رأي

المبادرة الأطلسية المغربية تحويل اقتصادي شامل لدول الساحل

المبادرة الأطلسية المغربية تحويل اقتصادي شامل لدول الساحل

تواجه دول الساحل الإفريقي تحديات بنيوية مزمنة، تتمثل في ضعف البنية التحتية، وعزلة جغرافية خانقة، وانعدام قنوات فعالة لتصدير الموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز، نحو الأسواق العالمية. هذه الإكراهات تثقل كاهل اقتصادات المنطقة، وترفع بشكل كبير من كلفة التبادل التجاري والتنمية المستدامة. وفي هذا السياق، تبرز المبادرة الأطلسية المغربية كخيار استراتيجي طموح يسعى إلى تجاوز هذه العقبات من خلال ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، مما يفتح آفاقا واعدة أمام التكامل الاقتصادي، وجعل المنطقة فضاء جديدا للاستثمار والتعاون جنوب–جنوب، قائم على التضامن والتنمية المشتركة.

تأتي المبادرة الأطلسية المغربية في سياق دولي وإقليمي مضطرب، فبالإضافة للحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الهمجية الإسرائيلية على قطاع غزة، شهدت منطقة الساحل وجنوب الصحراء انقلابات وتغييرات في الأنظمة السياسية. وهذه المنطقة عبارة عن شريط صحراوي طوله ثلاثة ملايين كيلومتر، ظلت تاريخيا ساحة نفوذ فرنسية، ومجالا حيويا لها لا يمكن الاقتراب منه، وبعد استقلال دولها، بقيت مرتبطة ارتباطا سياسيا وأيديولوجيا وثقافيا بالدولة الفرنسية، وهذا من خلال الاتفاقيات السياسية والأمنية والثقافية، في إطار سياسة إفريقيا الفرنسية.

وتثير الاحتجاجات التي شهدتها عدة دول إفريقية خلال العامين المنصرمين ضد التواجد والنفوذ الفرنسيين فيها بدءًا من مالي، مرورا ببوركينا فاسو، ووصولا إلى النيجر مؤخرا، تساؤلات عدة حول مدى استجابة فرنسا لهذه المطالب المتعلقة بإنهاء وجودها العسكري من أساسه، خاصة بعد فشل باريس في تحقيق الأمن المنشود في منطقة الساحل الإفريقي في مواجهة الجماعات المسلحة، فضلا عن دعم فرنسا لنظم سياسية فقدت شرعيتها، وهو ما حدا بفرنسا إلى سحب بعض قواعدها العسكرية من تلك الدول. 

والسؤال هنا. هل الانسحاب الفرنسي العسكري استراتيجي؟ مما يعني انتهاء العلاقة مع هذه الدول بشكل دائم، أم أنه تكتيكي؟ بمعنى أن الانسحاب لا يعني انتهاء النفوذ وتسليم إفريقيا على طبق من ذهب للمنافسين الدوليين التقليديين؛ كبريطانيا والولايات المتحدة، أو الجدد مثل الصين وروسيا وتركيا؟ في خضم كل ذلك تأتي المبادرة الأطلسية المغربية، لتعطي مخرجات عملية وتؤسس لعلاقات بين-إفريقية، قوامها التكامل وفق منطق رابح/رابح.

أهدافها هده المبادرة :

يمكن تحديدها  من خلال أهم مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء :

إذا كانت الواجهة المتوسطية تمثل حلقة الوصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية تعتبر بوابة المغرب نحو إفريقيا ونافذة انفتاحه على العالم الأمريكي. الغاية من المبادرة تحويل الواجهة الأطلسية إلى مساحة للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، ومنارة للتأثير على المستويين القاري والدولي.

تيسير الاتصال والربط بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي، وتوفير وسائل النقل والمحطات اللوجستية اللازمة، بالإضافة إلى التخطيط لإنشاء أسطول بحري تجاري وطني قوي وتنافسي.

الاستمرار في العمل نحو تطوير اقتصاد بحري يعزز من تنمية المنطقة ويخدم سكانها. إقامة اقتصاد متكامل يستند إلى تطوير استخراج الموارد الطبيعية في أعماق البحار، وتعزيز الاستثمار في مجالات مثل: الصيد البحري، وتحلية مياه البحر، لتعزيز الزراعة، وتقوية الاقتصاد الأزرق، ودعم الطاقة المتجددة.

الدعوة إلى تبني استراتيجية خاصة بالسياحة الأطلسية تستغل الإمكانيات الواسعة للمنطقة بهدف تحويلها إلى وجهة سياحية بارزة للسياحة الشاطئية والصحراوية. من أجل ذلك، وضع المغرب بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول، بغرض تمكينها من الولوج إلى المحيط الأطلسي، للاستفادة من مقدراتها الكامنة. بيد أن نجاح هذه المبادرة يبقى مرهونا بتأهيل البنية التحتية في دول الساحل، والسعي إلى ربطها بشبكات النقل وتعزيز اتصالها بمجالها الإقليمي، ورفع التحديات المطروحة.

 التحديات والرهانات

تعد منطقة الساحل الإفريقي من أكثر المناطق هشاشة في العالم، نظرا لتراكم عدد من التحديات البنيوية والجيوسياسية والتنموية، التي تعيق جهود الاستقرار والنهوض الاقتصادي. فمن الناحية الجغرافية، تعاني دول مثل مالي، النيجر، بوركينا فاسو، وتشاد من كونها حبيسة، أي بدون منفذ مباشر إلى البحر، مما يجعلها رهينة للطرق البرية الطويلة والمكلفة من أجل الوصول إلى الأسواق الخارجية.أما على المستوى السياسي، فتعاني المنطقة من انقلابات متكررة، وضعف الثقة  في المؤسسات الدولة، وتنامي الحركات الانفصالية، إضافة إلى انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة العابرة للحدود، مثل تنظيمي “القاعدة” و”داعش” و ” البوليساريو “، ما يجعل الأمن والاستقرار تحديا دائما أمام أي مشروع تنموي.

أضف إلى ذلك ضعف الناتج الإجمالي المحلي لمجموعة الدول، مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا، حيث يبلغ أقل من 78.182 مليار دولار، وهو ما يعادل الناتج الإجمالي المحلي لدولة غانا في غرب إفريقيا.

•    ارتفاع نسبة الأمية في دول المجموعة، حيث يبلغ معدلها 83% في النيجر على سبيل المثال، وتعد نسب الأمية في دول التجمع من أعلى المعدلات عالميا

•     النيجر وتشاد ومالي تأتي في قائمة أفقر 15 دولة في العالم، بل إن النيجر تعتبر أفقر دولة في العالم، حيث يقع ثلاثة أرباع سكان دول المجموعة في خانة الفقراء، وتتراوح نسبة السكان التي تعيش تحت خط الفقر بين 43% و 54%.

•     تتسم المنطقة اليوم بتزايد سكاني كبير، مع توقعات بأن يبلغ تعداد سكان مجموعة دول الساحل الخمس (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر)، والذي يتخطى 80 مليون نسمة حاليا، 200 مليون نسمة بحلول أواسط خمسينيات الألفية الثالثة. 

•     تعاني دول المنطقة من تداعيات التغير المناخي، الذي يسبب في المناطق الريفية حالات متزايدة من الجفاف والفيضانات وانحسار التربة الذي يهدد سبل العيش الزراعية ويساهم في النزوح القسري. 

•     هشاشة البنية السياسية والاقتصادية والأمنية، في ظل غياب أنظمة ديمقراطية.

•     تهافت القوى الكبرى على المنطقة واعتبارها ساحة للتنافس فيما بينها.

وفي ضوء هذه التحديات، يمكن القول بأن نجاح المبادرة الأطلسية المغربية رهين بمراعاة تلك التحديات ومحاولة تجاوزها.

الرهان الاقتصادي: 

يتمثل في إقامة علاقات بينية على أساس رابح/رابح، حيث إن المنطقة ذات أهمية اقتصادية، مع كونها تزخر بالثروات المعدنية مثل: البترول، والذهب، واليورانيوم، والفوسفات. إذ تصدر تشاد من النفط ما يقارب 200 ألف برميل يوميًا، وتعتبر مالي ثالث منتج إفريقي للذهب بعد جنوب إفريقيا وغانا، وتتميز النيجر بكونها ثالث دولة مصدرة لليورانيوم في العالم بعد أستراليا وكندا، وتحتل النيجر المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج اليورانيوم بنسبة 8.7% من الإنتاج العالمي، وتغطي ما نسبته 12% من احتياجات الاتحاد الأوروبي، كما تشير الدراسات إلى أن تشاد والنيجر تتمتعان بثروة بترولية هائلة.

و بالموازاة مع هذه الإمكانات الهائلة، تتميز دول المنطقة بهشاشة بنيوية في اقتصاداتها، مما ينعكس سلبا على نسب النمو والدخل الفردي لشعوبها.

وعلى ضوء هذه المعطيات، تبرز لنا الإمكانيات الكبيرة التي تزخر بها دول الساحل الإفريقية، من جهة، ومن جهة ثانية، ضعف أثر ذلك على شعوبها، بالإضافة لضعف البنية التحتية وعدم إطلالة دولها (التشاد والنيجر ومالي وبوركينافاسو) على مجال بحري، وهذا ما يعطي للمبادرة المغربية رجاحتها، حيث أهمية البنية التحتية التي يتمتع بها المغرب والإمكانات اللوجستية التي تزداد بالواجهة البحرية الأطلسية، التي تزخر بموانٍ بحرية بمعايير دولية .

بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية، تعتبر منطقة الساحل أيضا منطقة استراتيجية، فإذا كانت القوى العظمى الدولية تستثمر اهتمامها بالساحل الإفريقي انطلاقا من التهديدات الأمنية الموجودة فيه، فإنه لا يمكن التغاضي عن البعد الجيو-استراتيجي للساحل الإفريقي ومنطقة الصحراء وما تشكله من أهمية بالنسبة لسياسات القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا والصين.

في الختام، تجسد المبادرة الأطلسية المغربية رؤية استراتيجية جديدة تراهن على التكامل الإفريقي جنوب–جنوب، وتقديم المغرب كفاعل موثوق به في القارة. ورغم التحديات البنيوية والسياسية التي تواجه دول الساحل، فإن الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة والفرص الجيوسياسية التي تتيحها المبادرة، تجعل منها فرصة تاريخية لإعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي وتأسيس نموذج تنموي بديل يضع الإنسان في صلب العملية التنموية.

باحث في السياسة الدولية والدبلوماسية-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News