مطالب بإخراج “مجلس الشباب” من “غرفة الانتظار” لترميم الثقة بالمؤسسات

بمناسبة اليوم الدولي للشباب في 21 غشت، أكدت العصبة المغربية لحقوق الإنسان في تقريرها حول وضعية الشباب بالمغرب أن تسريع إطلاق المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي لم يعد خيارا مؤجلا بل ضرورة دستورية وملحة تمليها التحديات الراهنة التي تواجه الفئات الشابة والنسيج الجمعوي على حد سواء.
ويبرز التقرير أن الفصلين 33 و170 من دستور 2011 نصا صراحة على إحداث هذه الهيئة الاستشارية، بما يعكس المكانة التي يوليها الدستور لمشاركة الشباب في الحياة العامة وحماية حقوقهم والنهوض بالعمل الجمعوي، كما يضع هذا التنصيص الدستوري إطلاق المجلس في صميم استكمال البناء المؤسسي الذي يحتاجه المغرب لتوجيه طاقات الشباب نحو التنمية وتحويل مشاركتهم من انشغال ظرفي إلى مسار مؤطر ومستدام.
ويشرح التقرير أن السياق الديمغرافي والاجتماعي الراهن يزيد من إلحاحية الإخراج المؤسساتي للمجلس، إذ تتزايد تطلعات الشباب للمشاركة الفاعلة في التنمية في ظل قضايا ضاغطة مثل البطالة والتهميش والحاجة إلى تأطير منظم للطاقات الشبابية، كما يلفت إلى أن الحركة الجمعوية رغم حيويتها تواجه تحديات في التنظيم والتمويل وتعزيز دورها كقوة اقتراحية ومحرك للتغيير الاجتماعي، ما يجعل المجلس المطلوب رافعة ضرورية لترميم جسور الثقة وتنسيق الجهود.
ويحدد التقرير الدور المنتظر من المجلس بكونه هيئة استشارية مستقلة مكلفة بدراسة وتتبع قضايا الشباب والعمل الجمعوي وتقديم الآراء والمقترحات للحكومة والبرلمان، مع تعزيز مكانة الشباب وتمثيليتهم داخل النسيج المجتمعي وتكييف أنظمة التعليم والتأهيل مع متطلبات سوق الشغل وإعداد الأجيال الصاعدة لمواجهة المستقبل وفق رؤية متكاملة للحقوق والفرص.
وتؤكد العصبة المغربية لحقوق الإنسان، في تقريرها الذي اطلعت عليه جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن التعويل على المجلس لا يقتصر على الاستشارة التقنية بل يمتد إلى تفعيل أدوات مشاركة الشباب في الحياة العامة وتعميم استخدامها، بما في ذلك تطوير البيئة القانونية والتنظيمية للعمل الجمعوي حتى تتمكن الجمعيات من أداء أدوارها التنموية والاجتماعية بكفاءة أعلى، وهو ما من شأنه تحويل دينامية الشباب من مبادرات مشتتة إلى أثر مؤسسي قابل للقياس والتراكم.
ويخلص التقرير إلى أن تفعيل المجلس، وقد طال انتظاره، يمثل خطوة نوعية لبناء الثقة بين الشباب والمؤسسات وإرساء إدماج حقيقي لهم في مسار التنمية الشاملة والمستدامة، إذ يشكل الإطار الذي تتقاطع داخله السياسات العمومية والابتكار الشبابي والمبادرة المواطِنة بما يضمن استدامة النتائج وتوسيع قاعدة المستفيدين.
وقدمت الهيئة الحقوقية حزمة توصيات عملية لتوجيه السياسات العمومية نحو التقاط الفرصة الديمغرافية وتحويلها إلى عائد تنموي ملموس لصالح الشباب، وذلك عبر مقاربة متناسقة بين التعليم والتشغيل والحماية الاجتماعية والمشاركة السياسية والعمل الجمعوي.
ويوصي التقرير باستثمار الفرصة الديمغرافية الذهبية عبر تحويل طاقات الشباب إلى قوة منتجة ومساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بتأمين مسارات متصلة للتعليم والتدريب والتوظيف والمشاركة بما يضمن الانتقال السلس من مقاعد الدراسة إلى سوق الشغل.
ويدعو التقرير إلى مراجعة السياسات الاقتصادية والتعليمية لضمان توافق أكبر بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق الشغل، وتقليص الفجوة القائمة بين العرض المتوفر من الكفاءات والطلب الفعلي عليها بما يرفع المردودية ويحد من التعطيل.
وشددت العصبة المغربية لحقوق الإنسان على ضرورة توفير فرص عمل كافية ولائقة للشباب، مع إيلاء اهتمام خاص لحاملي الشهادات العليا، باعتبار أن معالجة البطالة شرط لاستقرارهم الاقتصادي والاجتماعي وتمكينهم من الاندماج المنتج في دورة الحياة العامة.
ويطالب التقرير بتأمين الحماية الاجتماعية والظروف اللائقة للشغل لفائدة الشباب العاملين في القطاع غير المهيكل، بما يقلل هشاشة أوضاعهم ويمنحهم جسورا للانتقال إلى الاقتصاد المنظم وفق قواعد العدالة والإنصاف.
ويؤكد التقرير وجوب اتخاذ إجراءات ملموسة لتعزيز تمثيلية الشباب داخل المؤسسات المنتخبة والقيادات الحزبية، حتى تُسمَع أصواتهم وتُدرَج قضاياهم في صلب صناعة القرار العمومي بما يعكس الوزن الديمغرافي والدور المستقبلي لهذه الفئة.
ويدعو التقرير الأحزاب السياسية إلى إعادة الاعتبار لمنظماتها الشبابية وتفعيلها كقوة جماهيرية مؤثرة، بدل الاكتفاء بصيغ شكلية لا تُنتج التأطير ولا تُراكم الخبرة ولا تُفضي إلى تجديد النخب.
ويحث التقرير على الإسراع في إطلاق المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي وتزويده بالآليات القانونية واللوجستيكية الكفيلة بتمكينه من دراسة وتتبع قضايا الشباب والجمعيات وتقديم آراء واقتراحات عملية للحكومة والبرلمان.
ويطالب التقرير بتعزيز دور العمل الجمعوي كقوة اقتراحية ومحرك للتغيير الاجتماعي عبر تطوير البيئة القانونية والتنظيمية للجمعيات، بما يسمح لها بأداء أدوارها التنموية والاجتماعية بفعالية وشراكة مؤسسية مع الفاعلين العموميين.
ويشدد التقرير على تفعيل أدوات مشاركة الشباب في الحياة العامة وتوسيع نطاق استخدامها، باعتبارها مدخلا لبناء جسور الثقة بين الشباب والمؤسسات وتحويل المشاركة من مطلب أخلاقي إلى ممارسة يومية مؤطرة ومُمأسسة.
ويختم التقرير بالدعوة إلى تحقيق إدماج حقيقي للشباب ضمن مسار التنمية الشاملة والمستدامة من خلال توفير بيئة تمكينية تُتيح الابتكار والمبادرة والمساهمة في بناء المستقبل، بما يجعل المجلس الاستشاري المرتقب حجر زاوية في هندسة السياسات الشبابية بالمغرب.