المحكمة الدستورية تجيز منع اللافتات بـ”النواب” وعدم إلزام الحكومة بحضور اللجان

أقرت المحكمة الدستورية عددا من مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب على إثر تعديله، وعلى رأسها منع رفع اللافتات والاحتجاج والاعتصامات داخل المجلس، إضافة إلى عدم إلزام الحكومة بحضور اجتماعات اللجان لدراسة مقترحات القوانين.
ومن جهة أخرى صرحت المحكمة الدستورية، في قـرارها رقـم: 256/25م.د، الذي اطلعت عليه جريدة “مدار21″، بعدم دستورية التنصيص على حق النواب بتعديل مشروع القانون القاضي بالمصادقة على المرسوم بقانون، وكذا تقييد النواب لحق الحكومة في نشر الأجوبة الكتابية.
منع اللافتات وتقييد الرأي
وأوضحت المحكمة الدستورية أن إدراج المقتضيات المتعلقة بإضافة عبارات لتوضيح كيفية إبداء الرأي والامتناع عن رفع لافتات خلال اجتماعات اللجان والجلسات العامة، أو القيام باحتجاجات أو اعتصامات داخل مقر مجلس النواب، ليس فيه ما يخالف الدستور.
وعللت المحكمة قرارها بأن توضيح إبداء الرأي بالتعبير الشفوي أو الكتابي “لا ينطوي على مصادرة للحق في التعبير، وإنما هو تنظيم له بهدف ضمان حسن سير اجتماعات وجلسات المجلس”، مضيفة أن “رفع اللافتات الاحتجاجية أو التوضيحية، من شأنه أن يؤدي إلى إرباك اجتماعات اللجان الدائمة أو الجلسات العامة”، ولهذا “فإن منعه لا يتعارض مع نجاعة العمل البرلماني، الذي يلزم النائبات والنواب بالانخراط الفعلي والفعال في جميع الأنشطة التي يقوم بها المجلس سواء على مستوى اللجان الدائمة أو الجلسات العامة مع احترام الضوابط التي تحكمها، الأمر الذي يبرر هذا المنع”.
وشددت المحكمة الدستورية على أن “مقر البرلمان مخصص لأداء الوظيفة التشريعية والرقابية، التي تقتضي الانضباط واحترام النظام الداخلي لكلا مجلسيه، وأن منع القيام باعتصامات داخل مقر مجلس النواب من طرف أعضائه، يدخل ضمن حدود التنظيم لهذا المنع بما يحقق التوازن بين حق أعضاء هذا المجلس في إبداء الرأي وبين متطلبات النظام والانضباط داخل المؤسسة البرلمانية بشكل يكفل انتظام العمل البرلماني”.
حسم جدل انسحاب المعارضة
وبخصوص إضافة اختصاصين للجنة الأخلاقيات لضمان تطبيق مقتضيات النظام الداخلي الخاصة بمدونة الأخلاقيات البرلمانية، ليس فيه ما يخالف الدستور، لأن اقتراحاتها المتخذة في إطار هذين الاختصاصين أو في حالة عرض الأمر عليها من طرف رئيس مجلس النواب “تبقى غير نهائية، إذ لابد من عرضها على مكتب هذا المجلس باعتباره الجهة التي تسهر على حسن تطبيق مقتضيات المدونة سالفة الذكر”.
وبخصوص التنصيص على تعيين مكتب المجلس رئيسا ومقرراً لمجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة أحدهما من المعارضة، وفي حالة شغور أحد هذه المناصب، لأي سبب من الأسباب، يسنده لعضو آخر من أعضاء المجموعة داخل أجل لا يتعدى 15 يوما، رأن المحكمة الدستورية أنه أجل معقول ومناسب بما يضمن استمرارية الأشغال المشار إليها، “لكن بشرط التقيد بإسناد المنصب الذي كانت المعارضة تشغله داخل مجموعات العمل الموضوعاتية المؤقتة، أو بمناسبة إنجاز المهمة الاستطلاعية المؤقتة، لنائبة أو نائب منها، لتمكينها من النهوض بمهامها على الوجه الأكمل طبقا لأحكام الفصل 10 من الدستور”.
وبخصوص التنصيص على استمرار أشغال اجتماعات اللجان الدائمة والجلسات العامة في حالة انسحاب أحد مكونات المجلس الأساسية، أكدت المحكمة الدستورية أنه “ليس فيها ما يخالف الدستور”، لأن “الدستور، وإن كان لا يمنع صراحة الانسحاب من أشغال اللجان الدائمة والجلسات العامة باعتباره يندرج ضمن استكمال التعبير السياسي المكفول لأعضاء البرلمان ويعكس الطابع التعددي للنقاش البرلماني، فإن ضبطه في النظام الداخلي عن طريق السماح به مع استمرار أشغال اللجان الدائمة والجلسات العامة لمجلس النواب، يبقى جائزا”.
واشترطت المحكمة أن يكون الانسحاب “مبررا ومؤقتا للتعبير عن موقف سياسي مشروع وألا يفضي إلى تعطيل سير العمل البرلماني، وألا يكون بديلا عن المبدأ الدستوري الذي يلزم أعضاء البرلمان بالمشاركة الفعلية التي لا ينبغي أن تقتصر على الحضور الجسدي فحسب، بل ينبغي أن تشمل الإسهام الفعلي في النقاشات وتقديم الاقتراحات والتعديلات، بما يعكس درجة الالتزام والمسؤولية الفعلية لأعضائه قصد إعطاء المصداقية للعمل البرلماني”، إضافة إلى أن المقتضيات لم تحصر فعل الانسحاب على المعارضة بل جعلته يشمل كافة أعضائه كما أن المقتضى لم يقرن بجزاءات تأديبية تشكل مساسا بحقوق أعضاء مجلس النواب.
دراسة المقترحات في غياب الحكومة
وأقرت المحكمة ذاتها التنصيص على حق أعضاء مجلس النواب في تناول الكلمة في نهاية الجلسة الأسبوعية المخصصة للأسئلة الشفهية للتحدث في موضوع عام وطارئ يستلزم إلقاء الضوء عليه وإخبار الرأي العام الوطني به، والتأكيد على أن برمجة هذا الموضوع تكون باتفاق مع الحكومة التي يمكنها عند الاقتضاء الإدلاء بمعطيات إضافية كتابة لدى رئيس مجلس النواب.
وبخصوص برمجة دراسة مقترحات القوانين بعد القيام بكافة الإجراءات المتعلقة بالمسطرة التشريعية، رغم عدم حضور الحكومة لاجتماعات اللجان، أفاد قرار المحكمة الدستورية أنه ليس فيه ما يخالف الدستور، مشيرة إلى أن المدلول اللغوي للأحكام القانونية “لا ينطوي صراحة على صيغة الإلزام، بل يفتح أمامها باب التخيير ضمنيا، وبالتالي فإن حضور الحكومة لا يعد شرطا جوهريا يترتب على تخلفه بطلان المسطرة التشريعية أو توقفها، طالما أنه لم يثبت أن عدم حضورها نجم عنه مساس بحقها في إبداء رأيها بخصوص مقترحات القوانين المبرمجة”.
واعتبرت المحكمة الدستورية تنصيص النظام الداخلي على عدم عرض التعديلات التي تغيب أو انسحب أصحابها من الجلسات العامة إجراء غير مخالف للدستور، مفيدة أن “اشتراط الحضور لعرض هذه التعديلات حسب الحالة، لا يعد تقييداً لحق التعديل، وإنما هو محفز لصاحب التعديلات على تحمل مسؤوليته في الدفاع عنها أثناء مناقشتها بكيفية جدية وفعالة والتصويت لصالحها أو سحبها”.
مشاريع المراسيم ونشر الأجوبة
وفي شأن المقتضيات التي نصت على أنه “تتولى اللجنة بحضور ممثل الحكومة، دراسة المشروع وتعديله والتصويت عليه بغية التوصل إلى اتفاق مع الحكومة بشأنه خلال نفس اليوم”، أكدت المحكمة أنها غير مخالفة للدستور لأن إحالة مشروع المرسوم بقانون من طرف الحكومة، لا تحصر دور اللجنة المختصة في مجلس النواب في مجرد الاطلاع أو الاستماع، بل تعطيها حق تعديل هذا المشروع تفعيلا لدورها التشريعي، كما أن التنصيص على أن هذه العملية يجب أن تتم خلال نفس اليوم، “لا يخل بالأجل الدستوري المحدد في ستة أيام”.
وبخصوص ما تم التنصيص على تخويل مجلس النواب حق تعديل مشروع القانون القاضي بالمصادقة على المرسوم بقانون دون الأخذ بعين الاعتبار المسطرة الخاصة المقررة دستوريا لإصدار المرسوم بقانون؛ فقد اعتبرت أنه “غير مطابقة للدستور”.
وبخصوص التنصيص على تذكير رئيس الجلسة بكل تغيير يخص إعادة ترتيب القطاعات الحكومية المبرمجة للنقاش خلال جلسة الأسئلة، ليس فيها ما يخالف الدستور لأنه “محض تنظيم لضمان تنسيق أفضل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية باعتبار رئيس الجلسة هو المسؤول عن حسن سيرها، ومن جهة أخرى، أن حذف أجل أربع وعشرين ساعة عند طلب تأجيل السؤال إلى جلسة لاحقة يحقق مرونة أكبر لصاحبه الذي يريد الاحتفاظ بالطابع الشفوي لسؤاله حتى لا يحرم من إلقائه”.
وحول تأكيد النظام الداخلي على ضرورة مراعاة مضمون أجوبة الحكومة قبل نشرها بالجريدة الرسمية ومدى احترامها لمقتضيات القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، اعتبرت المحكمة أنه ليس فيه ما يخالف الدستور، كونه “يروم عقلنة عملية نشر الأسئلة الكتابية لأعضاء مجلس النواب وأجوبة أعضاء الحكومة عنها في الجريدة الرسمية للبرلمان، ضمانا لنجاعة عمله”.
أما بخصوص التنصيص على اشتراط الموافقة الكتابية لعضو مجلس النواب على نشر مضمون أجوبة الحكومة على الأسئلة الكتابية في الجريدة الرسمية، فاعتبرت المحكمة أنه “غير مطابق للدستور”، معللة ذلك بأنه “يحدّ من إمكانية نشر أجوبتها في هذه الجريدة، ويمنح أعضاء مجلس النواب سلطة تقديرية على نشر معلومة تخص الغير”، ولأن أحكام الفقرة الأولى من الفصل 69 من الدستور، التي تقر استقلال مجلس النواب بوضع نظامه الداخلي، لا تُسَوّغ له أن “يضمن هذا النظام ما يقيد الغير، دون سند من الدستور”.