هل يعيد بنشعبون ثقة الزبناء في “اتصالات المغرب”؟

بانتظار المدير العام الجديد لشركة “اتصالات المغرب”، محمد بنشعبون، عمل كبير لنفض الغبار داخل بيت الفاعل الأول في القطاع وطنياً، بداية بالأوتار الاقتصادية التي تحتاج لإعادة ضبط، وفي مقدمتها مؤشرات الأرباح والمديونية وقيمة السهم بالبورصة. لكن ذلك يمر أساساً عبر إعادة الثقة للزبناء الذين ضاقوا ذرعاً بتردي الخدمات، وبـ”الزيادات المقنعة” التي ما فتئت تعمد إليها الشركة في عهد عبد السلام أحيزون لتدارك أزماتها.
بالنسبة للزبناء كانت النقطة التي أفاضت الكأس، مؤخراً، التغيرات التي طرأت على “عروض” اتصالات المغرب على مستوى الهاتف المحمول، فبعدما كانوا يستفيدون من أسبوع من المكالمات والإنترنت عن تعبئة من فئة 10 دراهم، فوجئوا في الشهور الأخيرة بتراجع المدة إلى 3 أيام فحسب.
وكانت التعبئة من فئة 5 دراهم، لنفس الخدمات، تمنح في ما مضى 500 ميغا (MO) تدوم لأجل أقصاه أسبوع كامل قبل أن تتراجع بدورها إلى يوم واحد، هذا ناهيك عن سرعة استهلاك الرصيد، ورداءة الخدمة وانقطاعات الإنترنت الثابت الذي ظلت الشركة تحتكره على حساب بقية منافسيها.
يبدو إذن أن الفاعل لم يجد سوى الحلقة الأضعف، أي زبناءه، ليحملهم ضريبة أزمته المالية التي خلفتها الأحكام القضائية الصادرة ضده والغرامات المسلطة عليه بالمغرب وحتى خارج الحدود، والتي ناهزت في المجمل 10 ملايير درهم، وأضرت بتوازناته المالية.
إيجاد التوازن بين استعادة التألق الاقتصادي وإعادة الثقة للزبناء هو إذن التحدي الذي سيكون على بنشعبون، المحمل بخبرة كبيرة تؤهله للمهمة، راكمها من تسييره لوزارة الاقتصاد والمالية إبّان حكومة سعد الدين العثماني ورئاسته لصندوق محمد السادس للاستثمار وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الكبرى.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي ادريس الفينة أن “اختيار بنشعبون لهذا المنصب ليس مجرد صدفة، بل يحمل دلالات قوية حول مستقبل اتصالات المغرب. فبخلفيته القوية كوزير مالية سابق ورئيس للمجموعة المصرفية “البنك الشعبي”، فإنه يمتلك القدرة على إعادة هيكلة الاستثمارات، وإدارة الموارد المالية بكفاءة أكبر”.
وأضاف الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي؛ “كما أن خبرته في الإصلاحات الاقتصادية الكبرى – مثل دوره في إطلاق صندوق محمد السادس للاستثمار – تعزز موقعه كقائد قادر على إعادة تعريف أولويات الشركة المالية والتوسعية. ومن شأن هذا التحول أن يعكس نهجًا جديدًا في إدارة المؤسسة، حيث سيعتمد على مقاربات مالية واستثمارية أكثر مرونة وجرأة، بدلاً من التركيز التقليدي على تطوير البنية التحتية التقنية فقط”.
ولفت الفينة إلى أن “اتصالات المغرب واجهت تحديات قانونية وتنظيمية مرتبطة بقوانين المنافسة، مما شكل ضغطًا متزايدًا على الشركة”، مضيفاً أنه “في ظل التحولات التكنولوجية السريعة أصبح من الضروري أن تتبنى الشركة نهجًا جديدًا في القيادة يواكب التحول الرقمي”.
وشدد على أنه “لا يمكن إغفال أن القرارات الكبرى المتعلقة بالشركات الاستراتيجية تتأثر أيضًا بتوازنات سياسية واقتصادية عليا، خاصة عندما يكون البديل شخصية بحجم محمد بنشعبون، الذي يمتلك سجلًا حافلًا في إدارة الملفات المالية والاستثمارية”.
وفصل بالقول: “تداعيات هذا التغيير لن تكون محصورة في المستوى الإداري فقط، بل قد تمتد إلى الاستراتيجية العامة لاتصالات المغرب، ومن المحتمل أن نشهد تحولات في هيكلة الاستثمارات، وتركيزًا أكبر على الاندماج مع قطاعات مالية وتقنية جديدة، وهو ما قد يؤدي إلى تعزيز الشراكات مع مؤسسات مالية دولية، وإعادة ضبط التوازن بين النمو المحلي والتوسع الخارجي”.
واستطرد: “كما أن الإدارة الجديدة قد تقوم بإعادة هيكلة داخلية لتواكب التحولات الجديدة، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي يفرضها التحول الرقمي، والتنافس المتصاعد في قطاع الاتصالات”.
وخلص رئيس المركز المستقل للدراسات الاستراتيجية إلى أن رحيل أحيزون عن قيادة اتصالات المغرب ليس مجرد تغيير إداري تقليدي، بل هو بداية مرحلة جديدة في مسار الشركة، واختيار محمد بنشعبون يبرز توجهًا نحو نهج مالي واستثماري أكثر تعقيدًا وديناميكية، بما يتناسب مع التحديات المستقبلية التي تواجه قطاع الاتصالات والاقتصاد المغربي ككل”.