بين التمويل والوصم الاجتماعي.. دراسة تكشف ضعف رعاية مرضى التوحد بالمغرب

كشفت دراسة بحثية حديثة أن الوصول إلى خدمات التوحد في المغرب لا يزال محدوداً ويواجه تحديات مالية، اجتماعية ولوجستية تؤثر على الأفراد المصابين وأسرهم، وتضع القيود الأكبر على البالغين المصابين الذين يواجهون صعوبات في التعليم والعمل، مما يحد من استقلاليتهم وقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم.
وسجلت الدراسة أن التأخر في تشخيص اضطرابات طيف التوحد يعود إلى ضعف الوعي المجتمعي وقلة الخدمات المتخصصة التي تتركز في المدن الكبرى، ما يزيد العبء النفسي والمالي على الأسر، ويجعلها تلجأ إلى خدمات خاصة مكلفة لتلبية احتياجات أبنائها، ويؤدي نقص تدريب المهنيين في القطاع العام إلى ضعف جودة الرعاية المقدمة، بينما تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً أساسياً في التعويض عن هذا النقص رغم قيود التمويل وانتشارها المحدود.
وبحسب الدراسة التي أعدها فريق بحثي مغربي بقيادة أمنية بوعدي، وعفاف عفان، وشيماء المالكي، وياسين سويدي، ومحمد خالص، ونُشرت في مجلة “Child and Youth Services Review”، أن الأسر تواجه ضغوطاً مزدوجة بسبب وصمة المجتمع المرتبطة بالتوحد، والرفض في بعض الأحيان داخل العائلة أو المجتمع، وهو ما يزيد من صعوبة تقديم الرعاية ويشكل عبئاً نفسياً على الآباء والأمهات ومقدمي الرعاية، ويؤثر على حياتهم اليومية وقدرتهم على تأمين تعليم ورعاية مناسبة لأبنائهم، ويؤكد المشاركون أن هذه الضغوط تتفاقم مع تقدم أبنائهم في العمر وندرة خدمات البالغين المصابين بالتوحد.
ورغم هذه التحديات، تشير الدراسة إلى أن الحكومة المغربية بذلت جهوداً مهمة لتعزيز خدمات التوحد، منها تحديث دليل التشخيص والعلاج للمهنيين الصحيين في جميع مستويات الرعاية، وإطلاق برنامج “رفيق” الذي درب أكثر من 180 متخصصاً في مجال التوحد، بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني، كما دعمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومؤسسة التعاون الوطني الأسر ذات الدخل المحدود لتقليص تكاليف الرعاية، وعزز الإعلام الوطني الوعي حول التوحد من خلال الحملات التلفزيونية وظهور الأشخاص المصابين في الفضاء العام.
وأظهرت الدراسة أن فرص التعليم والعمل للبالغين المصابين بالتوحد محدودة للغاية، حيث تواجه المؤسسات التعليمية نقصاً في الموارد والمساعدين المدربين، بينما تظل فرص التكوين المهني والاندماج في سوق العمل ضئيلة، مما يقلص من قدرة المصابين على الاستقلال المالي والاجتماعي ويحد من دمجهم الكامل في المجتمع، وتؤكد التوصيات على أهمية برامج تكوينية للمعلمين وتوسيع الخدمات المهنية لتلبية هذه الاحتياجات.
ودعت الدراسة إلى تعزيز التمويل العام لتوسيع نطاق الخدمات، وإنشاء خدمات لامركزية وشاملة، وتطوير برامج تكوينية للمهنيين، وتحسين الاندماج التعليمي والمهني للبالغين المصابين بالتوحد، فضلاً عن مواجهة الوصمة الاجتماعية وتسهيل الوصول إلى الخدمات بأسعار معقولة، وهو ما يتطلب تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع المدني والأسر لضمان حياة كريمة ومستقلة للأشخاص المصابين بالتوحد.





