مكتسبات واحتقان.. أين اختفت ثمار الحوار الاجتماعي؟!

المُتابع لمجريات الحوار الاجتماعي منذ تشكيل الحكومة الحالية، بعد سنوات من الجمود، يخلص إلى أن شيئا ما مفقود في المشهد المغربي. فمقابل المجهود المالي المهم والانفتاح الذي تبديه الحكومة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تبدو الأجواء الاجتماعية على نقيض ذلك مشحونة ومتسمة بالاحتقان، مما يسائل ثمار المجهود الحكومي.
وبغض النظر عن ما إن كان كافيا لإنهاء مصاعب فئات اجتماعية بصفة نهائية، إلا أن مجهود الحكومة المالي في الحوار الاجتماعي لا تخطئه العين، وذلك من خلال رفع الأجور وتخفيض الضرائب على الدخل، ثم أخيرا الإعفاء الكلي لمعاشات المتقاعدين من الضريبة على الدخل، وغيرها من منجزات الحوار القطاعي.
ولأن الحوار قائم على طرفين بالضرورة، فإن حسن استمراره يفترض قليل من الاعتراف من الطرف المقابل، وهو في هذه الحالة النقابات الممثلة للشغيلة، ثم تقييما موضوعيا من طرفها لحجم المكتسبات المهمة المحققة في ظرف وجيز، الأمر الذي ينتظر أن ينعكس في خطابها.
لا يقصد من هذا الكلام أن تركن النقابات إلى المهادنة وتصطف ضد الشغيلة، لكن يفترض أن تلعب دورها في تعريف الطبقة العاملة بالمنجزات المحققة، وتوضيح قيمتها بالنظر للسياق الوطني والدولي المعقد، وللظرف الاقتصادي الصعب الذي يتفاقم بسبب الجفاف المتوالي ببلادنا.
مع ذلك، ما نشهده اليوم هو استمرار عدد من الفئات الاجتماعية، التي رفعت سقف طموحها وانتظاراتها من الحوار الاجتماعي، وهو أمر مفهوم بالنظر لانسداد الحوار خلال ولايتين حكوميتين سابقتين، (استمرارها) في الضغط والاحتجاج دون اقتناع بجدوى الإجراءات والحلول المطروحة. وما يطرح سؤالا جماعيا لتفكيك خلفيات هذا الاستياء العام.
ولعل أبرز ما ينقص الوصفة الحكومية هو استمرار الافتقار لـ”ملح” التواصل، مما يساهم في تعميق فجوة الثقة، وذلك في انتظار أن تظهر لمسة التعديل الوزاري التي يرتقب أن تقدم جرعة من السياسة والتواصل للتركيبة الحكومية، بغاية بعث إشارات واضحة ومقنعة للأجراء والموظفين وحثهم على الانخراط في تعزيز الثقة.
في ظل هذا الوضع أيضا، يظهر ضعف التأطير النقابي والسياسي كأحد العوامل التي تزيد من تعقيد الوضع الاجتماعي. فالنقابات التي يتعين أن تستحق شرعية تمثيل الشغيلة، تواجه تحديات في التأثير وتوجيه النقاش العام حول الحقوق والمطالب، حتى أننا بتنا أمام ظاهرة غريبة أصبحت فيها القيادة موَجَهة من القواعد، وليس العكس.
ضعف التأطير النقابي والواقعية في المطالب باستحضار السياق، يتعزز أكثر أمام تراجع أدوار مؤسسات الوساطة السياسية والاجتماعية، أحزابا ونقابات ومجتمع مدني وإعلام، إذ بات الجميع يشتغل بقاعدة “الجمهور عاوز كذا” بدل خطاب الوضوح والصراحة.
ومن الواضح أن خطاب الصراحة هو الحل الأوحد لتحقيق التوازن بين الانتظارات الاجتماعية المتراكمة والإمكانات المتاحة. لا بد من تقديم صورة واضحة وواقعية للمواطنين حول ما يمكن تحقيقه وما يتعذر تحقيقه في الوقت الراهن، وهذا مجهود على الجميع الانخراط فيه، وخاصة الحكومة والنقابات.
لا شك أن التحديات كبيرة، لكن المطلوب أن تتظافر الجهود الحكومية والنقابية والسياسية في نشر خطاب إيجابي يعزز الثقة ويعيد الأمل. خطاب يثمن ما يتحقق ويتطلع إلى الأفضل بواقعية وأُناة. ذلك أن بث النَفس الإيجابي هو سبيل كسب رهان الاستقرار الاجتماعي، بشرط أن يكون ذلك قائمًا على الاعتراف بالواقع واحتياجات المواطنين والسعي المتواصل للإجابة على الانتظارات.
لو كانت الحكومة المغربيّة جادّةً في تناوُلها للملفّات الاجتماعيّة ما احتاجَت أصلاً إلى ما يُسمّى “الحوارات الاجتماعيّة” لِكوْنِها تعرف كلّ المَشاكل التي تتخبَّط فيها شريحة جدّ عريضة من الشعب المغربيّ، و بِوُسعِها حلّ جميع هذه المُعضِلات الاجتماعيّة التي تزداد تفاقُماً، لا تحتاج الحكومة إلى مُفاوَضات مع (النقابات)، المُفاوضات المرطونيّة التي تسعى من ورائها الحكومة إلى ربْح الوقْت، و بعد مُضي حقبة من الزمان تخرج بقرارات لا تستجيب لمطالب شريحة عريضة من الشعب المغربي، فئة المتقاعدين التي تمّ تجميد رواتبهم منذ عقود والتي حُرِمت من الزيادة في رواتبها إبّان زيادة 1000 درهم للموظَفين..