بريطانيا.. اكتظاظ السجون “قنبلة موقوتة” تؤرق حكومة العمال

كشفت بيانات جديدة لوزارة العدل في بريطانيا أن العنف، وإيذاء النفس في السجون يتصاعدان، كما تتوفر المخدرات بسهولة في مؤسسات إصلاح وإعادة تأهيل السجناء، وتسلط الضوء على أزمة كبيرة تحاول حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر معالجتها منذ وصولها إلى السلطة في الخامس من يوليو الجاري، بعد الهزيمة القاسية التي مُني بها حزب المحافظين بعد 14 عاماً في السلطة.
وأظهرت أرقام وزارة العدل أن معدلات إيذاء النفس في سجون المملكة المتحدة، وصلت لأعلى مستوياتها على الإطلاق، إذ بلغت نحو 74 ألف حالة العام الماضي، أي ما يعادل سجيناً واحداً يؤذي نفسه كل 7 دقائق، أما الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات، فبلغت أعلى مستوى لها مع أكثر من 28 ألف اعتداء على امتداد الدولة.
وللعام الثالث على التوالي يرتفع عدد السجون المكتظة، حتى اقتربت هذه المؤسسات من تجاوز طاقتها الاستيعابية، وباتت 4 من كل 10 سجون تُمثّل مصدر قلق بالغ للحكومة، فكيف تفاقمت هذه المشكلة في المملكة المتحدة خلال السنوات الماضية، وماذا يمكن فعله لحلها قبل انفجارها وتهديدها للنظام والأمن الداخلي؟
قالت وزيرة العدل شابانا محمود، إن “العنف وإيذاء النفس أصبحا أكثر انتشاراً في السجون بسبب المخدرات، إذ زاد تعاطيها بنسبة 44% مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، وارتفع عدد حالات ضبط المعدات المتعلقة بهذه السموم داخل السجون بنسبة 107%، لذا تعتبر مواجهة هذا الخطر أولوية قصوى للحكومة”.
وتتلخص الأزمة بأن السجون وصلت إلى 99% من طاقتها الاستيعابية منذ 2023، وهي تكافح جاهدة لمنح نزلائها وقتاً خارج الزنازين، وتقديم أنشطة تبعدهم عن العنف وتعاطي المخدرات وإيذاء النفس، إضافة إلى أن واحداً فقط من كل 5 سجون في المملكة المتحدة لديه عدد كافٍ من ضباط وعناصر مكافحة الشغب والعنف.
وتُظهر البيانات الجديدة أن حوادث الانفلات الأمني وعدم الانضباط المصحوبة بالعنف داخل السجون ارتفعت بنسبة 70% لتصل إلى 179 حالة نهاية العام الماضي، بينها 58 حادثة احتجز فيها رهائن، وبالتالي “تحولت سجون من مؤسسات إصلاح إلى مراكز لتعلّم الجريمة وتعاطي المخدرات، والتدرب، أو اعتياد أعمال العنف”.
أزمة السجون في بريطانيا
ونقلت صحيفة “إندبندنت” عن كبير مفتشي السجون في بريطانيا تشارلي تايلور، أن الاكتظاظ “قنبلة موقوتة”، وثمّة حاجة ملحّة لإطلاق سراح سجناء مبكراً”، لافتاً إلى أن “الظروف المزرية بشكل لا يصدق” داخل المؤسسات الإصلاحية، ستجعل من المرجح أن يعود السجناء إلى ارتكاب الجرائم بعد انتهاء مدة الأحكام الصادرة بحقهم.
وفي مارس الماضي، كشفت “إندبندنت” أن السجون تكافح نقصاً في الضباط المدربين على التعامل مع أعمال الشغب، وحذّرت من أعمال عنف كبيرة داخل السجون، لتجد الحكومة نفسها أمام 3 خيارات، هي “الإفراج المبكر عن جزء من السجناء، أو توسعة السجون وزيادة عددها، أو تعديل القوانين الجنائية”.
الإفراج المبكر
اختارت الحكومة الحل الأول، وقررت بحسب وزيرة العدل، إطلاق سراح آلاف السجناء ممن أنْهوا 40% من مُدد سجنهم وليس حتى نصفها.
وأشارت الوزيرة البريطانية إلى أنه سيتم إطلاق سراح نحو 5500 سجين دفعة واحدة، في خطوة تهدف لحل مشكلة الاكتظاظ في السجون، ولكن اختيار المستفيدين من هذه “المكرمة” لن يكون عشوائياً، وإنما بشروط محددة، على حد وصفها.
وقال الرئيس التنفيذي لـ”رابطة هوارد للإصلاح الجنائي” أندريا كومبر: “لينعم السجين بالإفراج المبكر، يجب أولاً أن يكون حكم السجن أقل من 4 سنوات، كما أن المعتقلين على ذمة قضايا الإرهاب، والجنس، والعنف المنزلي، لن يشملهم القرار، وبالتالي سيُطلق سراح اللصوص ومثيري الشغب في الشوارع وغيرهم من الذين لن يستفيد المجتمع من خروجهم، مدمنين على المخدرات أو متمرسين على العنف والقتل”.
ويرى كومبر أن “تعريض الناس لبيئات من العنف والاضطراب العقلي داخل السجون لن يغيّر حياتهم نحو الأفضل ويدفعهم باتجاه الابتعاد عن الجريمة، كما أن اكتظاظ السجون سيقود لغياب العدالة وانهيار القانون والنظام والقضاء”.
وشدد في حديث مع صحيفة “جارديان” على أن “الأمر لن ينتهي هنا، فلا بد من العمل على تغيير بيئة السجون وأنظمتها للتأكد من عودتها إلى المهمة المنوطة بها أصلاً، وهي إصلاح المجرمين الذين يخالفون القانون وإعادتهم إلى سياق الحياة الطبيعي”.
النظام المعطل
ولفت رئيس الوزراء كير ستارمر إلى أن قرار الإفراج المبكر، بعد قضاء 40% من مدة السجن، هو “بداية لحل مشكلة تراكمت على مدار 14 عاماً قضاها حزب المحافظين في السلطة حتى بات نظام السجون معطلاً، ويحتاج إلى إصلاح كبير لن يُنجز خلال أيام أبداً”.
من جهته، قال نائب رئيس جمعية إدارة السجون مارك إيكي لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، إن “قرار الحكومة سيقود إلى خروج بين 8 آلاف إلى 10 آلاف سجين، وهذا يتيح للقائمين على المؤسسات الإصلاحية هامشاً صغيراً للاهتمام ببقية السجناء، وخاصة من ناحية إخراجهم من الزنازين إلى الساحات، وإشراكهم في أنشطة مفيدة نفسياً ومجتمعياً”.
ولجأت الحكومة السابقة إلى “الإفراج المبكر” عن سجناء في محاولة لحل مشكلة اكتظاظ السجون، ولكن ليس بالقدر الكافي على ما يبدو، إذ بلغ عدد نزلاء السجون مع قدوم حزب العمال إلى السلطة قبل 3 أسابيع 87 ألفاً و505 سجناء، بينما تصل السعة القصوى لهذه المنشآت إلى 88 ألفاً و956 سجيناً، وفق أحدث البيانات الرسمية.
وتُعد بريطانيا صاحبة أعلى معدل اعتقال في قارة أوروبا بنحو 144 سجيناً لكل 100 ألف شخص، وهذا يقل بنسبة 25% في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وينخفض بمقدار النصف في ألمانيا وهولندا، أما في أميركا، فالنسبة أكبر بكثير، إذ يقبع وراء القضبان 531 سجيناً مقابل كل 100 ألف شخص من سكان الدولة.