رأي

الأمن السيبراني خيار استراتيجي يرسخه مشروع قانون المالية 2026

الأمن السيبراني خيار استراتيجي يرسخه مشروع قانون المالية 2026

لم يعد الأمن السيبراني اليوم ترفا تقنيا أو خيارا هامشيا، بل صار حصنا استراتيجيا لحماية الدول ومصالحها الحيوية في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية. هذا ما يترجمه بوضوح مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي يضع الرقمنة والسيادة التكنولوجية في قلب أولوياته، انسجاما مع رؤية ملكية حكيمة، أرست على مدى أكثر من عقدين أسس نموذج تنموي متوازن يجمع بين قوة الاقتصاد وتماسك وأمن المجتمع.

حيث لم يعد الأمن القومي يعتمد فقط على الحدود الجغرافية والجيوش، بل أصبح خط الدفاع الأول هو الأمن السيبراني، وكما هو معلوم أن الهجمات الإلكترونية اليوم قادرة على تعطيل اقتصادات، وإرباك مؤسسات حيوية، بل وحتى تهديد استقرار الدول.

رؤية ملكية تبني المستقبل الرقمي للمغرب

منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله العرش، انطلق المغرب في مسار إصلاحي عميق شمل البنيات التحتية، والحوكمة المؤسساتية، والعدالة الاجتماعية. وقد أثمرت هذه الإصلاحات اقتصادا أكثر صلابة، ونسيجا اجتماعيا متماسكا، وموقعا متقدما بين الدول الصاعدة. اليوم، يأتي مشروع قانون المالية 2026 ليؤكد أن التحول الرقمي ليس مجرد تحديث إداري، بل رافعة استراتيجية لتعزيز السيادة الرقمية الوطنية ولحماية المملكة من الهجمات السيبرانية.

الرقمنة من الإدارة إلى الاقتصاد مسار نحو السيادة الرقمية

يرى مشروع قانون المالية 2026 أن الرقمنة هي العمود الفقري لاقتصاد الغد، في عالم تتحكم فيه البيانات والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، ومن خلال استراتيجية “المغرب الرقمي 2030، تضع المملكة نصب عينيها لبناء دولة ذات سيادة رقمية قادرة على:

  • تقديم خدمات عمومية سريعة وفعالة؛
  • دعم تنافسية المقاولات الوطنية؛
  • تكوين أجيال مؤهلة في التخصصات الرقمية.

ولا يقتصر هذا التوجه على الإدارة العمومية فقط، بل يشمل كذلك تسريع التحول الرقمي للمقاولات الصغرى والمتوسطة، وجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع ترحيل الخدمات، وتبسيط المساطر أمام المستثمرين عبر رقمنة الاستثمار والضرائب والتدبير العمومي.

الاستثمار في العقول والبنية التحتية

وإدراكا من المغرب، على أن السيادة الرقمية لا تتحقق دون ركيزتين أساسيتين: البنية التحتية المتطورة والرأسمال البشري المؤهل، لذلك نجد مشروع قانون المالية 2026، يتضمن إجراءات دقيقة لتسريع الاستراتيجية الوطنية للحوسبة السحابية التي هي حاليا في طور الإعداد، وتوفير مراكز بيانات متقدمة، إلى جانب مضاعفة عدد خريجي التخصصات الرقمية ثلاث مرات في أفق 2027، مع غرس الثقافة الرقمية منذ التعليم المبكر.

الأمن السيبراني… خط الدفاع الأول

ولمواجهة التهديدات المتنامية في الفضاء الرقمي، أطلقت المملكة المغربية “الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني2030 ” ، التي تقوم على أربعة محاور رئيسية:

  1. ترسيخ الحكامة الوطنية للأمن الرقمي؛
  2. تقوية الإطار القانوني والمؤسساتي؛
  3. تطوير القدرات والمهارات الوطنية؛
  4. تعزيز التعاون الوطني والدولي في المجال.

وقد ترجم ذلك بإنشاء مركز الابتكار في الأمن السيبراني، ومديرية حديثة 2025متخصصة بوزارة الاقتصاد والمالية لتدبير أمن نظم المعلومات، إلى جانب إطلاق برامج لتكوين أطر متخصصة، وإحداث مركز التميز للذكاء الاصطناعيلتطوير حلول متقدمة تحمي البنية التحتية الرقمية وتعزز السيادة التكنولوجية.

نحو سيادة رقمية كاملة

كل هذه الجهود تجعل من مشروع قانون المالية لسنة 2026 أكثر من مجرد أداة لتدبير الموارد والنفقات؛ إنه بمثابة خارطة طريق وطنية ترسم ملامح مغرب رقمي، يمتلك القدرة على فرض سيادته الرقمية وحماية فضائه السيبراني من أي تهديدات، سواء كانت ذات طابع إجرامي أو استراتيجي.

فالرهان لم يعد يقتصر على بناء بنية تحتية رقمية متطورة، بل يمتد إلى خلق منظومة متكاملة تشمل التشريعات، والمؤسسات، الكفاءات البشرية، والشراكات الدولية، مما يضمن للمغرب موقعا متقدما في سلاسل القيمة العالمية للابتكار. إن الاستثمار في الأمن السيبراني والرقمنة اليوم، هو استثمار في أمن الدولة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهو صمام أمان لضمان استمرار التنمية في عالم شديد التنافسية.

كما أن تبني هذه المقاربة المتكاملة، التي تمزج بين التحول الرقمي وحماية الفضاء السيبراني، يجعل المغرب ليس فقط مستهلكا للتكنولوجيا، بل مساهما فاعلا في إنتاجها وتطويرها، بما يعزز استقلاليته الاستراتيجية ويؤهله ليكون شريكا دوليا موثوقا في المجال الرقمي.

ختاما يمكن الجزم إن مشروع قانون المالية 2026، يعلن بوضوح أن مستقبل المغرب يمر عبر البوابة الرقمية، وأن الأمن السيبراني لم يعد خيارا تكميليا، بل هو ركيزة استراتيجية لضمان الاستقرار وحماية المكتسبات وتعزيز القدرة التنافسية. وبينما تستعد المملكة لمواصلة مسارها الطموح، يبقى نجاح هذا المشروع رهينا بقدرة جميع الفاعلين، من مؤسسات ومجتمع مدني وقطاع خاص، على الانخراط بجدية في هذا الورش الوطني، حتى يصبح المغرب نموذجا رائدا في السيادة الرقمية والأمن السيبراني على الصعيدين الإقليمي والدولي.

متخصص في القانون الجنائي الرقمي والأمن السيبرياني-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News