“اكتشاف كلميم” يعيد رسم خارطة الاقتصاد وتموقع المغرب ببورصة الذهب العالمية

أفادت منصة Discovery Alert عن اكتشاف جديد لعروق ذهبية عالية الجودة في منطقة كلميم، وهو ما يمثل نقطة تحول محتملة في قطاع التعدين المغربي، إذ كشفت الأعمال الميدانية التي أشرف عليها فريق من خبراء التعدين المؤهلين عن شبكة واسعة تضم 34 عرقاً من الكوارتز الحاملة للذهب، بعمق يتجاوز 100 متر وعرض سطحي يتراوح بين 40 سنتيمتراً و1.5 متر.
وتشير التحاليل المخبرية للعينات المستخرجة من الحفر والخنادق، وبحسب المنصة ذاتها، إلى تركيزات ذهبية مذهلة تراوحت بين 6 غرامات و300 غرام في الطن الواحد، لافتة إلى أن هذه النتائج تجعل من مشروع كلميم واحداً من أكثر المشاريع الواعدة على الإطلاق في المنطقة، مع إمكانات كبيرة لتغيير موقع المغرب في السوق العالمية للذهب.
وأبرزت Discovery Alert أن العروق الذهبية في كلميم تمثل ترسبات حرارية مائية كلاسيكية، تشكلت حين تدفقت محاليل غنية بالمعادن عبر الشقوق في الصخور القاعدية القديمة، لتبرد وتترسب على شكل الذهب والمعادن المصاحبة.
كما توضح المنصة أن هذه العروق على بعد نحو 200 كيلومتر جنوب أكادير، وتمتد على طول أنظمة صدعية إقليمية، ما يشير إلى أن التمعدن يتبع بنيات جيولوجية يمكن رسمها واستهدافها في الاستكشاف المستقبلي، مسجلة أن المنطقة الواقعة على مجرى نهر درعة التاريخي كانت معروفة سابقاً بوجود الذهب، وأن هذا الاكتشاف يعزز الفهم بأن الذهب المستخرج قديماً من الرواسب النهرية كان مصدره هذه الصخور القاعدية، مما يضيف بعداً تاريخياً وثقافياً للاكتشاف ويؤكد الإمكانات المعدنية الطويلة الأمد للمنطقة.
مزايا لوجستية
تفيد Discovery Alert بأن العروق الـ34 المكتشفة تظهر استمرارية مميزة، مع سمك متفاوت من 40 سنتيمتراً إلى 1.5 متر، واستمرارية حتى أعماق تتجاوز 100 متر، وأن الذهب يتواجد على شكل معدن حر داخل الكوارتز وأحياناً مرتبطاً بمعادن الكبريتيد، ما يسهل عمليات الاستخلاص المعدنية مستقبلاً.
وتشير النتائج، وفق المصدر ذاته، إلى إمكانية اعتماد استراتيجيات تعدين انتقائية تستهدف أعلى نسب الذهب، ما يقلل التكاليف الرأسمالية الأولية ويزيد من سرعة العوائد على الاستثمار. كما أن التوزع المتناسق للذهب عبر العروق المختلفة يدل على وجود نظام ذهبي متكامل يوفر فرصاً واعدة للاستكشاف المستقبلي.
واعتبرت المنصة أن اكتشاف كلميم إضافة نوعية لمحفظة المغرب المعدنية، التي تشمل رواسب النحاس والليثيوم والتيتانيوم والعناصر الأرضية النادرة، وهي معادن أساسية للتكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة وصناعات الطيران والتصنيع المتقدم.
كما أن المغرب، الذي يعد ثاني أكبر منتج للفوسفاط في العالم، يمتلك بنية تحتية وخبرة تنظيمية قوية لدعم مشاريع التعدين الجديدة. وتوضح Discovery Alert أن الموقع الجغرافي للمغرب، على تقاطع إفريقيا وأوروبا، يوفر مزايا لوجستية كبيرة للتصدير، بما في ذلك الوصول السريع إلى الأسواق الأوروبية وخطوط الشحن عبر البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ما يقلل المخاطر الجيوسياسية ويعزز جاذبية الاستثمار في القطاع.
وتؤكد أن الاكتشاف يأتي في وقت تتزايد فيه المنافسة العالمية على الامتيازات المعدنية، خصوصاً المعادن الحيوية الضرورية للتكنولوجيا والطاقة النظيفة، ويضع هذا المغرب في موقع متميز لجذب الاستثمارات العالمية بفضل استقراره السياسي، وقانون التعدين الحديث، وتنوع موارده المعدنية، وموقعه الاستراتيجي.
تفاؤل حذر
ياسر للدرويش، الباحث في الاقتصاد، يرى أنه يمكن النظر إلى اكتشاف عروق الذهب عالية الجودة في كلميم بعيون التفاؤل، إذ تشير نتائج التحاليل إلى تركيزات ذهبية استثنائية تتراوح بين 6 و300 غرام في الطن الواحد، لافتا إلى أن هذه النسب تجعل من المشروع أحد أكثر الاكتشافات الواعدة في شمال إفريقيا، وقد تساهم في تعزيز مكانة المغرب في السوق العالمية للذهب، وتفتح الباب أمام استثمارات جديدة، وفرص تشغيلية، وتنمية اقتصادية محلية متعلقة بقطاع التعدين.
ومن منظور اقتصادي، قال الدرويش في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إن وجود مثل هذه الرواسب يمكن أن يرفع سقف الإنتاج الوطني من الذهب، ويضيف تنوعاً لموارد المغرب المعدنية، بما يعزز جاذبية البلاد للمستثمرين العالميين الباحثين عن بيئة مستقرة واستثمارات ذات قيمة مضافة عالية.
مع ذلك، يشدد الدرويش على وجوب توخي الحذر من هذه النتائج، خصوصاً في السياق المالي والاستثماري، “غالباً ما تصاحب مثل هذه الإعلانات بيانات واعدة لجذب الانتباه وإحداث تأثير إيجابي على أسعار الأسهم أو لجذب استثمارات مؤقتة، وقد لا تعكس بالكامل الجدوى الاقتصادية الفعلية أو التحديات الفنية والتقنية المتعلقة بالتعدين”.
وأكد كذلك، في حديثه للجريدة، على أهمية التفريق بين النتائج الأولية للاستكشافات الجيولوجية وبين القيمة الاقتصادية القابلة للتحقيق، خصوصاً أن عمليات التعدين تتطلب استثمارات ضخمة، وبنية تحتية متطورة، وفترة زمنية طويلة قبل تحقيق عوائد ملموسة.
وخلص إلى “ضرورة تبني موقف متوزان يجمع بين الحماس لما تحمله النتائج من إمكانات، وبين الحذر من التهويل أو التضخيم الإعلامي لأغراض تسويقية أو مالية. تبقى البيانات الرسمية والتحليلات المستقلة، إلى جانب متابعة مراحل التطوير الفعلية للمشروع، المصدر الأكثر موثوقية لتقييم الأثر الاقتصادي الحقيقي للاكتشاف، وتحديد الفرص الاستثمارية التي يمكن الاستفادة منها بشكل مستدام بعيداً عن ضجيج السوق والقرارات الانفعالية”.