الحرائق تلتهم الواحات وتَفرُّج “وزارة الفلاحة” يُهدِّد بتحولها لمقابر وأطلال

تشهد عدد من واحات جنوب المملكة والجنوب الشرقي حرائق تأتي على هكتارات مهمة من أشجار النخيل نتيجة “فوضى” تدبير المجال الواحي، وهو ما يرفع تخوفات مهتمين بالشأن البيئي من تعرض هذه المناطق الحيوية لخطر تحولها لـ”مقابر وأطلال”.
وتشكل الواحات مُكوناً حيوياً في البنية الإيكولوجية والتوازن البيئي لعدد من القرى والجماعات في مناطق الجنوب والجنوب الشرقي للممكلة، بفضل ما تتيحه من فرص تنموية مهمة لاقتصادها المحلي وحمايتها لوسط وشمال المملكة من زعف الرمال والتصحر، إلا أنها أصبحت خلال السنوات الأخيرة معرضة بشكل كبير لخطر الاندثار بسبب توالي الحرائق.
ويتساءل متتبعون للشأن البيئي عن أثر ملايير الدراهم التي تصرف من أجل تنمية وتدعيم المجال الواحي والاستراتيجيات التي تضعها وزارة الفلاحة على امتداد سنوات لصيانة هذه الفضاءات الحيوية التي تشكل قرابة 15 في المئة من إجمالي مساحة المغرب من خطر الحرائق الذي يهدد استقرار أهلها ومستقبل نشاطها.
جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة، قال إن “ظاهرة خطيرة وجديدة وغريبة تعرفها واحات لم يسبق للمجال الواحي أن عرفها من قبل، وهي ظاهرة الحرائق”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “الحرائق من التحديات البيئية التي يواجهها مكون الواحات في منظومة إيكولوجية فريدة تمثل أكثر 15 في المئة من المساحة الجغرافية للمغرب بأدوار اقتصادية واجتماعية مهمة”.
وأضاف أقشباب، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “الواحات لا تخدم مناطق جنوب المغرب والجنوب الشرقي للمملكة وإنما تشكل حزاماً أخضر لمناطق وسط وشمال المغرب، وحامية له من زحف الرمال وظاهرة التصحر ورياح الشرقي”.
وأورد المتحدث ذاته أن “مجال الواحات، وبسبب عوامل كثيرة، في مقدمتها الحرائق، عرف تدهوراً كبيراً وغير مسبوق يهدد مستقبل هذه الفضاءات الإيكولوجية الحيوية”، مشيراً إلى أن “الواحات تحولت إلى مقابر واسعة وأطلال”.
وفي ما يتعلق بالعوامل التي تفسر هذا التدهور، أوضح الفاعل البيئي عينه أنها “متعددة منها ما هو بيئي ومناخي وفي مقدمتها الجفاف وقلة التساقطات وارتفاع درجات الحرارة”، مستدركا أن “هناك أيضا أسباب متعلقة بالتدبير والسياسات العمومية الفلاحية التي تهمل المجال الواحي من خلال غياب أي استراتيجية لتنمية وتجديد وتأهيل هذه المناطق الحيوية”.
ولفت المصدر ذاته أن “عددا من سكان هذه المجالات الحيوية اضطروا إلى هجرة هذه الواحات بسبب غياب أي برامج لتأهيلها أو دعم لفلاحيها من أجل الاستمرار في استغلالها وبالتالي يصبح مصيرها الحتمي هو الاندثار”، مشددا على أن “استنزاف الفرشة المائية هو الآخر عامل رئيسي في تدهور الواحات وتحولها إلى مقابر ومجال معرض للحرائق بشكل مستمر”.
ومن بين أسباب تعرض هذه المجالات لخطر الحرائق، سجل المصدر ذاته أنه “لا يعقل أن تغيب استراتيجية واضحة تخص نظافة المجال الواحي”، مؤكدا أن “استمرار هذه الفوضى يزيد من احتمال وقوع الحرائق بشكل أكبر”.
وبخصوص انعكاس هذه الحالة المؤسفة للواحات على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والبيئي لها، أوضح أقشباب أن “التعامل باستخفاف مع الموت البطيء للمجال الواحي والحرائق التي تقلص مساحاتها سنة بعد الأخرى يؤدي إلى هلاك عدد كبير من أشجار النخيل التي تنتج كميات كبيرة من التمور وتشكل المجال المهم للاقتصاد المحلي”.
وتساءل الناشط في القضايا البيئية عن سبب عدم استفادة فلاحي هذه المجالات من أي دعم تتيحه الصناديق العمومية وفي مقدمتها صندوق التأمين ضد الكوارث الطبيعية، مشددا على أن “هذا الواقع المؤلم يجعلنا نتساءل عن طريقة وحقيقة صرف ملايير الدراهم لتنمية الواحات دون أي أثر ملموس”.
واعتبر أقشباب أن “الحل الأنجع لإنهاء هذه الأزمة هو وضع استراتيجية مفصلة لتجديد أشجار النخيل وإزالة الأشجار الهالكة التي تزيد من احتمال وقوع حرائق وتفادي كل ما يستنزف الفرشة المائية لمناطق الواحات بالإضافة إلى توفير دعم مهم للفلاحين من أجل تعزيز هذا النشاط الفلاحي”.