مجتمع

الأمهات العازبات بالمغرب.. بين مطرقة المجتمع وسندان القوانين والتشريعات

الأمهات العازبات بالمغرب.. بين مطرقة المجتمع وسندان القوانين والتشريعات

تضييق، إقصاء، تحرش… معاناة من بين أخرى تعيشها فئة خاصة من النساء بالمغرب، حَكَمَتْ عليهن ظروفهن بإنجابٍ خارج إطار الزواج، وتُرِكْنَ يُواجِهْنَ مصيرهُن وحيداتٍ، بعد فرار الشريك وتنكّر العائلة ورفض المجتمع.

وبين اختيار الإبقاء على الطفل والفرار نحو وجهات غير معلومة، أو التخلي عنه بصمت لإخفاء “الفضيحة”، تعيش النساء العازبات جحيما أرضيًا منذ اللّحظة الأولى لعِلْمِهِن بحملِهِن، يزيد من لهيبه غياب المساواة، والعقلية السائدة ومشاكل القوانين المنظمة.

ليس للأم العازبة إلا نفسها

“أم عازبة معناه أم مرفوضة عائليا ومجتمعيا”. بهذه الحقيقة استهلت “كوثر.ب” حديثها عن وضعيتها الاجتماعية، التي تغيّرت منذ خمس سنوات بعد إنجابها لطفل، وجدت نفسها معه وحيدة.

وأردفت كوثر في حديثها لـ”مدار21″ أن هنالك إجماع مجتمعي أن قضية الأم العازبة هو مشكل المرأة فقط، تقول: “الجميع يقول إنها هي من اختارت وهي من ذهبت وهي من أرادت، وما يفاقم الوضع أكثر أن المرأة في تلك المرحلة تكون ضعيفة ووحيدة بعد أن تخلى عنها الجميع”.

لكن مع الوقت، تضيف المتحدثة نفسها، تصل المرأة إلى حقيقة مفادها أن الجميع ضدها، ولا يمكنها أن تكون هي نفسها ضد نفسها، “وهنا تبدأ مرحلة جديدة تكون فيها الأمهات العازبات أمام ضرورة تحدي الجميع من أجل طفلها، ومن أجل تربيته وتعليمه ولا يمكنها أن تنتظر المساعدة من أحد لأنه ببساطة لا أحد سيقدمها لها، وأكثر ما يمكن أن يقدموه هو الكلام الجارح”، حسب تعبيرها.

ودعت كوثر باقي الأمهات العازبات إلى عدم الاستسلام أمام نظرة المجتمع، بل يجب عليهن تكوين أنفسهن والعمل على تحقيق أحلامِهن وأهدافِهن، حتى يَكُن مستقِلات، ما سيسمح لهُن بتربية أبنائهن، وليس الرضوخ لضغط المجتمع والتخلي عنهم “فحتى لو وقع الخطأ وفرّ الشريك، على الأم العازبة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه ابنها وأن تناضل من أجله”، تضيف المتحدثة للجريدة.

مجتمع ذكوري

سلوى.ع أم عازبة لطفلة عمرها ست سنوات، استرجعت بدورها شريط حياتها، خصوصا منذ اللحظة التي علمت أنها حامل: “كنت حياتي عادية، أعمل وأعيش كل يوم بيومه، وأعرف أن لي بيت عائلتي في أي وقت أشاء أعود إليه، لكن هذا تغير بعد عِلْمِ عائلتي بحَمْلي فوضعوني أمام خيارين، أن أبقى في البيت وألد وأتخلى عنه بعد الولادة، أو أخرج من البيت وأن لا أعود نهائيا”.

بعد موقف العائلة، وجدت سلوى نفسها أمام خيارين أحلاهما مرٌّ، لكنها قرّرت أن تنتصر لأمومتها وتخرج من البيت، وتقول عنه هذا الوضع: “الغلط كان من طرف شخصين، ولكن ولأننا مجتمع ذكوري وتخلي الأب، كان علي أنا الأم أن أتحمّل مسؤوليتي ومسؤولية ابنتي، وأواجه العالم من أجلها”.

واستنكرت المتحدثة نفسها التمييز الذكوري ومحاولات الاستغلال للأمهات العازبات بالمغرب “فمنذ خروج الأم العازبة من البيت وهي تتعرض للتمييز ومحاولات استغلالها، بداية من المسؤول عنها في العمل، وصولا إلى البقّال وحارس العمارة، وإذا لم تدافع المرأة عن نفسها -غادي ياكلوك-“، على حد قولها.

وترى سلوى أنه حان الوقت لتغيير العقليات التي تُحَمِّلُ المرأة وحدها مسؤولية الحمل خارج إطار الزواج، إذ قالت بهذا الصدد “لم يسبق لي أن سمعت شخصا يوجه اللّوم للرجل الذي لم يكن رجلا بالمعنى الدارج، بل جميع أسهم الاتهام توجه للأمهات العازبات، وغالبا ما يتم وصفهن بالعاهرات وذلك راجع للعقلية الذكورية السائدة بشكل كبير داخل المجتمع” تختم سلوى حديثها بمرارة.

قوانين وعقليات

من جانبها سجّلت كلير تريشو، رئيسة جمعية “مئة بالمئة أمهات” التي تُعنى بالأمهات العازبات، اللامساواة الكبيرة التي تعاني منها الأمهات العازبات داخل المجتمع المغربي، فضلا على التهميش الذي تعاني منه هذه الفئة.

وأضافت تريشو في تصريح لـ”مدار21″ أنه منذ سنة 2006 استقبلت الجمعية أكثر من 5000 أم عازبة، تمت مواكبتها في الدفاع عن مطالبهن وانتزاع حقوقهن “إلا أن المشوار ما يزال طويلا، لذلك تنخرط الجمعية بقوة في دعم الأمهات العازبات، حتى يتم التعامل معهن بالمساواة الكاملة وتمتيعهن بكامل حقوقهن”.

وربطت رئيسة جمعية “مئة بالمئة أمهات” المشاكل التي تتخبط فيها الأمهات العازبات، بجانب قانوني وآخر مرتبط بالعقلية الذكورية السائدة في المجتمع، التي نجدها حاضرة كذلك في التشريعات والممارسات العائلية.

ورغم التعديلات التي عرفتها بعض القوانين الجنائية وكذا القوانين المتعلقة بمدونة الأسرة، إلا أنه ما تزال العديد من القوانين التي يجب تعديلها، بحسب تريشو، فضلا عن ضرورة وضع استراتيجيات مواكبة لتغيير العقليات لأن الجانب القانوني وحده غير كافٍ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News