سياسة

من التحشيد الانتخابي إلى المواكبة.. الأحزاب أمام اختبار النجاعة بعد الخطاب الملكي

من التحشيد الانتخابي إلى المواكبة.. الأحزاب أمام اختبار النجاعة بعد الخطاب الملكي

جدد الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، يوم الجمعة الماضي، رسم البوصلة السياسية، موجهاً رسائل دقيقة إلى الأحزاب باعتبارها القلب النابض للعمل الديمقراطي، إذ “لم يعد مطلوباً منها الاكتفاء بخطاب الوعود أو سباق المقاعد، بل أن تتحول إلى قوة اقتراح ومواكبة، تترجم الرؤية الملكية إلى فعل ملموس في الميدان، وذلك بالانخراط الواعي في بناء “المغرب الصاعد”.

محمد العثماني، الباحث في العلوم السياسية، يرى أن توجيهات الملك في خطابه أمام البرلمان تشكل خارطة طريق دقيقة للانتقال من منطق الوعود السياسية إلى منطق النتائج الملموسة، وهو ما يجعل الأحزاب أمام اختبار جديد وجدي لمدى قدرتها على التحول من أدوات انتخابية إلى فاعلين تنمويين حقيقيين.

واعتبر العثماني أن المرحلة التي دعا إليها الملك تقوم على تعبئة جماعية، لا مكان فيها للخطابات المكررة أو الحسابات الضيقة، بل لفعالية مؤسساتية تُقاس بمدى قدرتها على المساهمة في مشروع “المغرب الصاعد” الذي يرسم ملامح نموذج تنموي أكثر عدالة وتوازناً.

في هذا السياق، وبحسب تصريح الباحث في العلوم السياسية لجريدة “مدار21” الإلكترونية، تبرز مسؤولية الأحزاب في بناء وعي سياسي جديد يربط المواطن مباشرة بمفهوم التنمية الترابية، عبر تأطير فعلي يشرح القوانين والسياسات العمومية بلغة قريبة من المواطن.

وأكد أن الأحزاب التي تكتفي بالتحشيد الانتخابي تفقد دورها الدستوري، بينما تلك التي تنخرط في توضيح السياسات العمومية وتتبّع تنفيذها تصبح شريكاً حقيقياً في الإصلاح.” ومن هنا، فالمطلوب هو انتقال الأحزاب من “سياسة الشعارات” إلى “سياسة المواكبة والتواصل”، بما يعيد الثقة في الوساطة الحزبية التي تراجعت خلال السنوات الأخيرة”.

كما سجل المتحدث أن الخطاب الملكي يعيد الاعتبار للدبلوماسية الحزبية باعتبارها واجهة موازية للدبلوماسية الرسمية. فالأحزاب مطالبة اليوم بتطوير حضورها في المحافل الدولية، وتقديم صورة موحدة عن المغرب، بعيداً عن الانقسامات الإيديولوجية أو المزايدات السياسية.

وقال إن الدبلوماسية الحزبية الفعالة يمكن أن تُحوّل النقاشات الخارجية حول القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية، إلى فرص لتعزيز المصداقية الدولية للمملكة، وهو ما يتطلب تكويناً عميقاً لأطر الأحزاب في مجالات التواصل الخارجي والعلاقات الدولية.

إلى جانب ذلك، يُحَمِّل الخطاب، يشير العثماني، الأحزاب مسؤولية المساهمة في تنزيل العدالة الاجتماعية والمجالية من خلال اقتراح سياسات واقعية منبثقة من الميدان، لا من المكاتب المركزية. فنجاح “الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية” رهين بقدرة الأحزاب على بلورة تصورات دقيقة للجهات والمناطق التي تمثلها، واقتراح حلول قابلة للتنفيذ تحترم خصوصية كل مجال ترابي. وهنا يُعاد تعريف العمل الحزبي باعتباره شريكاً في التخطيط لا مجرد وسيط انتخابي.

وأورد الباحث أن الدعوة الملكية لمحاربة هدر الزمن التنموي تضع الأحزاب أمام امتحان النجاعة. إذ لم يعد مقبولاً أن تظل النقاشات داخل المؤسسات المنتخبة أسيرة الصراع السياسي أو المزايدات الخطابية، بل يجب أن تتحول إلى فضاء لتقييم حقيقي للسياسات العمومية على ضوء مؤشرات ملموسة.

وشدد محمد العثماني في حديثه للجريدة على أن الأحزاب مطالبة اليوم بإعادة هيكلة آلياتها الداخلية لتصبح مؤسسات قادرة على إنتاج الخبرة واقتراح البدائل، لا الاكتفاء بدور المعارضة أو المساندة الشكلية.

وأوضح أن الخطاب الملكي يرسم للأحزاب المغربية أفقاً يتجاوز حدود الولاية التشريعية الحالية نحو رؤية وطنية طويلة المدى. إذ إن الأحزاب القادرة على مواكبة هذا التحول هي تلك التي تفهم أن “المغرب الصاعد” مشروع دولة لا يُنجز بخطاب ظرفي، بل بإرادة جماعية تستثمر في الإنسان، وتربط العمل السياسي بالتنمية، والتعددية الحزبية بالمردودية الوطنية. بهذا المعنى، تصبح الأحزاب رافعة استراتيجية لاستدامة الإصلاح، لا مجرد أدوات لتداول السلطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News