مجتمع

الهجرة الجماعية.. هروب من مستقبل مجهول أم انصياع لحملات ممنهجة؟

الهجرة الجماعية.. هروب من مستقبل مجهول أم انصياع لحملات ممنهجة؟

تعتبر الهجرة غير النظامية من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات النامية في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، إذ يسعى العديد من الشباب والأطفال إلى عبور الحدود بحثاً عن “سراب” حياة أفضل في أوروبا.

المغرب، على غرار باقي الدول، يشهد تزايدًا في هذه المحاولات، مع ازدياد عدد الأفراد الذين يخاطرون بحياتهم من أجل الوصول إلى ما يعتقدون أنه فرصة لحياة جديدة في كنف “الفردوس الأوروبي”.

وكانت آخر هذه المحاولات يوم 15 شتنبر من العام الجاري، حيث اختار عدد من الأفراد هذا التاريخ لاقتحام السياج الأمني الحدودي بين الفنيدق وسبتة المحتلة، في مغامرة خطيرة أملاً في الوصول إلى ما يعتقدونه “حياة أفضل”.

ليلة محاولة “الهروب الكبير”، التي سبقتها حملة تغرير واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي دعت إلى هجرة جماعية نحو سبتة، اصطدمت بحضور مكثف للقوات الأمنية التي أحبطت محاولات التسلل قبل إعادة المتورطين إلى مدنهم.

وتشكل هذه المحاولة كغيرها من مظاهر الهجرةِ غير النظامية للأطفال والشباب، معاناة نفسية واجتماعية كبيرة على عائلاتهم، تاركةً الآباء في ألم الفقد والقلق الدائم.

تواصل أسري مُعتل

من المؤكد أن رغبة الشباب والأطفال المغاربة في الهجرة غير النظامية لا تأتي اعتباطًا، بل تنبع من عوامل نفسية واجتماعية متعددة تستدعي التحليل من منظور علم النفس الاجتماعي.

ولذلك، أجرت جريدة “مدار21” مقابلة مع محسن بنزاكور، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، والذي حمل مسؤولية إقدام الشباب والأطفال المغاربة على الهجرة غير النظامية إلى أسرهم مسجلا “الغياب التام للأبوين بداعي انشغالهما بالعمل وغلاء المعيشة”.

وتابع محسن بنزاكور “أن الأمهات والآباء اضطروا للخروج إلى العمل، وبالتالي هناك من الأسر من صرحت بأنها لا ترى أبناءها إلا يومي السبت والأحد، بل وهناك من لا يقابلهم إلا مرة واحدة في السنة”.

وهذا ما جعل المتخصص في علم النفس الاجتماعي يتوصل إلى استنتاج مفاده أن كل ذلك يغيب التواصل داخل الأسرة، بل ولا تعرف حتى ما يروج في مخيلة أبنائها.

التحديات الاقتصادية مستنزِفة

ويحضر الجانب الاقتصادي بقوة كذلك، باعتباره عاملا مهما يدفع عددا من الشباب المغاربة إلى الإقدام على الهجرة بطريقة غير نظامية.

وذلك ما أوضحه المحلل الاقتصادي، محمد الجدري، خلال حديثه لجريدة “مدار21″، بتأكيده أن عدم توفر مجموعة من الشباب على فرص عمل أو غياب من سيشجعهم على مبادرتهم الخاصة، سيدفعهم غلى التفكير في الهجرة صوب أوروبا.

تأثيرات النفسية عميقة

ولا يمكن إغفال التأثيرات النفسية الصعبة على الأفراد الذين يقررون الهجرة بهذه الطريقة، سواء خلال محاولاتهم أو بعد وصولهم إلى وجهاتهم.

وفي هذا الصدد، أقر محسن بنزاكور بوجود بعد نفسي قائلا: “رغبة الشباب المغاربة في الإقدام على الهجرة ليست مبنية على مشروع أو منهج، بل فقط على حلم والذي لا علاقة له بالواقع الذي يصبو إليه”.

واستدل المتحدث عينه بمثال الأفارقة جنوب الصحراء، ممن كانوا يعتبرون المغرب في الماضي مجرد بلد مؤقت للعبور إلى أوروبا، بينما بات الآن مقرا لاستقرارهم.

غياب الإعلامي العمومي

ويلعب الإعلام دورًا حيويًا في تشكيل توجهات الأفراد، خاصةً في الهجرة غير القانونية، من خلال توضيح المخاطر والحقائق.

وفي هذا الصدد، أجرت جريدة “مدار21” لقاء مع الكاتب العام للشبكة المغربية لصحفيي الهجرة، صلاح الدين المعيزي، الذي تساءل عن سبب الغياب المفاجئ للإعلام العمومي المغربي عن تغطية أحداث الفنيدق.

وتفاجأ المتحدث عينه بغياب الإعلام العمومي عن حدث تكلم عنه العالم بأكمله، مقابل حضور الإعلام الإسباني بقنواته التلفزية، ووكالات الأنباء الأوروبية والعالمية.

ما الحل؟

ولطالما شكلت السياسات الاقتصادية الحكومية عنصرًا مهمًا في معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية.

وفي هذا السياق، أشار المحلل الاقتصادي، محمد الجدري، إلى دور هذه السياسات وتأثيرها في تقليل هذه الظاهرة قائلا: “لا يمكننا الحد من الهجرة غير النظامية دون تدخل للدولة على عدة مستويات”.

وشدد على ضرورة تركيز حكومات الدول التي تشهد هذا النوع من الهجرة على جودة التعليم، والذي سيشجع الشباب على إتمام دراستهم ويتوفروا على عدد من الكفايات والمهارات التي ستؤهلهم لولوج سوق الشغل، مضيفا أن ذلك سيقلص من الهدر المدرسي.

ولمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية في المغرب، اقترح المتحدث ذاته مواكبة ومصاحبة الدولة لهؤلاء الشباب وتسهيل ولوجهم إلى مجموعة من الطلبيات العمومية، ما سيسمح لهم بخلق مقاولات خاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News