دين وحياة

“المغاربة علمانيون”.. هل يُطمئِن التوفيق ساسة فرنسا بنموذج التدين المغربي؟

“المغاربة علمانيون”.. هل يُطمئِن التوفيق ساسة فرنسا بنموذج التدين المغربي؟

“إلى من توجه التوفيق؟” سؤال تداولته مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع بعدما صرّح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، بمجلس النواب، بأنه أخبر وزير الداخلية الفرنسي بأن “المغاربة علمانيون” وأن “المغاربة يتصرفون بحرية لأنه لا إكراه في الدين”.

وفي تفاصيل المحادثة التي جمعت الوزيرين، أورد التوفيق، خلال جسلة الأسئلة الشفوية ليوم أمس الإثنين، بمجلس النواب، أن “الوزير الفرنسي قال لي بأن العلمانية تصدمكم؟”، مبرزا “أنني أجبته بلا وبأننا علمانيون لأنه ليست لدينا نصوص مثل قانون 1905، ولكن إذا أراد شخص شيئًا ما فيمكنه أن يفعله لأنه لا إكراه في الدين”.

وأمام هذه التصريحات التي أثارت الكثير من الجدل، قرأت عدد من التأويلات موقف الوصي على القطاع الديني في الحكومة على أنه “رسالة إلى الساسة الفرنسيين أكثر من كونه تعبير عن واقع المغاربة في علاقتهم بالدين”.

خطاب للداخل أم رسالة إلى الخارج؟

بلال التليدي، باحث أكاديمي في الحركات الإسلامية، اعتبر أنه “ينبغي أن نتساءل هل هذا الخطاب موجه إلى الداخل أم هو رسالة إلى الخارج؟”، مشيراً إلى أنه “إذا كان كلام التوفيق يخاطب به المغاربة فهذا يفتح النقاش على مصراعيه حول هوية المغاربة انطلاقا من الدستور والتاريخ وطبيعة النسق السياسي القائم”.

وأضاف التليدي، في تصريح لجريدة “مدار21” الالكترونية، أنه “إذا كان هذا الخطاب موجه إلى فرنسا التي يثار فيها اليوم إشكال التأطير الديني بالإضافة إلى الحساسية الشديدة لديها من أن يكون المغرب هو الفاعل الأساسي في التأطير الديني في فرنسا فيمكن أن نعتبر هذا التصريح له مصلحة يقدرها وزير الأوقاف”.

ولم يستبعد الباحث الأكاديمي في الحركات الإسلامية أن “يكون التوفيق يطمئن المسؤولين الفرنسيين بأن تدبير المغرب للشأن الديني داخل فرنسا، وأقصد هنا تأطير الجاليات المسلمة داخلها، فيه نوع من التطابق مع المبادئ التي تؤمن بها الجمهورية الفرنسية”، مؤكدا أن “فرنسا تبحث منذ مدة عن صيغة لإسلام يناسبها وتخوض حربا ضد أطروحات تعتبرها متطرفة”.

وفي هذا السياق، أورد المتحدث ذاته أنه “إذا كان خطاب التوفيق هو للخارج أي لفرنسا من أجل طمأنتها ولأجل أن يقع نوع من الاطمئنان عند الساسة الفرنسيين بأن الطريقة المغربية في تدبير الشأن الديني تصلح لفرنسا فهذا سيمكن المغرب من أن تكون له يد طولى في تدبير الشأن الديني في فرنسا في علاقته بالجاليات المسلمة”.

وأورد التليدي أن “تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يجب أن تقرأ في سياقها”، مشيرا في هذا الصدد إلى أنه “تكلم في البرلمان ولكنه استدرك قوله بأن هذا الكلام تم بينه وبين وزير الداخلية الفرنسي، يعنى أنه يتحدث عن سياق خاص وبالتالي فإن لهذا الكلام ما وراءه في السياق الفرنسي وليس في السياق المغربي”.

عن أي علمانية يتحدث التوفيق؟

من جانبه، اعتبر الأكاديمي والباحث في الشأن الديني والحركات الإسلامية، إدريس الكنبوري، أن “كلمة علمانية عند الناس تعني فصل الدين عن الدولة بشكل مطلق”، مستدركا أنه “أعتقد أن التوفيق يقصد أشياء أخرى غير هذا المفهوم وهي أن المفهوم الثقافي والسوسيولوجي للعلمانية ليس مرتبطا دائما بفصل الدين عن الدولة بل يمكن أن يعني أن المواطن يعيش حياته بشكل طبيعي ويمارسه دينه بشكل عادي”.

وأضاف الكنبوري، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “وزير الأوقاف لا يمكن أن يعني بالعلمانية فصل الدين عن الدولة لكونه يعرف أنه في المغرب يوجد أمير المؤمنين”، مسجلا أنه “سبق للملك في 2015 أن قال إن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يجمع بين الدين وبين السياسة هو أمير المؤمنين وبالتالي فالتوفيق لا يمكن أن يتجاوز هذا السقف”.

ومن ناحية أخرى، يضيف المتحدث ذاته أن “وزير الأوقاف من خلال هذه التصريحات يريد أن يوجه رسالة دبلوماسية إلى فرنسا بأن المغرب ليس دولة دينية”، مبرزا أن “عامة الناس يعتقدون بأن العلمانية هي الفصل التام بين الدين والدولة وهذا ما لا يمكن أن يصرح به وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية”.

وعلى الرغم من الجدل الذي أثارته هذه التصريحات، اعتبر الكنبوري أن “هذا الكلام موجه إلى فرنسا بشكل أساسي ولا أعتقد بأن هناك طريقة أفضل من هذه الطريقة للتعبير عن هذه الرسالة”، مشددا على أن “المفهوم السائد لدى الناس بخصوص العلمانية هو الذي أشعل كل هذا الجدل”.

وأشار المتحدث ذاته أن “المغاربة لا بد أن يصححوا هذا المفهوم المعنى الحقيقي بحيث أن العلمانية لا تعني دائما فصل الدين عن دولة وإنما يمكن أن تكون تعبير عن الطريقة التي يعيش بها المسلم في عالمه بشكل طبيعي ويمارس شعائره الدينية بشكل طبيعي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News