الطريق إلى أنمرو.. جراح “زلزال الحوز” تندمل ببطء شديد

أكثر من عام مضى منذ أن زلزلت الأرض تحت أقدام المغاربة أجمعين، ولسُكان منطقة الحوز كانت حصة الأسد من الأضرار. الزلزال حرك المغربَين الرسمي والشعبي، اللذين هبّا بحماس وطني وحس تكافلي قل نظيره لنجدة بني جلدتهم، بيد أن “آفة حارتنا النسيان”، كما قال الأديب المصري نجيب محفوظ، لدرجة يكاد معها زائر المنطقة هذه الأيام يجزم أنها تُرِكت لمصيرها.
في الطريق المؤدية من عاصمة الجهة، مراكش، صعوداً إلى قرية “أنمرو” على ارتفاع 2000 متراً عن سطح البحر، ومسافة تزيد عن 80 كلم، تتناثر قرىً مازالت ندوب الزلزال، على هيئة شروخ عميقة على واجهات البيوت، تتوعدها بالسقوط في أي لحظة، شاهدة على هول ما جرى. وكلما عرج المرء صعوداً صوب الجبال زادت الندوب وضوحا، لدرجة أن بعض الدواوير والقرى صارت أطلالاً يستطيع أشعرُ فطاحل الجاهلية الوقوف بها لنظم مرثيته.
ليس من العدمية القول إن الأشغال، الجارية بالفعل، تسير ببطء شديد، فإحدى القرى على مقربة من جماعة “أزكور”، لا يشاهد بها ورش واحد، وما تزال مخربة تماما كأنما نزل بها منذ مدة وجيزة عدوان صاروخي غاشم، كالذي يصيب فلسطين أو لبنان.
ما هموني غير الرجال إذا ضاعوا
ليس خراب الديار ما يدمي القلوب أكثر، فـ”كُل واحد قادر على تشييد بيت له” كما يقول الأثر الغيواني الشهير، بل الواقع الإنساني المأساوي على امتداد المسافة المذكورة. نبتت “قرى” كالفطر من الخيام والأكواخ و”الملاجئ” تأوي المنكوبين، عُرضة لما هو أسوء من الزلزال، فمن الواضح أن الصخور الجبلية قد تهوي على رؤوسهم في أي لحظة، ومن يدري مصيرهم في مواجهة الرياح العاتية أو الأمطار التي قد يجود بها الشتاء المقبل، قد يستيقظ المغاربة على “طاطا مكرر”.
اقتصاد المنطقة بدوره لا يساعد على عودة المياه لمجاريها سريعاً، فالأنشطة الاقتصادية لهذه الدواوير تحتاج دعما كبيرا، لأنها “في الغالب عبارة عن زراعات معيشية أو “فلاحة كفاف”، يدر ريعها بالكاد ما يسد الرمق ولا يجود بفائض كبير يصلح للتجارة”، يؤكد فاعل جمعوي بالمنطقة لـ”مدار 21”.
ليس غريبا أن تدعو “التنسيقية الوطنية لمنكوبي زلزال الحوز”، لخوض وقفتين احتجاجيتين بالتزامن، يوم 21 أكتوبر الجاري، أمام مقر ولاية مراكش آسفي ونظيره لولاية سوس ماسة، معتبرة أن “أوضاع الأسر المنكوبة بقيت على ما هي عليه بعد أزيد من عام على الزلزال”، ومشددة “على أنه تم إقصاء أكثر من نصف سكان المناطق المنكوبة”.
الفاعل نفسه وجه أصابع الاتهام لتعقيد مساطر الاستفادة إداريا، وهو “ما حرم جزءً كبيراً من المتضررين من إعادة الإعمار، ودفعهم للعيش في ما عاينتموه من دور متنقلة وخيام”.
وفي سؤال حول مصادر الدخل أكد أن “الأنشطة الفلاحية المعيشية بدورها ليست في متناول الجميع، هناك من لا يجد غير التوكل على المساعدات الإنسانية التي تأتي من حين لآخر أو لا تأتي، وثمة من يعول على أسرته القاطنة في مراكش أو غيرها من المناطق لتوفير المساعدة”.
إذا ابتسم المهزوم…
لا يمنع ذلك ابتسامة الأطفال بـ”أنمرو” من الاحتفاظ بإشراقة تنضح ببراءة نادرة، وكأنهم يتحدون بها كل الظروف التي تكالبت عليهم و”هزمتهم”. يحرمونها، بابتسامتهم المتفائلة بالحياة من “لذة النصر”، كما أوصى الأديب الإنجليزي العظيم شكسبير كل مهزوم.
على هؤلاء الصغار ثياب رثة، مهترئة أحيانا، متسخة أحيانا أخرى، ممزقة أحيانا كثيرة، أكبر من أحجامهم النحيلة على الأرجح… لا يحتاج المرء لفطنة حادة ليدرك أنها من مساعدات إخوانهم المغاربة، التي كانت سخية للغاية في ذلك اليوم الأغبر.
أما البالغون في هذا الدوار، الذي لا يتعدى عدد ساكنيه 600، رجالا ونساءً، فالتعب يجتاح وجوههم، سيدة استفادت من مبادرة جمعوية لتثمين منتجاتها الفلاحية وتسويقها، تبدو في ستينيات العمر، اكتشفنا أنها لا تتعدى الأربعين: “أعيل أبنائي وبناتي بفضل مزرعة لإنتاج الأعشاب العطرية تساعدني فيها إحدى الجمعيات”.
نساء أخريات اتجهن لإنتاج العسل وأخريات للجبن، أو لبعض الأشجار المثمرة أو الجوز… أنشطة فلاحية صغيرة جِداً بالكاد تساعد المرء على سد رمقه وتوفير قوت عياله، على أنها تتطلب دعماً كبيرا من المجتمع المدني، فيُطرح السؤال حول حال الدواوير غير المحظوظة بهذا النوع من المساندة الخيرية؟