مجتمع

هل تنهي نيةُ الحكومة زيادة الاستثمارات العمومية بالقرى واقع “مغرب السرعتين”؟

هل تنهي نيةُ الحكومة زيادة الاستثمارات العمومية بالقرى واقع “مغرب السرعتين”؟

لم تتأخر الحكومة في التفاعل مع التوجيهات الملكية بخصوص النهوض بأحوال العالم القروي وأهله، ورفع التهميش والعزلة التي تعيشها هذه المجالات منذ عقود. حيث أعلنت، عبر المذكرة التوجيهية لوزارة القطاعات الحكومية بخصوص التحضير لمشروع قانون المالية لسنة 2026، نيتها زيادة الاستثمارات العمومية الموجهة للعالم القروي والجَبلي والمناطق النائية.

وألحَّ الملك، في خطاب الذكرى 26 لعيد العرش، على تحسين وضعية ساكنة العالم القروي، حينما قال إنه “ما تزال هناك بعض المناطق، لا سيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية. وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية”، ملحًّا على أنه “لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين”.

وجاء ضمن منشور رئيس الحكومة المتعلق بتوجيهات رئيس السلطة التنفيذية للوزراء الحكومة حول التحضير لمشروع قانون المالية 2026، أنه تجسيدًا للتعليمات الملكية، سيتم العمل، من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2026، على توجيه الاستثمار العمومي بشكل متزايد نحو المناطق الأكثر هشاشة، لا سيما المناطق القروية والجبلية، والمناطق النائية، بهدف ضمان الولوج المنصف للخدمات الأساسية.

وتابع أخنوش على أنه سيتم دعم التشغيل عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير المناخ الملائم للمبادرة والاستثمار، بشكل يُحفّز النشاط الاقتصادي المحلي، وذلك في انسجام تام مع المشاريع الكبرى التي تعرفها المملكة.

نية حسنة في حاجة للتنزيل

محمد الديش، رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، قال إنه “من حيث اللغة والشعار، فإن المذكرة التوجيهية للقطاعات الوزارية بخصوص مشروع قانون المالية 2026، تُبرز نية الحكومة في تفعيل التوجيهات الملكية التي جاءت في خطاب العرش الأخير بخصوص سؤال العدالة المجالية والتنمية في العالم القروي، بإعلانها نية زيادة توجيه الاستثمارات العمومية إلى العالم القروي والجَبلي والمناطق النائية”.

وأضاف الديش، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “مداخل تحقيق العدالة المجالية الحقيقية، أو على الأقل جزءًا منها، رهين بالتنفيذ الناجع والجيد لمضامين هذه المذكرة التوجيهية من طرف القطاعات الوزارية المعنية”، مبرزًا أن “هذه ليست مهمة قطاع أو قطاعين فقط، وإنما مسؤولية على عاتق الحكومة بأكملها لبناء نموذج تنموي يحقق عدالة مجالية تُنصف المجالات المهمشة لسنوات”.

وأورد المتحدث ذاته أن “رفع نسبة الاستثمارات العمومية أو الإنفاق العمومي، هو مطلب ننادي به منذ سنوات، بحكم أن الاستثمار العمومي الموجّه إلى هذه المجالات أقل بثلاثة إلى أربع مرات من الاستثمارات الموجهة إلى مناطق أخرى، خصوصًا على الأشرطة الساحلية ومناطق محور الدار البيضاء ـ طنجة”.

وتابع الفاعل المدني عينه أن “الاستثمار العمومي في هذه المناطق هو الذي يعوّض الاستثمار الخصوصي، بحكم أن المناطق القروية والجبلية، في الغالب، لا تكون جذابة ومغرية للمستثمرين الخواص مقارنة بمناطق أخرى”، مؤكدًا أنه “بطبيعة الحال فإننا لم نرفع سقف طموحاتنا للمطالبة بقطار فائق السرعة بين بني ملال وتنغير، أو بين فاس والراشيدية، على الرغم من أهميتهما، ولكن لا بد من إقرار بُنى تحتية رصينة تفك العزلة عن المناطق المهمة بـ(مغرب السرعة الثانية)”.

“لا ننتظر الشيء الكثير”

وسجّل رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل أن “فك العزلة لا يتحقق بتشييد طرق ضيقة وصغيرة، وإنما الربط الحقيقي بين مغرب السرعة الأولى ومغرب السرعة الثانية رهين ببُنى تحتية أساسية وقوية، وفي مقدمتها توسيع شبكة الطرق السيارة التي من المفترض أن تربط شمال المغرب بجنوبه، وشرقه بغربه”.

وشدد الديش على أن “هذه الطموحات لا يمكن أن تتحقق إلا بتخطيط وصياغة ميزانيات ملائمة لهذه المشاريع المهيكلة”، مستدركًا أن “الإشكال الجوهري الذي يمكن أن يعرقل كل هذه الغايات هو طبيعة الاقتصاد المغربي الهش، الذي يتأثر بشكل كبير بالأزمات والتحولات الاقتصادية التي يعرفها العالم، وحجم دخله السنوي الخام”.

وأوضح المصدر ذاته أن “كل هذه التحديات هي التي تجعلنا لا ننتظر الشيء الكثير من هذه الاستثمارات أو العائد التنموي الكبير، خصوصًا على المدى القريب أو المتوسط”، مبرزًا أن “الرهان على مشروع قانون مالية واحد هو رهان خاسر، وسبق أن تم تجريبه في حكومة سابقة دون أي أثر ملموس ومستدام”.

ولفت الديش إلى أنه “نستعد لترتيب لقاءات مع الفرق البرلمانية، ومع الأمناء العامين للأحزاب السياسية، من أجل الضغط لجعل مشروع قانون المالية المقبل تأسيسيًا من أجل تحقيق عدالة مجالية مستدامة”، مشيرًا إلى أنه “من غير المعقول أن يستمر اللاتوازن بين الإنفاق العمومي الموجّه إلى المجالات الجبلية، وبين ما تُنتجه هذه المناطق من ثروات، خصوصًا فيما يتعلق بالثروات المعدنية”.

ولم ينفِ الناشط المدني عينه “صعوبة إقرار مشاريع تنموية كبيرة في المجالات الجبلية، والقروية عمومًا، مثل تشييد مصانع أو شركات كبيرة، نظرًا لمحدودية الولوج”، مبرزًا أن “تشجيع المشاريع التي ترفع التهميش والعزلة عن كل المناطق المنسية جدير بالدعم والإنفاق العمومي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News