تضرر الفلاحة وعجز الصناعة عن التعويض.. تقرير يرسم معالم البطالة بالمغرب

أشارت ورقة بحثية حديثة حول سوق الشغل بالمغرب إلى أنّ الفلاحة والبناء، والأشغال العمومية، والتجارة تظل أبرز مصادر التشغيل، رغم هشاشة الوظائف وضعف الإنتاجية. لكن تباطؤ النمو الاقتصادي منذ سنة 2000، وتداعيات الجائحة والجفاف بين 2020 و2023، أدّيا إلى تراجع خلق فرص الشغل، خصوصاً في الفلاحة التي فقدت آلاف المناصب سنوياً. كما تباطأت قدرة الخدمات والبناء على استيعاب اليد العاملة، فيما ظل القطاع الصناعي ضعيف الأثر رغم تمثيله 12% من حجم الشغل.
ولفتت الورقة البحثية الصادرة عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان “النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل: لماذا يعجز الاقتصاد المغربي عن خلق فرص الشغل؟” إلى تراجع حصة قطاع النسيج وصعود صناعات أكثر اعتماداً على رأس المال. كما يعكس هذا الوضع محدودية التنويع نحو قطاعات تكنولوجية عالية القيمة.
وفي التفاصيل، يظهر التوزيع القطاعي لخلق فرص الشغل أنّ بعض القطاعات الاقتصادية تمثل عصب الاقتصاد الوطني، “فالفلاحة وقطاع البناء والأشغال العمومية (BTP) بالإضافة إلى بعض الخدمات، وعلى رأسها التجارة، ما تزال تلعب دوراً محورياً في خلق فرص العمل الجديدة”.
ورغم أن إنتاجية القطاع الفلاحي تبقى ضعيفة نسبياً، وأن العمل فيه غالباً ما يكون موسمياً، فإنه يظل قطباً مهماً لاستيعاب اليد العاملة، لا سيما في المناطق القروية. كما يُعتبر قطاع البناء والأشغال العمومية فاعلاً رئيسياً في خلق فرص العمل، مدفوعاً بالاستثمارات في البنية التحتية العمومية والمشاريع العقارية والأوراش الكبرى للتوسع العمراني. غير أن هذه الوظائف غالباً ما تكون مؤقتة وقليلة التأهيل، مما يحدّ من أثرها على مستوى الاستدامة والجودة.
أما قطاع الخدمات، وخاصة التجارة، فقد عرف توسعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، بفعل افتتاح مراكز تجارية جديدة وتنامي القطاع غير المهيكل. ورغم أن هذا القطاع يوفّر عدداً كبيراً من فرص العمل، فإنها غالباً ما تتسم بأجور ضعيفة وظروف عمل هشّة.
وأشار التقرير إلى أنّ النمو الاقتصادي لم يؤدِّ إلى تنويع كبير نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية وكثافة تكنولوجية أقوى، “فعلى سبيل المثال، لا تمثل قطاعات مثل الصناعة التحويلية المتقدمة، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية، والابتكار التكنولوجي سوى جزء ضئيل من خلق فرص الشغل”.
ويُعزى ذلك بالأساس إلى تحديات بنيوية، مثل محدودية التمويل الموجه للمقاولات الصغرى والمتوسطة المبتكرة، ونقائص في المنظومة التعليمية، وضعف الاستثمارات في التقنيات المتطورة.
كما سلط التقرير الضوء على قصور القطاع الصناعي في خلق فرص العمل؛ “رغم أن القطاع الصناعي يمثل 12% من إجمالي فرص الشغل، إلا أنه لم يتمكن من تعويض تراجع خلق فرص العمل في قطاعات أخرى. فقد انخفض نمو القيمة المضافة للصناعة عبر الزمن، من 4,2% خلال 2000-2008 إلى 2,8% خلال 2020-2023”.
أما صناعة النسيج، التي كانت في السابق من أهم مصادر التشغيل الصناعي، فقد شهدت تحولاً كبيراً؛ إذ تراجعت حصتها من التشغيل الصناعي من 48,7% إلى 28,5% خلال الفترة نفسها. أما الصناعات التحويلية الأخرى، فرغم تسجيلها نمواً ملحوظاً في قيمتها المضافة، فإنها أكثر اعتماداً على رأس المال، ما يعني أنها تحتاج إلى يد عاملة أقل.