هل يحل “التمويل التعاوني” مشكلة تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة؟

في سنة 2023 خطى “التمويل التعاوني” أو “التمويل الجماعي” (Crowdfunding) خطواته الأولى بالمغرب، بحيث تحاول السلطات الاقتصادية والمالية المغربية بواسطته مساعدة المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تشكل حوالي 99 في المئة من النسيج الاقتصادي الوطني، على تجاوز العراقيل التي تحول دون ولوجها إلى التمويل.
وجاء في التقرير السنوي للهيئة المغربية لسوق الرساميل، أن الهيئة دعمت خلال سنة 2023 تفعيل التمويل التعاوني عبر إطلاق البوابة المخصصة له على الموقع الإلكتروني للهيئة.
وكان والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أعلن منتصف الصيف الماضي عن منح ثلاثة تراخيص حتى الآن لفائدة شركات التمويل التعاوني، معربا عن ثقته في المكاسب المحتملة لهذا الشكل الجديد من التمويل بالنسبة للاقتصاد المغربي.
قبل ذلك كان مجلس النواب صادق بالإجماع، منتصف فبراير 2021، على مشروع القانون رقم 18-15 المتعلق بالتمويل التعاوني، في حضور محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة آنذاك.
ومطلع شهر نونبر الماضي، نجحت الجمعية المغربية لمساعدة الأطفال في وضعية غير مستقرة في اغتنام هذه الفرصة لتحصيل 450 ألف درهم في حملة رقمية لجمع التبرعات لفائدة الأيتام ضحايا “زلزال الحوز”، وذلك في غضون 3 أسابيع فقط.
مما لا شك فيه أن الطابع الإنساني لهذه العملية لعب دوراً في نجاحها الباهر، فماذا عن عمليات التمويل التعاوني ذات الطابع الاقتصادي الصرف المتعلق بتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، والتي تعول كثيراً على هذا النمط من التمويل لفك العزلة المالية المضروبة عليها؟
لا بديل عن التمويل البنكي
في هذا الصدد كان رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، عبد الله الفركي قطعيا: “لا بديل عن التمويل البنكي، ولا يوجد نمط تمويلي يمكن أن يحل محل التمويلات البنكية بالنسبة للمقاولات؛ وإذا اعتقدنا أن التمويل التعاوني سيحل مشكلة ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة للتمويل، فيستحيل أن يحلها”.
وضرب المثال، في تصريح لصحيفة “مدار 21″، بتجربة التمويل عن طريق مؤسسات القروض الصغرى، والتي دخلت حيز التنفيذ مبدئياً منذ قانون المالية لسنة 2019، دون أن يكون لها أي وقع إلى غاية الآن على المقاولات الصغرى والمتوسطة.
وذكر في نفس السياق بأنه: “كنا طلبنا رفع السقف المحدد للقروض الصغرى من 50 ألفا إلى 200 ألف درهم، ووافق وزير المالية آنذاك محمد بنشعبون على تحديد السقف في 150 ألف درهم، وهو رقم جيد اعتقدنا أنه سيحل جزءً من مشاكل التمويل لهذه الفئة من المقاولات وينعشها، لا سيما خلال فترات الركود، لكن شيئا من ذلك لم يحدث”.
واعتبر أن هذه التجربة تثبت بالموازاة مع ذلك أن المشكلة ليست في القوانين والمبادرات، المتاحة بالفعل، بل في تفعيلها على أرض الواقع، محذرا من تعرض آلية “التمويل التعاوني” لنفس ما حصل مع المبادرات السابقة لتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، كالتمويل عن طريق القروض الصغرى ومرسوم تخصيص حصة 20 في المئة من الصفقات العمومية لفائدتها.
ومن جهة أخرى، نبه الفركي أيضا إلى أن هذه الآلية قد تصطدم بـ”ضعف الثقافة اللازمة لنجاح تجربة التمويل التعاوني” مؤكداً: “في المغرب ليس لدينا مستثمرون كبار يؤمنون بالمقاولات الصغرى والمتوسطة ويساهمون فيها، بعضهم لا يعلم حتى أن هذه المقاولات عرفت تحولات كبيرة وصارت تقودها أطر وكفاءات”.
الإطار التنظيمي في طور الاكتمال
وأكدت الهيئة المغربية لسوق الرساميل أنها في سنة 2023 و”بالموازاة مع أشغال وضع اللمسات الأخيرة على المنظومة التنظيمية اللازمة للبدء الفعلي لنشاط التمويل التعاوني، أطلقت مشروعا لرقمنة تدبير اعتماد شركات التمويل التعاوني التي تنجز عمليات من فئة «الاستثمار».
كما تم خلال السنة الماضية نشر الدورية رقم 01/23 المتعلقة بشركات التمويل التعاوني التي تنجز عمليات من فئة “الاستثمار”، والتي تحدد لائحة الوثائق والمعلومات التي يجب أن يتضمنها ملف طلب اعتماد شركات التمويل التعاوني، وكيفيات إخبار المساهمين من قبل شركات التمويل التعاوني بشأن عملية تمويل مشروع ما، وكذا بتقدم نشاط هذا المشروع بعد التمويل.
كما شملت الدورية شكل ومضمون التقرير السنوي الذي تنشره المؤسسة عن كل منصة تمويل تعاوني تسيرها؛ وشروط إحداث شركة التمويل التعاوني لمنظومة المراقبة الداخلية؛ والبنود الدنيا لعقد التمويل التعاوني الذي يجب إبرامه بين حامل المشروع والمساهم.
ويُعتبر التمويل التعاوني طريقة تمويل بديلة تتمثل في إقامة علاقة بين حاملي المشاريع والمساهمين عبر منصة إلكترونية تم إحداثها وتسييرها من قبل شركة مخصصة ومعتمدة مسبقا. ويمكن أن يأخذ التمويل التعاوني شكل قرض أو تبرع أو استثمار.
ويمكن لأي شخص ذاتي أو معنوي الاستفادة من التمويل التعاوني من أجل تمويل مشروع ما، وتجدر الإشارة إلى أن عمليات التمويل التعاوني يمكن أن تنطوي على مشاريع تتعلق بأي نشاط مشروع، باستثناء الأنشطة ذات الطابع السياسي أو الديني ونشاط الإنعاش العقاري.
ووفقا للمادة 24 من المرسوم رقم 2.21.158 المتعلق بالتمويل التعاوني، لا يمكن أن يتجاوز المبلغ الذي تم جمعه لفائدة نفس المشروع المعروض على منصة التمويل خمسة ملايين درهم بالنسبة للمشاريع المعروضة على منصات التمويل التعاوني من فئة “الاستثمار”؛ وثلاثة ملايين درهم بالنسبة للمشاريع المعروضة على منصات التمويل التعاوني من فئة “القرض”؛ وأربعمائة وخمسون ألف درهم بالنسبة للمشاريع المعروضة على منصات التمويل التعاوني من فئة “التبرع”.