نزوحٌ سكاني وجفاف وتناقص للنحل.. واحات المغرب مهددة بالاندثار

حذرت دراسة حديثة من أن الواحات المغربية، التي تشكل حصوناً طبيعية في مواجهة التصحر وتحتضن تنوعاً بيولوجياً فريداً وإرث تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين، تقع في قلب تقاطع تحديات متعددة تهدد وجودها، وفي مقدمتها نزوح الساكنة نحو المدن وتراجع الموارد المائية وأعداد النحل.
وأوضح التقرير، الصادر عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، أن الضغط المتزايد على الموارد المائية وزحف التصحر يهددان بشكل مباشر استدامة هذه النظم البيئية الواحية؛ بحيث إن عدم انتظام التساقطات المطرية، والتدهور المستمر للتربة أديا بالفعل إلى اختفاء العديد من بساتين النخيل، ويضاف إلى ذلك موجات الحرارة المفرطة والمتزايدة التي تضعف الغطاء النباتي وتجعل الحياة اليومية أكثر قسوة على الساكنة المحلية.
ومن بين التحديات البارزة، تبرز مسألة صون وإعادة الاعتبار للخطارات؛ “فهذا التراث الذي مكّن من تدبير مستدام للمورد المائي لأكثر من أحد عشر قرناً، بات اليوم مهدداً بسبب انخفاض مستوى المياه الجوفية، وتدهور التجهيزات، والتنافس على الماء بين مختلف الاستعمالات”.
كما يطرح التصحر وتدهور الأراضي المتسارع تحدياً كبيراً آخر، حيث يشكل زحف الرمال وفقدان خصوبة التربة تهديداً حقيقياً لمستقبل الواحات؛ و”غالباً ما تعود أسباب هذه الظواهر إلى سوء تدبير الموارد المائية والممارسات الفلاحية غير المستدامة، مما يؤدي بشكل مباشر إلى انخفاض الإنتاجية الفلاحية وتآكل التنوع البيولوجي المحلي”.
ومن بين العناصر الأساسية لهذا التوازن، يحتل النحل مكانة مركزية في الدينامية البيئية للواحات؛ “فهو يضمن تلقيح النخيل والمحاصيل المرتبطة به، مما يحافظ على التنوع الزراعي والتجدد النباتي، كما يسهم النحل في التوازن البيئي عبر دوره في السلاسل الغذائية، ويعد وضعه الصحي مؤشراً على سلامة البيئة في هذه النظم”.
وبالتالي، اعتبر الباحثون أن حماية النحل تعني العمل من أجل صحة التربة، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وضمان الإنتاجية الزراعية، وصيانة التوازنات الاجتماعية والاقتصادية المحلية، غير أن هذه الملقحات تواجه تهديدات عديدة، أبرزها الاستعمال المكثف للمبيدات، والآثار السلبية للتغير المناخي، وندرة المياه التي تحد من إزهار النباتات الرحيقية.
من جهة أخرى، تناول التقرير العامل البشري في تدهور الواحات؛ “رغم التقدم المحقق في مجالات البنية التحتية، والولوج إلى الماء الصالح للشرب والكهرباء والتعليم، فإن الجهود المبذولة لخلق فرص عمل محلية وتنويع الأنشطة الاقتصادية ما تزال غير كافية لإقناع الشباب بالاستقرار، وبغياب آفاق واعدة، يغادر الكثيرون الواحات، تاركين خلفهم قرى تحت رحمة التراجع الديموغرافي”.
ويؤثر هذا النزوح القروي، وفقا للمصدر ذاته على حجم السكان وبنيتهم في العديد من القرى، مما يولّد خصاصاً في اليد العاملة الفلاحية المحلية، ويقود تدريجياً إلى التخلي عن الاستغلاليات التقليدية”. مضيفاً أن العديد من الأسر تهجر أراضيها بسبب عدم مردودية الأنشطة الفلاحية، أو غياب الماء الصالح للشرب أو السقي، أو ببساطة أملاً في مستقبل أفضل لأبنائها في المدن الكبرى.
ولاحظ الباحثون أنه بالرغم بعض المبادرات لتنظيم الفلاحين في تعاونيات قصد دعم دينامية التضامن المجتمعي، إلا أن النتائج المحققة تبقى دون مستوى التطلعات، “في هذا السياق، بات الحفاظ على السلم الاجتماعي رهيناً بالتضامن بين الأجيال، والحكامة المحلية التشاركية، والانخراط الفعّال للجالية. فالحفاظ على الصلة بالأرض الأصلية وتهيئة ظروف عودة الشباب يمثلان رهانات أساسية”.