رهان الانتخابات الجماعية في ظل الاستعداد الترابي لكأس العالم 2030

في سياق الاستعداد للاستحقاقات الجماعية المقبلة سنة 2026، التي ستفرز تشكيل مجالس منتخبة ستدبر رهان الاستعداد الترابي لكأس العالم 2030، وبعد مرور عشر سنوات على دخول القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية حيز التنفيذ سنة 2015، يبرز من جديد سؤال الحصيلة والإشكاليات التي ما زالت تعيق تنزيل الديمقراطية المحلية على الوجه المأمول. فلئن شكلت القوانين التنظيمية للجماعات (القانون التنظيمي رقم 113.14)، والعمالات والأقاليم (القانون التنظيمي رقم 112.14)، والجهات (القانون التنظيمي رقم 111.14) منعطفا تشريعيا مهما في مسار ترسيخ الجهوية المتقدمة وتكريس مبادئ التدبير الحر والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
فخلال العقد الأخير، شهدت المجالس المنتخبة تطورا من حيث بنية الاختصاصات وتوزيع الصلاحيات، كما تم تعزيز الترسانة القانونية المنظمة للتدبير المحلي. فعلى المستوى المؤسسي؛ تم تكريس أدوار جديدة لرؤساء الجماعات الترابية، وتوضيح العلاقة بين المجالس المنتخبة والإدارة الترابية. كما اتسمت المرحلة بتوسيع مجالات تدخل الجماعات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما ساهم في بروز مشاريع مهمة على مستوى البنية التحتية، والتهيئة الحضرية، والخدمات الأساسية.
ورغم هذه الإيجابيات، فإن سؤال الجدوى يظل مطروحا بقوة، خاصة في ضوء استمرار عدد من الاختلالات التي تمس جوهر الديمقراطية المحلية وتؤثر سلبا على جودة تدبير الشأن العام الترابي.
من جهة أخرى، فلئن كانت الانتخابات الجماعية تعد محطة أساسية في البناء الديمقراطي المحلي، فإن التجربة أبانت عن ضعف في التفاعل الشعبي مع هذه العملية، نتيجة عوامل متعددة، أبرزها؛ ضعف ثقة المواطن في النخب المحلية، بفعل تكرار نفس الوجوه، وعدم وجود بدائل حقيقية. إضافة لاستمرار هيمنة الاعتبارات القبلية والمصلحية على حساب الكفاءة والبرامج. وكذا محدودية ثقافة المحاسبة، نتيجة صعوبات في تفعيل آليات الرقابة الداخلية والخارجية على المجالس المنتخبة، وهو ما يضعف من مردودية الانتخابات كأداة للتغيير وتحقيق التنمية المندمجة.
ورغم ما تحمله القوانين التنظيمية للجماعات الترابية من طموح في تنزيل الجهوية المتقدمة، فإن واقع الحال يكشف عن فجوة بين النص والممارسة. حيث يمكن اختزال أبرز الإشكاليات في ضعف الموارد المالية والبشرية للجماعات الترابية، ما يجعلها عاجزة عن تنفيذ مشاريعها أو حتى الحفاظ على الاستمرارية في الخدمات. وكذا تداخل الاختصاصات بين الفاعلين الترابيين والقطاعات الوزارية، مما يفرز تنازعات في المجال ويساهم في تعطيل المشاريع. ينضاف إلى ذلك ضعف الكفاءة الإدارية والتقنية للمنتخبين، ما يؤدي إلى ارتجال في اتخاذ القرار وغياب التخطيط الاستراتيجي. وأخيرا غياب ثقافة التقييم والشفافية، مما يجعل من الصعب الوقوف على مدى فعالية السياسات المحلية.
ولا يمكن الحديث عن جماعات ترابية قوية دون ربط ذلك بقدرتها على خلق مناخ جاذب للاستثمار. حيث إن عددا من الجماعات ما زالت تعاني من غياب رؤية اقتصادية واضحة ومندمجة. وضعف البنيات التحتية والخدمات الأساسية، خاصة في العالم القروي. وهو ما يعيق دينامية الاستثمار ويقيد فرص التشغيل والتنمية المستدامة على المستوى المحلي.
ولمعالجة هذه التحديات، لابد من مقاربة شمولية، تجمع بين الإصلاح التشريعي، وبناء القدرات، وتجويد الممارسة السياسية، وذلك من خلال تبني المداخل التالية:
– مراجعة القوانين التنظيمية بشكل يبسط مساطر التدبير المحلي ويمنح صلاحيات واضحة للرئيس والمجلس.
– تعزيز كفاءة المنتخبين من خلال التكوين المستمر وربط الترشح بحد أدنى من المؤهلات.
– ضرورة تفعيل آليات المحاسبة والرقابة، بما في ذلك دور القضاء الإداري والمالي والمجتمع المدني في هذا الموضوع.
– إصلاح المالية المحلية، عبر توسيع وعاء الجبايات المحلية وتحسين التحصيل، وإحداث آليات للتضامن بين الجماعات.
– تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، في إطار تعاقدي شفاف لتحقيق التنمية الترابية.
ختاما يمكن التأكيد على أن مرور عشر سنوات على دخول القوانين التنظيمية للجماعات الترابية حيز التنفيذ، يشكل مناسبة للتقييم الموضوعي بعيدا عن الخطاب الرسمي المتفائل أو النقد العدمي. فالانتخابات الجماعية ليست فقط لحظة اقتراع، بل هي مناسبة لإعادة التفكير في النموذج الديمقراطي المحلي، وبناء مؤسسات ترابية قوية، فعالة، وذات مصداقية، قادرة على الاستجابة لتطلعات المواطنين وتحديات التنمية.
باحث في التدبير الترابي-