اقتصاد

ضعف المحتوى التكنولوجي للصادرات المغربية يفاقم عجز الميزان التجاري

ضعف المحتوى التكنولوجي للصادرات المغربية يفاقم عجز الميزان التجاري

كشفت أحدث بيانات مكتب الصرف أن عجز الميزان التجاري المغربي تفاقم بنسبة 22,1 بالمئة متم فبراير الماضي، ليصل إلى 50,74 مليار درهم، ما يكشف عن كون هذا العجز قد صار هيكلياً ومزمناً بالرغم من النمو الإيجابي للصادرات المغربية وتنوعها.

وشهدت التجارة الخارجية للمغرب خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 2024 نموا ملحوظًا، حيث ارتفعت من 858 مليار درهم إلى ما يزيد عن 1.217 مليار درهم. ورغم هذا النمو المثير على مستوى القيم الإجمالية، فقد رافقه اختلال بنيوي مقلق، تمثل في تفاقم العجز التجاري الذي انتقل من 199 مليار درهم سنة 2021 إلى ما يقارب 305 مليارات درهم سنة 2024.

“يُعزى هذا التدهور بالأساس إلى تسارع وتيرة الواردات، خصوصًا من المنتجات الطاقية والمواد الوسيطة، بوتيرة فاقت بكثير تطور الصادرات، رغم ديناميتها القطاعية” يوضح الخبير الاقتصادي ادريس الفينا.

واعتبر أن العجز التجاري المغربي “لم يعد ظرفيًا بل أضحى بنيويًا”، وتكمن مفاتيح تجاوزه في ثلاثية مترابطة: التحكم الصارم في الواردات الطاقية، وتعزيز التصنيع عالي القيمة المضافة، وإعادة هيكلة خارطة الشراكات التجارية نحو أسواق جديدة واعدة، خاصة في إفريقيا.

وأوضح رئيس “المركز المستقل للدراسات الاستراتيجية” أن الاقتصاد المغربي أصبح أكثر تبعية للاقتصاد العالمي، إذ “يكشف تحليل معدل انفتاح الاقتصاد المغربي، الذي يُقاس بنسبة مجموع الصادرات والواردات إلى الناتج الداخلي الخام، عن ازدياد تبعية المغرب للاقتصاد العالمي، فقد ارتفع هذا المعدل من 71.9 بالمئة سنة 2021 إلى ذروته البالغة 85.8 بالمئة سنة 2022، قبل أن يستقر عند مستوى 77.7 بالمئة في سنة 2024”.

كما أورد الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي أن هذا الانفتاح يعكس اندماج المغرب في سلاسل التجارة العالمية، ومن جهة أخرى هشاشته البنيوية تجاه الصدمات الخارجية، لا سيما تلك المرتبطة بالطاقة وسلاسل الإمداد والأسواق الدولية.

وبالرغم من إظهار عدة قطاعات تصديرية قدرة عالية على الصمود وآفاقًا إيجابية، على غرار الفوسفاط ومشتقاته وصناعة السيارات، مع انتعاش ملحوظ في الصناعات الغذائية والطيران والنسيج والإلكترونيات، إلا أن صادرات المغرب ما زالت تفتقر إلى محتوى تكنولوجي عال، وإدماج أعمق في سلاسل القيمة العالمية، يؤكد الفينا.

ولاحظ أن التبعية الطاقية تظل نقطة الضعف الأساسية، فقد تجاوزت الفاتورة الطاقية في سنة 2022 عتبة 150 مليار درهم، ما يعادل نصف العجز التجاري تقريبًا، في وقت لا تزال مشاريع الانتقال الطاقي نحو المصادر البديلة في مراحلها الأولية.

وبالنظر إلى آفاق الفترة 2025–2027، يمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات استراتيجية محتملة، وفقا للخبير، أولها السيناريو القائم على الاستمرارية، والذي يفترض بقاء الديناميكيات الحالية دون تغييرات جوهرية. بحيث تبقى الواردات الطاقية مرتفعة، وتواصل الصادرات النمو وفق إيقاع معتدل، مع عجز تجاري يتراوح بين 300 و340 مليار درهم، ومعدل انفتاح يفوق 78%، و”هذا السيناريو يعكس استمرار الوضع القائم دون إصلاحات حقيقية”.

في المقابل، يطرح السيناريو الثاني فرضية “الاستدراك الاستراتيجي”، حيث يتم تقليص الفاتورة الطاقية تدريجيًا بفضل تطوير الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والغاز الطبيعي المسال. كما يتم دعم الصادرات بسياسات صناعية هادفة وشراكات تجارية جديدة. وفي هذا السيناريو، يُتوقع أن يتراجع العجز التجاري تدريجيًا ليصل إلى حدود 240 مليار درهم بحلول سنة 2027، مما يسمح بترسيخ مرونة اقتصادية أكبر.

أما السيناريو الثالث الذي طرح الفينا فهو سيناريو “الأزمة الخارجية”، والذي يفترض تفاقم الأوضاع العالمية؛ “ارتفاع مفاجئ لأسعار الطاقة، اضطرابات حادة في سلاسل التوريد، وانكماش في الطلب الخارجي، وفي هذه الحالة، قد يتجاوز العجز التجاري 350 مليار درهم، مع معدل انفتاح يعود إلى مستويات تفوق 85 بالمئة، ما يضع الاقتصاد الوطني أمام تحديات حادة على صعيد الاستقرار والسيادة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News