استهداف يوسف العمراني.. مقالات “مؤدلجة” لتصفية حسابات بغطاء “معاداة السامية”

أثار مقال منشور في منصة أجنبية، لا يخلو من الانطباعات الشخصية والاستنتاجات المتسرعة، نقاشا في الأوساط المهتمة بالشأن الدبلوماسي، بعد أن جمع بين انتقادات سياسية وتلميحات شخصية طالت السفير المغربي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، يوسف العمراني.
المقال، الذي كتبه صحفي معروف بانتمائه إلى تيار اليمين الديني المتطرف في إسرائيل، سعى إلى رسم صورة سلبية عن أداء الدبلوماسي المغربي، رابطا بين تحولات السياسة الدولية ومساره المهني، وصولا إلى الخوض في الحياة الشخصية لعائلته، في تجاوز واضح للأعراف المهنية في تناول الشأن الدبلوماسي.
من أبرز ما روج له الكاتب أن عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض “فرصة تاريخية” للمغرب، وأن استمرار العمراني في منصبه قد يحرم المملكة من هذه الفرصة. غير أن هذا الطرح يقوم على قراءة سطحية للعلاقات الدولية، متجاهلًا أن السياسة الخارجية للمغرب تُبنى على استراتيجيات وطنية متكاملة، تقودها المؤسسة الملكية ووزارة الشؤون الخارجية وسفراء المملكة في العواصم المؤثرة، بعيدا عن الرهانات الشخصية أو الظرفية.
كما اتهم المقال السفير بـ”الفشل في تحقيق نتائج ملموسة” و”الامتناع عن التواصل مع قادة الجالية اليهودية والمنظمات المعنية بالعلاقات المغربية الإسرائيلية”، وهي اتهامات تبقى أحكاما انطباعية ما لم تدعم بأدلة موثقة، فالدبلوماسية في واشنطن لا تُقاس بعدد الصور الإعلامية أو اللقاءات المعلنة، بل بمدى صون المصالح العليا للمملكة والدفاع عن ثوابتها في مختلف المحافل.
العمراني، الذي عينه الملك محمد السادس سفيرًا لدى الولايات المتحدة في 19 أكتوبر 2023، راكم مسارًا دبلوماسيًا وأكاديميًا حافلًا؛ إذ شغل مهام بارزة من بينها سفيرا للمغرب في جنوب إفريقيا ودول أخرى، وكاتبا عاما لوزارة الخارجية، ووزيرا منتدبا للشؤون الخارجية والتعاون، إضافة إلى خبرات في أمريكا اللاتينية وأوروبا وإفريقيا. وهو حاصل على إجازة في العلوم الاقتصادية من جامعة محمد الخامس بالرباط ودبلوم في التدبير من جامعة بوسطن، ما يجعل تعيينه في واشنطن نتيجة تراكم خبرة وثقة ملكية.
المقال المثير للجدل تجاوز النقد السياسي إلى استهداف شخصي، عبر ربط مواقف زوجته، الكاتبة والأكاديمية أسماء المرابط، بأدائه الرسمي، في خلط مرفوض بين الآراء الشخصية لأفراد عائلات المسؤولين ومهامهم الرسمية. تحميل السفير مسؤولية منشورات أو تصريحات شخصية دون دليل على تأثيرها في عمله يعد تجنيًا إعلاميًا يناقض معايير الصحافة المهنية.
كما قدم الكاتب قراءة مبسطة للموقف المغربي من القضية الفلسطينية، وكأنه انحياز أحادي، متجاهلًا أن الدبلوماسية المغربية تقوم على مبدأ التوازن بين دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والحفاظ على قنوات تواصل فاعلة مع مختلف الأطراف، وهو نهج رسخته المملكة تاريخيًا عبر الوساطة وبناء الجسور.
ردود فعل حاسمة
وفي مواجهة هذه الحملة، خرج عدد من الأكاديميين المغاربة للدفاع عن السفير المغربي، معتبرين أن استهدافه ليس سوى محاولة لضرب صورة المغرب وسيادته الدبلوماسية، من بينهم الأستاذة الجامعية والحقوقية، لطيفة بوحسيني، التي اعتبرت في تدوينة على صفحتها في منصفة “فيسبوك” أن إخراج ورقة معاداة السامية في وجه سفير مغربي من طرف من وصفته بـ’صهيانتنا’، “عدا كونه بلادة وكسلًا فكريًا عضالًا، هو دليل وجود أعداء للمغرب من داخله”.
من جهته، أوضح الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي أن يوسف العمراني سفير معتمد من لدن الملك، وفق الفصل 55 من الدستور، وهو ما يعني أنه يمثل السيادة المغربية في أقوى دولة في العالم، ويتوفر على مؤهلات دبلوماسية وأخلاقية عالية.
واعتبر الشرقاوي أن “استهدافه باتهامات معاداة السامية هو اتهام للدولة المغربية نفسها”، مشيرًا إلى أن علاقة المغرب باليهود تاريخية ودستورية، وأن المغرب بنى مجده على التعايش واحترام الأديان والسلام.
وفي السياق ذاته، أشار رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية محسن الندوي إلى أن كاتب المقال يتبنى رؤية توراتية متعصبة تسعى للترويج لما يسمى “حق اليهود في إقامة إسرائيل الكبرى”، في محاولة بائسة للنيل من السمعة المتميزة للسفير المغربي داخل الأوساط الإعلامية اليهودية الأمريكية.
أما الصحفي مصطفى الفن، فذهب أبعد من ذلك، معتبرا أن “وصول الأمور إلى حد اتهام المغرب بتعيين سفير معادٍ للسامية في أمريكا، يعني أن بعض الصهاينة المغاربة غير اليهود صاروا يتمتعون بحصانة عابرة للحدود”، لافتا إلى أن الخطر الأكبر على الأمن القومي المغربي ليس في الأصوات المنتقدة لسياسات إسرائيل فحسب، بل في تصريحات تستهدف قرارات ملكية وتمس بالوطن وبالوطنيين.
وحذر الفن من أن التهم الموجهة للعمراني وزوجته، أسماء المرابط، تحمل حساسية خاصة في الأوساط الإسرائيلية واليهودية، وربما تنطوي على رسائل تتجاوز التشهير إلى محاولة التأثير على القرارات السيادية للملك.