ثقافة

جويطي يُشرّح أسباب عجز الأدباء المغاربة عن المنافسة على “نوبل”

جويطي يُشرّح أسباب عجز الأدباء المغاربة عن المنافسة على “نوبل”

ذهبت جائزة نوبل للآداب هذا العام للأديب المجري لاسلو كراسناهوركاي، ومنذ ترشيح الفيلسوف محمد عزيز الحبابي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، لا صوت لأي أديب مغربي يُنافس على الجائزة، التي تعد الأهم عالميا في المجال الأدبي.

وبالنسبة للأديب المغربي عبد الكريم جويطي، صاحب رائعة “المغاربة” التي تُوجت بجائزة المغرب للكتاب في سنة 2017، ودخلت القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، فإن هذا الغياب له أسباب ذاتية، تتعلق بالمناخ الثقافي المغربي، وأخرى موضوعية متعلقة بالجائزة نفسها.

أجرت جريدة “مدار 21” حواراً مع جويطي، صاحب أحد أجود الأقلام المغربية، في مجال الرواية خصوصاً، لاستفساره عن رأيه في الغياب المغربي والعربي عن الجائزة، وعن مكانة الأدب المكتوب بالعربية عالمياً، وكذا عن دور المناخ الثقافي المغربي ومدى مساهمته في تهميش الأدب المغربي.

لنتفق، أولا، على أن اللجنة التي تمنح جائزة نوبل لا تتداول في الأولمب، ولا هي مشكَّلة من ملائكة بأجنحة بيضاء، إنهم بشر لهم رغباتهم ومراميهم وانحيازاتهم وحساباتهم، وهم في علياء نفوذهم يريدون أن يجعلوا لأذواقهم سلطة عالمية، تصهر بداخلها الجغرافيات الواسعة، والتعدد المدوخ للتجارب الأدبية. لا أحد بإمكانه أن يدعي معرفته الدقيقة بكل ما يكتب في العالم  ولو امتلك مؤسسات منتشرة في كل بقاعه.

ثم علمتنا التجربة بأن كُتابا عظاما انتبهت لهم البشرية بعد مرور عقود عن إصدار نصوصهم. الجوائز، بما فيها نوبل، لا تقتل نصا ولا تحييه، كما قلت في مقام آخر. من يفعل ذلك هم القراء والزمن الذي يعري، دوما، الهالة الكاذبة المحاطة بنصوص معينة، كما ينصف أخرى.

لم يرشح كاتب مغربي لجائزة نوبل، بعد محمد عزيز لحبابي، لأن العالم وبكل بساطة لا يعرف ما يكتب في المغرب. مكانة المغرب في الثقافة العالمية تشبه مكانة دول لفقت وجودها الدول الاستعمارية، وهي، في كل الأحوال، لا تعكس تاريخ بلد عريق أعطى بن رشد وبن طفيل وابن بطوطة وأخذ منه بن خلدون معظم زاده الفكري، بلد اليوسي والعروي والخطيبي والجابري.

العالم الثقافي لا يأتي نحوك إن لم تذهب نحوه أولا. الأعمال المغربية لا تترجم للغات الأخرى وإن تم ذلك فإنه يحدث بمجهود ذاتي للكاتب، وحين تنشر ترجماتها تصدر في دور هامشية، ولا يطلع عليها إلا أساتذة وطلبة اللغات الشرقية والثقافة العربية. والثقافة العربية، عموما، تعيش هذا الوضع، ولا أحد أفضل من أحد. 

حين لا تملك دولة ما استراتيجيات ثقافية، ولا تملك دورَ نشرٍ تستحق هذا الاسم، ولا تملك مؤسسات وساطة ثقافية فاعلة، وينشغل ملحقوها الثقافيون في السفارات بالزليج والقفطان وبصورة المغرب الفلكلورية، وحين ينشر معظم الكتاب نصوصهم على نفقاتهم، ماذا ستنتظر؟ الوضع بئيس جدا. ونريد للأدب المغربي مكانة في بلده أولا، نريد له جوائز تستحق هذا الإسم، نريد له رد اعتبار في المدرسة وفي المؤسسات الإعلامية، علينا أن نفعل هذا وغيره قبل أن نفكر في نوبل وغيرها.

علينا أن نتذكر دوما بأن تولستوي وبورخيس وكارلوس فونتيس وكبريرا انفونتي ولوزاما ليما وكونديرا واسماعيل كداري لم يفوزوا بالجائزة، بينما فاز بها مورياك ومونديانو ولوكليزيو… نوبل، كغيرها من الجوائز لها حساباتها، ولها ما يشبه كوطا لغوية تلتزم بها، وتناوب الجائزة بينها، بعد سنوات قليلة سيفوز فرنسي بالجائزة، ولو كان لا يستحق ذلك. هذا هو واقع الحال.

طبعا لا توجد العربية بين هذه اللغات. كانت جائزة نجيب محفوظ فلتة، لاعتبارات متعددة، ولو أن محفوظ يستحق الجائزة بجدارة. هناك مسبقات كثيرة تحكم نظرة الغرب للثقافة العربية الإسلامية، بين بعضها إدوار سعيد، وهذه المسبقات تمنع من رؤية الأدب العربي على حقيقته. هناك كتاب كثر، في العالم العربي،  كانوا يستحقون الجائزة، لعل أبرزهم عبد الرحمن منيف، والسياب ومحمود درويش وأدونيس ومحمد عفيفي مطر… وغيرهم. لكن أدبنا لا يُرى ولا يقرأ ولا يسمع.

ما يحز في النفس هو أن هذه الأمة التي أنفقت بسفه، في كل المجالات، وأعطت ملايير الدولارات في أسلحة لم تستعملها أبدا، لم تعطِ إلا الفُتات لمؤسسات الترجمة للانفتاح على العالم ثقافيا، ما يترجم من وإلى اللغة العربية هزيل جدا، ولا يوازي ما يترجم في دولة صغيرة من دول الغرب.

لا نبلغ العالمية إلا بالانكباب على الخصوصية، ما يثير ويذهل العالم هو حين يراك في فرادتك وتميزك، العالم هو بيتك وحارتك ومدينتك، ولا ينتظر منك العالم إلا تقديم ما هو مدهش وغريب ومنفلت فيما يحيط بك. هذا هو الواجب الأول للكاتب، أن يرفع واقعه إلى مقام التجربة الإنسانية، وواجبه الثاني هو أن يمنح اللغة التي منحه إياها المجتمع أفقا أرحب.

الكاتب مدعو إلى التجديد في الرؤية واللغة، وأن يحفر في ما يُقمع ويُهمش ويُنسى. الكتابة في بلدان كالبلدان العربية محنة حقيقية، لأن لا شيء يشجع عليها. فالكاتب يكتب وهو محاط بطابوهات كثيرة، يفكر في تبعات كل كلمة يخطها. يعذب نفسه بمرارة من أجل كتابة جملة موفقة، عينه على ما يكتبه وعين أخرى على تدبر قوت يومه.

الكتابة في العالم العربي، ومع أرقام القراءة، هي أشبه بمراسلات علنية بين الكتاب. الوضع بئيس جدا، ولو أن الدولة الوطنية قد احتاجت، في كل تجلياتها التاريخية، لرموز فنية وثقافية، لا يمكن للدولة الوطنية أن تقف بالمؤسسات السياسية والجيش والحدود فقط، بل لابد لها من أصوات ثقافية وفنية تبني لحمتها الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News