصاب بمرض الصرع غير مسؤول عن مرضه

خلود السباعي أستاذة علم النفس، تقول إن العائلات المغربية تواجه إكراهات عديدة أولها عدم المعرفة الدقيقة والواضحة بالأمراض النفسية والعقلية بشكل عام ، فالأخيرة بها أشكال وأنواع ودرجات مختلفة، وأيضا قلة الأخصائيين والأطباء النفسانيين بالمغرب مقارنة بالعالم وخاصة الدول القريبة كمصر وتونس.

وأكدت السباعي، في تصريح ل”مدار21″، “عدم قدرة العائلات على الفصل بين الأمراض والاضطرابات، فالمرض يحتاج لمتابعة الطبيب، أما الاضطرابات فهي تحتاج للأخصائي النفسي وتفاعل ومتابعة دقيقة ومستمرة، والأخيرة شبه منعدمة بالمغرب”، مضيفة “حتى لو توفر الوعي بالمرض فالتوجه للطبيب أو الأخصائيين يدخل العائلات في دوامة العلاجات الكيماوية التي قد تكون نتائجها غير مناسبة، وتكاليفها عالية، خاصة في ظل عدم وجود تغطية صحية للمرضى النفسيين والعقليين بالمغرب، وهو ما يصطدم مع العائقات المادية للعائلات المغربية ويدفعها لتوجه لرقية الشرعية والمشعوذين اللذين بدورهم يكلفون الكثير.
وسجلت المتحدثة ذاتها، أن المريض العقلي أو المصاب بمرض الصرع غير مسؤول عن مرضه ولا عن تصرفاته ولا يدرك الواقع كما ندركه نحن بطريقة يمكن أن تشكل تهديدا لذاته والذوات المحيطة به، وهذا الأمر يمكن أن ينجم عنه تصرفات عنيفة يمكن أن تؤدي للقتل داخل العائلات، وإضافة لهذا العنف العائلي نجد العنف الاجتماعي الذي يتمثل في عدم تقبل الأخرين لهذا المرض، والنظرة القاسية التي يتلقاها هؤلاء المرضى والأوصاف المهينة التي يلقبون بها ك”الحمق” أو “الهبيل”، وكانه هو المسؤول الوحيد عن مرضه، كما أنه هناك أفكار خاطئة داخل المجتمع وهي كون مرض الصرع أو مختلف الأمراض العقلية أو الاضطرابات النفسية هي وراثية، وهذا الأمر قد يخلق حالة من الذعر داخل الأسرة وقد يؤثر على علاقاتها الاجتماعية وخاصة العلاقات العاطفية أو الزواج بالنسبة لإخوة المريض، وهذا اللأمر يدفع العائلة لإخفاء حالة المريض والتستر عنها، والبحث عن مختلف الطرق لعلاجه حتى ولو كانت خطيرة أو غير مناسبة.

وشددت السباعي على أن علاج الصورة النمطية نحو مرض الصرع ببلادنا يجب أن تتزامن مع إصلاح شامل لسياسات الصحية لأن الاسر المغربية معرضة لهذا المرض بشكل كبير وهو ما يستوجب توفير أخصائيين في هذا المجال كما هو الحال بالنسبة للأمراض الاخرى، خاصة الاضطرابات النفسية، ومن جانب أخر يجب توعية وتحسيس العائلات المغربية والمجتمع بشكل عام، تجاه هذا المرض وبأنه ليس عيبا وبأن علاجه ممكن ويكون عبر العلم وعبر التوجه للطبيب النفسي والأخصائيين، وهو ما سيحد من نسب العنف تجاههم واقصائهم من المجتمع

الرغبة في الحصول على المكانة الاجتماعية يمكن أن تكون سببا في مرض الصرع

من جانبه يرى لطفي الحضري الدكتور في علم النفس المرضي والتواصلي، أن من بين أعراض مرض الصرع الشائعة نجد السقوط بلا وعي والتشنج وخروج “رغوة الفم”، وهي أعراض يتم تفسيرها بشكل خاطئ من قبل العديد من الأسر المغربية، فغياب المعرفة يؤدي بشكل كبير لحضور التفسيرات الشعبية والمغالطات العقائدية، وأي شخص وجد هذه الأعراض في نفسه أو في فرد ما من عائلته فيجب التوجه أولا لتلقي العلاج العضوي أو ما يسمى بالعلاج الباطني خاصة عندما تكون هذه الأعراض واضحة ثم بعد ذلك يتم الانتقال للعلاج النفسي بطبيعة كون هذه الأعراض تحتاج أيضا لمتابعة وتشخيص نفسي.

ويضيف الدكتور، أن مرض الصرع يمكن ان يكون ناتجا عن الاضطرابات في العلاقات العاطفية الأسرية واحتياجات الإنسان للمكانة الاجتماعية وهنا يضطر لا شعوريا للدخول في الأعراض سالفة الذكر حتى يتمكن من جذب انتباه الناس إليه وهو ما يسمى ب”المرض المسرحي”، وبالطبع يكون تصرفا لا شعوريا وبلا وعي، والعلاج النفسي في هذه الحالة يمكن من خلاله لإعادة تصحيح العلاقة العاطفية داخل الأسرة ويعطي طريقا واضحا للبحث عن المكانة الاجتماعية ، ومن أسباب هذا المرض أيضا نجد الاعتداءات الجنسية التي ينجم عنها رفض الجسد والتي تسبب صدمات لا شعورية.

مرض الصرع بالأرقام

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن عدد المصابين بمرض الصرع بالعالم يصل ل50 مليون مريض، 80 بالمائة منهم في البلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل، كما أنه يتم تشخيص إصابة ما يقدر بنحو 2.4 مليون شخص بالصرع سنوياً. وفي البلدان المرتفعة الدخل، تبلغ حالات الإصابة السنوية الجديدة بين 30 و50 حالة لكل 000 100 نسمة بين عموم السكان.

أما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فقد يزيد هذا العدد ليبلغ الضعف، ويعود السبب لارتفاع مخاطر الأمراض المتوطنة مثل الملاريا وداء الكيسات المذنبة العصبي؛ وكذا معدلات الإصابات الناجمة عن حوادث المرور؛ و المرتبطة بالولادة؛ والتفاوتات في البنى التحتية الطبية، وتوافر البرامج الصحية الوقائية وإتاحة الرعاية الصحية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News