“فوضى” التدبير السياحي “تغتال” جاذبية شاطئ استثنائي بالسعيدية

انتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو توثق فواتير أقل ما يقال عنها “صادمة” لمطاعم ومقاهٍ ومرابض سيارات تقدم خدماتها بمدينة السعيدية، شرق المغرب، بأثمنة باهظة، تحولت إلى موضع سخرية ونفور يسيئان لسمعة وجاذبية الوجهة؛ في وقت وضعت الحكومة الدفع بعجلة السياحة الداخلية في مقدمة انشغالاتها السياحية.
وأصبح شاطئ السعيدية خلال السنوات القليلة الماضية أشهَرَ من نار على علم؛ بجماله الأخاذ، بحيث تمنح هذه المحطة الساحلية الجهة الشرقية قسطاً كبيراً من جاذبيتها السياحية، غير أن اختلالات الأسعار المذكورة، فضلا عن ضعف الحكامة وفوضى التسيير يفقدان العرض السياحي للمدينة، بل للجهة ككل، وهجه ويدفعان السياح، الداخليين على وجه الخصوص، إلى تغيير رأيهم بشأن قضاء عطلة الصيف هناك.
وفي هذا الصدد عدّ الخبير في القطاع السياحي، مراد الهبيل، أن السعيدية تُعد وجهة ذات مؤهلات كبيرة غير أنها عاجزة عن استثمار كل قدراتها السياحية بسبب ما وصفه بسوء الحكامة.
وشدد على أنه بالرغم من مؤهلاتها الطبيعية المتميزة؛ والتي لا تقتصر على شاطئها الاستثنائي، بل تشمل أيضاً مناخها المثالي وقربها من مواقع ثقافية وطبيعية هامة، إلا أن السعيدية ما تزال عاجزة عن فرض نفسها كوجهة سياحية شاطئية مرجعية.
ويكمن السبب الرئيسي، وفقا للمتحدث ذاته، في غياب حكامة واضحة وذات كفاءة، مع تعدد الفاعلين العموميين والخواص دون تنسيق في ما بينهم، ولا توافق حول رؤية مشتركة ولا مخطط استراتيجي مُحيّن.
وتابع الهبيل بأن تدبير المحطة الشاطئية تشوبه العديد من الاختلالات؛ على غرار القيادة المشتتة وغير المهنية؛ حيث غياب هيكل موحد (من قبيل نظام تسويق الوجهة أو DMO) لتنسيق العرض والتسويق والجودة والصيانة. بالإضافة إلى السياسات المتناقضة والارتجالية؛ وفي مقدمتها القرارات الظرفية، وغياب بيانات موثوقة.
وحذر الفاعل بالقطاع من ضعف الصيانة والتأهيل بالمدينة؛ حيث أن البنيات التحتية الحضرية، والواجهة البحرية والتجهيزات السياحية متروكة لمصيرها، أو غير ملائمة لفترات الذروة، وهو ما يؤدي إلى تدبير سيئ للموسمية التي تتسم بها السياحة في المنطقة؛ “يُلاحظ غياب أنشطة ومنتجات جاذبة خارج فصل الصيف، ما يجعل السعيدية محطة معتمدة بشكل شبه كلي على الشهرين الصيفيين”.
وانتقد الهبيل انعدام التكافؤ في جودة الخدمات وخاصة العنصر البشري؛ حيث يلاحظ توظيف متأخر لليد العاملة في القطاع السياحي، ذات تكوين غير كاف في المجمل. وكذا انعدام معايير مفروضة على الفنادق والمطاعم والأنشطة، فضلا عن ضعف النظافة والنظام العام، ما يشوه صورة الوجهة في موسم الذروة.
“يمكن القول أيضاً إن العرض السياحي بالسعيدية غير مهيكل؛ فالوعد الأولي المتضمن في خارطة الطريق السياحية أي “الشمس والشاطئ” لم يُدعَّم بعروض موازية في المستوى، كالرياضات المائية، والثقافة، والطبيعة، والتظاهرات؛ التي تسمح بإطالة أمد إقامة السياح.
ونبه إلى أن التسويق للوجهة لا يزال ضعيفا بدوره؛ “لا وجود لحملات تواصلية تميز الوجهة وتثمن خصوصياتها، كما أن تدبير السمعة الرقمية للسعيدية سيء، مع تسجيل غياب استراتيجية واضحة لاستهداف الأسواق الدولية”.
وخلص الخبير إلى أنه طالما لم تتوفر المحطة على هيكل مهني موحد لتدبير تنميتها السياحية، وفرض معايير جودة، وتخطيط استثماراتها، فـ”ستظل مجرد شاطئ جميل… لكنه غير مستغل بما يكفي ومتخلف مقارنة بمنافسيه المتوسطيين”.