أحكام تفوق 63 مليارا.. جماعات الرباط تغرق في سوء تدبير المنازعات

رصد التقرير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات أوجه قصور تشوب المنازعات القضائية لجماعات جهة الرباط- سلا- القنيطرة، يغلب عليها “التدبير المحدود” و”ضعف تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية” زيادة على محدودية الموارد البشرية.
وكشف المجلس الأعلى للحسابات أن تدبير لجماعات جهة الرباط- سلا- القنيطرة “محدود ويستوجب إيلاء الأهمية اللازمة للبعد الاستباقي والوقائي وحماية مصالح الجماعات مع الحرص على تتبع تنفيذ الأحكام والقرارات النهائية”.
437 حكما بأكثر من 63 مليارا
وأكد التقرير، الذي اطلعت “مدار21” على نسخة منه، بناء على مهمة موضوعاتية أنجزها المجلس الجهوي للحسابات لجهة الرباط- سلا- القنيطرة، همت الفترة 2022-2017، أن عدد الأحكام والقرارات النهائية الصادرة ضد جماعات الجهة خلال الفترة المذكورة ما مجموعه 437 حكما، بمبلغ إجمالي ناهز 63 مليارا و500 مليون سنتيم (635 مليون درهم)، مثلت المنازعات الإدارية فيها الحصة الكبرى بنسبة 87.4 بالمئة على مستوى العدد و99.1 بالمئة على مستوى المبالغ المستحقة.
ورصد المصدر عينه أن المنازعات المتعلقة بالاعتداء المادي والنفقات العمومية والتوريدات تشكل النصيب الأكبر من الأحكام والقرارت، إذ مثلت على التوالي 24 و22 بالمئة على مستوى العدد، و48 و35 بالمئة على مستوى المبالغ المستحقة.
أما بخصوص الأحكام والقرارات النهائية الصادرة لصالح الجماعات، فقد بلغت ما مجموعه 208 أحكام، وتجاوزت المبالغ المستحقة خلال نفس الفترة مليارين و170 مليون سنتيم (21.7 مليون درهم)، ومثلت فيها الأحكام والقرارات المتعلقة بالمداخيل الجزء الأكبر بـ65 بالمئة على مستوى العدد و96 بالمئة على مستوى المبالغ المستحقة.
ضعف الاعتمادات يراكم الأحكام
وسجل مجلس الحسابات ضعف تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية من طرف الجماعات، مما أدى إلى تراكم الأحكام غير المنفذة، سواء التي صدرت قبل سنة 2017 أو خلال الفترة الممتدة من 2017 إلى 2022.
وعزا هذه الوضعية أساسا إلى محدودية الاعتمادات المالية المبرمجة لهذا الغرض، مشيرا إلى أن “الاعتمادات المبرمجة خلال الفترة 2022-2017 لم تتجاوز نسبة 25 بالمئة من مجموع مبالغ الأحكام والقرارات الصادرة خلال نفس الفترة وتلك الصادرة قبل سنة 2017 وغير المنفذة”.
وأشار التقرير عينه إلى أن جل الجماعات، على مستوى جهة الرباط، لا تلجأ إلى تفعيل الحلول البديلة لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدها رغم أهميتها، مؤكدا أن هاته الحلول من شأنها أن تخفف العبء المالي على ميزانية الجماعة.
ولفت بهذا الصدد إلى أن “ثلاث جماعات فقط سبق لها تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية في إطار الاتفاقيات الحبية خلال الفترة الممتدة من 2017 إلى 2022، وتسع جماعات سبق لها تنفيذ الأحكام عبر أشطر خلال نفس الفترة المذكورة”.
الحجوزات تلامس 36 مليارا
وقد أدى تراكم الأحكام الصادرة ضد الجماعات وعدم تنفيذها إلى لجوء المحكوم لهم إلى مساطر التنفيذ الجبري، كالحجز على أموال الجماعة. وفي هذا الإطار، عرفت 14 جماعة على مستوى الجهة حالات حجز على أموالها لدى المحاسب العمومي خلال الفترة المذكورة بمبلغ إجمالي تجاوز 35 مليارا و900 مليون سنتيم (359 مليون درهم)، زيادة على حالات حكم على الآمر بالصرف بأداء غرامة تهديدية على مستوى أربع جماعات.
وشدد قضاة المجلس الأعلى للحسابات محدودية اللجوء للحلول الحبية لتسوية المنازعات، إذ أفادت أربع جماعات فقط بأنها سبق لها حل بعض القضايا حبيا قبل الوصول إلى مرحلة التقاضى.
الوكيل القضائي في خبر كان!
وسجل التقرير أن عدد الجماعات التي سبق لها الاستعانة بالوكيل القضائي للجماعات الترابية، الذي تم تعيينه بقرار وزير الداخلية عدد 1555.20 بتاريخ 13 يوليوز 2020، لم يتجاوز 12 جماعة، مبرزا أن ذلك “يعكس محدودية التنسيق مع هذه المؤسسة رغم أهمية المساعدة القانونية والقضائية التي يمكن أن توفرها”.
وبخصوص التدبير الإداري، أكد المجلس أن جل الجماعات تعاني من محدودية الموارد البشرية المكلفة بتدبير المنازعات، مشيرا بهذا الصدد إلى أن 72 بالمئة من جماعات الجهة تتوفر على موظف واحد فقط مكلف بهذا المجال.
وسجل أيضا “ضعف التكوين المستمر للموظفين المكلفين بالمنازعات بالجماعات، إذ أفادت تسع جماعات فقط بأن أحد موظفيها تلقى تكوينا متعلقا بالمنازعات خلال الفترة 2022-2017”.
ونبّه “مجلس العدوي” إلى أن هذه النقائص أدت إلى “عدم توفر الجماعات على بعض الوثائق المتعلقة بالملفات الرائجة والمحكومة كالمذكرات والمستنتجات والأحكام، كما تم الوقوف على ضعف التنسيق بين المصالح الجماعية، مما من شأنه أن يؤثر على تدبير المنازعات والدفاع عن مصالح الجماعة”.
استراتيجية للوقاية من المنازعات
ولتجاوز هذا الوضع، أوصى المجلس الأعلى للحسابات وزارة الداخلية بوضع استراتيجية لتدبير منازعات الجماعات الترابية مرتكزة على ثلاث دعائم متمثلة في الوقاية من المنازعات، واللجوء إلى الحلول البديلة لفض المنازعات، وحسن تدبير المنازعات القضائية في حالة نشوبها.
ودعا المجلس الجماعات إلى الحرص على اتخاذ الإجراءات الضرورية للدفاع عن مصالحها، مثل حضور ممثليها للجلسات وجلسات البحث وتقديم المستنتجات بعد الخبرة وتتبع مراحل سريان الملفات، والعمل على تفعيل الحلول البديلة لحل المنازعات، مع الحرص على الاستعانة بالوكيل القضائي للجماعات الترابية للاستفادة من المساعدة القانونية والقضائية التي يوفرها.
وحث المجلس الأعلى للحسابات الجماعات على تتبع الأحكام والقرارات القضائية النهائية وتفادي تراكمها، وكذا العمل على برمجة اعتمادات كافية في الميزانية مخصصة للتنفيذ واللجوء، حسب الحالات، إلى تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية في إطار اتفاقيات حبية وعبر أشطر.
وأوصى أيضا بالسهر على تأهيل الموارد البشرية المكلفة بتدبير المنازعات والحرص على ضمان تكوينها المستمر، وتجويد حكامة تدبير وتتبع الملفات المتعلقة بالمنازعات من خلال اعتماد أنظمة معلوماتية مناسبة.