التعليم ودوامة الإصلاح (3).. برنامجٌ استعجاليٌ ابْتلَع الملايير بحصيلة صفرية

سنة على انقضاء “عشرية الإصلاح” التي حددها الميثاق الوطني للتربية والتكوين لإتمام رحلته الإصلاحية للمدرسة المغربية، والذي تناولناه في الجزء الثاني من ملف “التعليم ودوامة الإصلاح”، انتبهت الدولة إلى الإخفاقات المتعددة التي راكمها تنزيله وغياب تحقيق معظم أهدافه، باعتراف مبدعيه وعلى رأسهم محمد مزيان بلفقيه، حينما قال إن “إصلاح التعليم بالمغرب فشل، ولست وحدي المسؤول عن فشله”. لتستدرك الدولة الأزمة الوشيكة، حينها، بضخ ميزانية ضخمة (42 مليار درهم) لما سمته بالبرنامج الاستعجالي لاستدراك قصور “عشرية الميثاق” التي ثبت فشلها.
ولم يكن البرنامج الاستعجالي (2009/ 2012) سياسة أو مُخططاً مُستقلاً عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بل إنه أكثر من ذلك لم يتحول إلى قانون ملزم للحكومات ووزارء التربية الوطنية الذين تعاقبوا على تدبير الشأن التعليمي، على الرغم من تنبيه متتبعين لمحاولات الإصلاح “الفاشلة” أن غياب الالتقائية بين البرامج الحكومية ومضامين الميثاق من أبرز أسباب فشله وعدم وصوله إلى الغايات التي رُسمت له خلال عقد من الزمن.
البرنامج الاستعجالي، وبالإضافة إلى الركائز التي تضمنها أساسه وهو الميثاق الوطني، نصَّ على إجراءات مهمة وفي مقدمتها محاربة الهدر المدرسي واستمرار مبادرة مليون محفظة وتوسيع برنامج تيسير والرفع من المنح الداخلية بالإضافة إلى الزيادة في عدد المدارس والثانويات الإعدادية والتأهيلية.
وبعد تقييم الـ3 سنوات التي تم خلالها تنزيل مضامين البرنامج الاستعجالي، لم تخرج حصيلة الأخير عن واقع الفشل الذي رافق ما سبقه من مبادرات إصلاحية منذ استقلال المغرب وقصور رؤى بناء مدرسة مغربية ذات جودة ومردودية لأبناء المغاربة، حيث استمر تفاقم الهدر المدرسي بـ350 ألف طفل يغادر مقاعد الدراسة وتراجع مستوى التمكن من التعلمات الأساسية.
وإلى اليوم، لايزال اسم البرنامج الاستعجالي مُقتَرِناً بعدد من الملفات التي تنظر فيها المحاكم المغربية أو التي حُسم فيها بتورطِ عددٍ من المسؤولين في وزارة التربية الوطنية على المستوى الجهوي أو الإقليمي في قضايا اختلاس وتبديد أموالٍ عمومية، ما جَدَّد النقاش حول حكامة وتتبع برامج ومخططات إصلاح المنظومة التعليمية.
برنامج لاستدراك “فشل” عُشرِية الميثاق
خالد الصمدي، خبير تربوي وكاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العملي، قال إنه “نتيجة التأخر في تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين لأسباب متعددة مختلفة، اضطرت الدولة إلى إقرار برنامج استعجالي لإتمام تنزيل ما تم التعثر في تنزيله من مضامين الميثاق”، مبرزاً أن “البرنامج الاستعجالي 2009-2012 لم يمكن مستقلاً”.
وأورد الصمدي، في حديثه مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “هذا البرنامج استفاد من إمكانيات هائلة وموارد مالية كبيرة في ظرف استعجالي وقياسي (3 سنوات) من أجل تحقيق الأهداف التي سطرها الميثاق لإصلاح المنظومة التربوية ولم يصل إليها خلال عقد كامل من الزمن”.
أوجه الفشل، كما سمَّاهاً المتحدث ذاته، أو جوانب قصور البرنامج الاستعجالي الذي كان قد أريد منه أن يرمم إخفاقات السنوات العشر من تطبيق الميثاق الوطني من أجل إصلاح المنظومة التربوية أظهرها التقرير التحليلي لتطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000/ 2013، الذي أعده المجلس الأعلى للتربية والتكوين قبل الشروع في تحضير الرؤية الاستراتيجية التي تحولت إلى قانون إطار.
التقرير التفصيلي الذي خصص جزءاً منه لتقييم تنفيذ الإصلاح كما رسمه الميثاق الوطني، بما فيه مرحلة البرنامج الاستعجالي، اعتبر أنه بالرغم من التقدم الحاصل الذي يعبر عن إرادة تطبيق توصيات الميثاق، فقد ظلت اختلالات التطبيق قائمة.
وتابع التقرير أن إشكالية التعليم الإلزامي ونسبة الهدر المدرسي المرتفعة، وضعف مكتسبات التلاميذ، والنقص في تكوين المدرسين والولوج المحدود للتعلم بواسطة التكنولوجيا الجديدة، وتعثر الحكامة، وضعف مردودية البحث، شكَّلت جميعها أساس قصور نظام التربية والتكوين، مشيرا إلى تأثير عامل التردد الذي طبع تطبيق توصيات الميثاق في دعم هذا القصور وعدم استكمال الإصلاح.
طموحٌ فاقدٌ للإلزامية
التوافق الذي كان قد حصل حول أهمية وفعالية وصوابية مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في مرحلة إعداده والمصادقة عليه، لم ينعكس بعد مرور قرابة 13 سنة على تنزيله. حيث بدا الاختلاف واضحاً بين نفس المتوافقين قبل 10 سنوات على كون الميثاق مُخلصاً للمدرسة العمومية من دوامة الإصلاح.
وبما أن الميثاق الوطني، على أهميته ومحوريته في محاولات إصلاح المنظومة التربوية في مغرب ما بعد الاستقلال، ظلَّ مجرد وثيقة مرجعية، فإن عدم تحوله إلى نص قانوني ملزم لجميع الحكومات ووزراء التعليم أفرغ هذا الميثاق من نفسه الإصلاحي.
الصمدي، وفي هذا الصدد، أورد أن “جميع الوزراء الذين تناوبوا على حمل حقيبة التعليم، طيلة مراحل تنزيل الميثاق الوطني، كانوا يعتبرون أن الميثاق هو مجرد وثيقة توجيهية غير ملزمة”، مستدركا أن “معظم هؤلاء الوزراء ظلوا يشتغلون بالبرنامج الحكومي”.
وشدد المصدر ذاته على أن “عدم تحويل الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى قانون ملزم هو العامل الأساسي الذي أثر على تنزيل مقتضياته كلها، سواء ما ارتبط منها بتعميم التمدرس أو البنيات والتجهيزات الأساسية أو مراجعة وملائمة المناهج وغيرها من الغايات التي وضعها الميثاق”.
وأمام هذا الوضع، سجل الوزير السابق أن معدي الرؤية الاستراتيجية 2015/ 2030 أكدوا ضرورة تحويل هذه الرؤية إلى قانون ملزم لجميع الحكومات التي ستتعاقب على تدبير الشأن العام، وهو ما تحقق بتحولها (الرؤية الاستراتيجية) إلى قانون إطار.
هل يتكرر سيناريو البرنامج الاستعجالي؟
لم يأت عقد من الزمن بالنتائج المرجوة من إقرار رؤية إصلاحية أطرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وحينما بقيت سنة واحدة على انتهاء المدة التي حددها لاستكمال بلوغ جميع أهدافه، خرج معدو هذا الميثاق وعلى رأسهم محمد أمزيان بلفقيه للإقرار بفشله في إصلاح التعليم، لتُخصِّص حكومة عباس الفاسي ميزانية بلغت 42 مليار درهم لتسريع وتيرة الإصلاح واستدراك قصور تنزيل الميثاق سنة 2009، أي على بعد سنة واحدة من انتهاء مدة الإصلاح.
تخصيص هذه الميزانية الضحمة لتتميم تنزيل مضامين الميثاق الوطني وجد مبرره في تحجج الوزراء الذين أشرفوا على تدبير قطاع التعليم بالخصاص في الإمكانيات المالية والموارد المادية للتغطية على “الفشل الذريع” في تنزيل الإصلاح.
وعلى غرار الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فلم يتحول البرنامج الاستعجالي إلى قانون ملزم بحكم أنه كان استمراراً له وليس برنامجاً أو سياسة مستقلة لتصور إصلاح المدرسة العمومية، فكان نصيبه من الفشل مماثلا لنصيب العشر السنوات التي سبقت إقراره.
الصمدي استغرب انتظار عدد من السياسيين أو المراقبين لقطاع التربية الوطنية أن يكون للبرنامج الاستعجالي، في ذك الوقت، أي أثر على جودة المدرسة العمومية بعدما فشلت محاولة الإصلاح خلال قرابة 10 سنوات (من 2000 إلى 2010)، مشددا على أنه “ما لم يحقق في 10 سنوات لا يمكن أن يتحقق في سنتين”.
وسجل المتحدث ذاته أن “الذي يخيفنا اليوم هو أن نكرر سيناريو البرنامج الاستعجالي خلال السنوات القادمة”، مسجلا “أننا أمام قرابة 4 سنوات على انتهاء الفترة التي حددت للرؤية الاستراتيجية دون أن نحقق عددا من أهدافها رغم مرور أكثر من 10 سنوات”.
واعتبر الوزير السابق أن “هذا الوضع لم يعد مقبولا اليوم بحكم أن وزارة التربية الوطنية تشتغل وفق رؤية واضحة ومؤطرة بالقانون الإطار 51.17 المتعلقة بمنظومة التربية والتكوين”، محذراً من “التردد الكبير في تنزيل عدد من مقتضيات هذا القانون”.