“الأمطار الغزيرة” بالجنوب الشرقي تمتحن استيعاب السدود للموارد المائية

أعادت التساقطات المطرية الكثيفة الأخيرة بعدد من مناطق الجنوب الشرقي النقاش حول مدى وفرة التجهيزات والبينات التحتية الكافية لضمان تخزين وتوزيع هذه الموارد المائية المهمة في هذه الظرفية من الجفاف التي تضررت منها عدد من المدن والقرى المغربية، حيث اعتبر مهتمون بالشأن المائي أن “السدود التي شيدت إلى اليوم بالمغرب غير كافية لاحتواء مياه التساقطات وضمان موارد مائية مستدامة”.
وشهدت عدد من أقاليم الجنوب الشرقي للمملكة، الجمعة المنصرم، تساقطات مطرية كثيفة أحيت العديد من الأنهار والوديان التي جفت منذ سنوا، وعززت حقينة السدود باحتياطات مائية إضافية مع تخليف أضرار مادية على مستوى الحقول الفلاحية والبنيات التحتية، أساسا الطرقات.
مصطفى بنرامل، خبير في الشأن المائي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية للتنمية والمناخ، قال إن “أهمية هذه التساقطات المطرية في هذه الظرفية بالجنوب اشرقي تكمن في إعادتها الحياة لعدد من الأودية والأنهار بمنطقة الجنوب الشرقي”، مبرزا أن “بعد هذه الأودية جفت عن آخرها وخصوصا الحوض المائي كير زيز غريس بالرشيدية”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة “مدار21” الالكترونية، أن “هذه التساقطات أنعشت حقينة السدود الموجودة في المناطق التي عرفت تساقطات كبيرة سواء على مستوى مدينة تنغير أو ورزازات بالإضافة إلى السدود التلية بنفس الأقاليم”، موردا أن “هذه الأمطار المبكرة بشرت خيرا بتخفيف وطأة الجفاف”.
وعن الأهمية الفلاحية لهذه التساقطات المطرية التي ارتوت معها العديد من السدود والوديان والأنهار، أورد الخبير في مجال الماء أن “أمطار الخير هذه تبشر ببداية موسم فلاحي جيد ومن المنتظر أن يكون أحسن بكثير من المواسم السابقة بهذه المناطق”.
وفي ما يتصل بالوقت الذي نزلت فيه هذه الأمطار في منطقة الجنوب الشرقي، أوضح الباحث في الشأن المائي أنها “جاءت نتيجة انحصار ظاهرة النينيو (ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة وقلة التساقطات) والتي كان من المتوقع أن تمتد إلى سنة 2027 مقابل بروز ظاهرة النينيا (البرودة والتساقطات الثلجية والعواصف والفيضانات)”.
وتابع الخبير نفسه أن “ضمان موسم منتظم الفصول كالمعتاد في المناخ المتوسطي والمناخ القاري يصبح من الصعب التنبؤ بتحققه في هذه الظروف خاصة في مناطق الجنوب الشرقي التي تتميز بكل هذه الخصائص”.
وسجل المصرح نفسه أن “العديد من الدراسات التي قمنا بها تنذر بتقلبات مناخية وتقلبات طقس متطرفة لا يمكن التنبؤ بعواقبها”، مؤكدا أنه “من الوارد جدا أن يشهد شهر شتنبر تساقطات مطرية كبيرة جدا وخلال شهر أكتوبر أيضا”.
وعن حجم التساقطات التي عرفتها منطقة الجنوب الشرقي، اعتبر برامل أنها “تساقطات تفوق الكميات المعتادة والتي أحيت معها الأودية والأنهار التي استوطنها سكان تلك المناطق وبنوا فيها مساكن وقرى”.
وعلى مستوى السياسة المائية وإقرارها بينات تحتية قادرة على احتواء هذا الحجم الهائل من التساقطات، شدد المصرح نفسه على أن “البنيات التحتية المائية في مناطق الجنوب الشرقي لتخزين وتوزيع كل هذه الموارد المائية غير متوفرة الآن”، مبرزا أن “السدود التي شيدت إلى حدود اليوم غير كافية لتجميع كل هذه الموارد المائية وتجميعها بشكل عادل”.
وزاد موضحا أنه “بغياب هذه التجهيزات والبنيات التحتية الضرورية فالعديد من هذه الموارد المائية المهمة سيكون مآلها الضياع والهدر”، مشددا على أن “الذي يمكن أن تستفيد منه بعض المناطق هو نفادها في الفرشة المائية”.
وأبرز الخبير ذاته أنه “إذا تلى هذه التساقطات طقس حار فسيكون من الطبيعي مآل هذه التساقطات التبخر دون أن تستفيد منها لا الفرشة المائية ولا التربة ولا المزارعين”، مواصلا أن “المغرب اليوم تأخر كثيرا في البنيات والتجهيزات الموازية للسدود والتي يمكن أن تكون لها فائدة في تجميع وتوزيع هذه المياه”.
وأورد الفاعل البيئي أنه “يصعب التأكيد أنه سيم الاحتفاظ بكل هذه الموارد المائية لما يعانيه المغرب من نقص في السدود”، موردا أن “أعلب السدود الموجودة اليوم تعاني هي الآخرى من التوحل ولا تغزن المياه بشكل كافي”، داعيا “الحكومة إلى مزيد من العمل والخطط الاستعجالية لحاجة الساكنة من كل قطرة ماء خلال الظرفية الحالية الصعبة”.