افتتاحية

مدوّنة الأسرة.. نموذج مغربي تشاوري مُتفرِّد

مدوّنة الأسرة.. نموذج مغربي تشاوري مُتفرِّد

ثمة مؤشرات عدة تقول إننا في المغرب أنضجنا التشاور والحوار الوطني بشكل كبير، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة والتي تختلف فيها وجهات النظر المجتمعية حد الانقسام في بعض الأحيان.

طبعا يعود الفضل بالدرجة الأساس للملك محمد السادس، بصفته أولا رئيسا للدولة، وبصفته ثانيا أميرا للمؤمنين، في خلق بيئة من التشاور التي تسير بالمغرب نحو التحديث الاجتماعي والسياسي، دون أن يفرط في هوية الدولة ومرجعياتها الأساسية وضمنها المرجعية الإسلامية.

نتذكر جميعا عندما واجه الملك محمد السادس واحدا من أصعب المحطات الاجتماعية، مباشرة بعد توليه سدة العرش سنة 1999، حيث دشنت وقتها حكومة الراحل عبد الرحمان اليوسفي أولى المعارك بين الحداثيين والمحافظين، عندما أعلنت عن “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”.

الخطة التي لقيت اعتراضا، من طرف التيار الإسلامي، تحولت بسرعة إلى مواجهة بين الحداثيين والمحافظين، وكان الشارع الفيصل بينهما ليتدخل بعدها الملك، بإعلان تشكيل “اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأسرة”.
وبعد ربع قرن من هذا النقاش، أعادت المؤسسة الملكية رسم معالم تشاور حول المدونة، لكن الطريقة التي دبر بها الأمر، رفع من شأن الحوار والتشاور، وجعل التقاطب والتغول العددي والشارع، أمورا من الماضي، لصالح التوافق الوطني والنقاش الهادئ ومواجهة الحجة بالحجة.

طبعا لا يمكن الحديث عن الرابح والخاسر في هذه المعركة التي تهم المغاربة قاطبة، لكن ما يمكن تسجيله هو أن مؤسسات الدولة تتحرك بما يلزم، مؤطرة بتوجيه ملكي ترجمه البلاغ الوجيز للديوان الملكي ليوم الثلاثاء 26 شتنبر 2023، عقب التكليف الملكي المتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.

وحَرص البلاغ وقتها على إيلاء صفة إمارة المؤمنين ما يكفي من العناية، في إشارة إلى الموضوع وإلى صلته الوطيدة بالحقل الديني، فيما أبانت سيرورة النقاش تفرد النموذج المغربي في إصلاح مدونة الأسرة عن طريق عرض مقترحاتها من طرف الملك على المجلس العلمي الأعلى، لأخذ رأيه الشرعي.

ولأن الملك يعد حكما بين المؤسسات، فقد ارتأى وفقا لما كشف عنه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق في تفويض العلماء الرأي الشرعي بعد نهاية فتواهم الخاصة كما حملهم المسؤولية الكاملة في ذلك، وأعطاهم الحرية والثقة، وهي إشارة مهمة للتعامل المؤسساتي مع العلماء.

ومن أصل سبع عشرة مسألة محالة عليه، جاء رأي المجلس العلمي الأعلى مطابقا أو موافقا لأغلبها، فيما ثلاث منها تتعلق بنصوص قطعية لا تجيز الاجتهاد فيها، وهي المتعلقة باستعمال الخبرة الجينية للنسب، وإلغاء العمل بقاعدة التعصيب، والتوارث بين المسلم وغير المسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News